التفاسير

< >
عرض

سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ
١
لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ
٢
مِّنَ ٱللَّهِ ذِي ٱلْمَعَارِجِ
٣
تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ
٤
فَٱصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً
٥
إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً
٦
وَنَرَاهُ قَرِيباً
٧
يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ
٨
وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ
٩
وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً
١٠
يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ
١١
وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ
١٢
وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِي تُؤْوِيهِ
١٣
وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ
١٤
كَلاَّ إِنَّهَا لَظَىٰ
١٥
نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ
١٦
تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ
١٧
وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ
١٨
-المعارج

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

مكية وهي أربع وأربعون آية

بسم الله الرحمٰن الرحيم

{ سَأَلَ سَآئِلٌ } هو النضر بن الحرث قال: { إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ ٱلسَّمَاء أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال: 32] أو هو النبي صلى الله عليه وسلم دعا بنزول العذاب عليهم. ولما ضمن سأل معنى دعا عدى تعديته كأنه قيل: دعا داع { بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } من قولك: دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه ومنه قوله تعالى: { يَدْعُونَ فِيهَا بِكلّ فَـٰكِهَةٍ } [الدخان: 55]. و { سال } بغير همز: مدني وشامي وهو من السؤال أيضاً إلا أنه خفف بالتليين و { سَائِلٌ } مهموز إجماعاً { لِلْكَـٰفِرِينَ } صفة لـ { عَذَابِ } أي بعذاب واقع كائن للكافرين { لَيْسَ لَهُ } لذلك العذاب { دَافِعٌ } راد { مِّنَ ٱللَّهِ } متصل بواقع أي واقع من عنده أو بدافع أي ليس له دافع من جهته تعالى إذا جاء وقته { ذِي ٱلْمَعَارِجِ } أي مصاعد السماء للملائكة جمع معرج وهو موضع العروج. ثم وصف المصاعد وبعد مداها في العلو والارتفاع فقال { تَعْرُجُ } تصعد. وبالياء: علي { ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ } أي جبريل عليه السلام خصه بالذكر بعد العموم لفضله وشرفه، أو خلق هم حفظة على الملائكة كما أن الملائكة حفظة علينا، أو أرواح المؤمنين عند الموت { إِلَيْهِ } إلى عرشه ومهبط أمره { فِى يَوْمٍ } من صلة تعرج { كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } من سني الدنيا لو صعد فيه غير الملك، أو «من» صلة { وَاقِعٍ } أي يقع في يوم طويل مقداره خمسون ألف سنة من سنيكم وهو يوم القيامة، فإما أن يكون استطالة له لشدته على الكفار، أو لأنه على الحقيقة كذلك فقد قيل فيه خمسون موطناً كل موطن ألف سنة، وما قدر ذلك على المؤمن إلا كما بين الظهر والعصر.

{ فَٱصْبِرْ } متعلق بـ { سَأَلَ سَائِلٌ } لأن استعجال النضر بالعذاب إنما كان على وجه الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم والتكذيب بالوحي، وكان ذلك مما يضجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بالصبر عليه { صَبْراً جَمِيلاً } بلا جزع ولا شكوى { إِنَّهُمْ } إن الكفار { يَرَوْنَهُ } أي العذاب أو يوم القيامة { بَعِيداً } مستحيلاً { وَنَرَاهُ قَرِيباً } كائناً لا محالة، فالمراد بالبعيد من الإمكان وبالقريب القريب منه. نصب { يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَاءُ } بـ { قَرِيبًا } أي يمكن في ذلك اليوم أو هو بدل عن { فِى يَوْمٍ } فيمن علقه بـ { وَاقِعٍ } { كَٱلْمُهْلِ } كدردي الزيت أو كالفضة المذابة في تلونها { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ } كالصوف المصبوغ ألواناً لأن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، فإذا بست وطيرت في الجو اشبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح { وَلاَ يَسْـئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } لا يسأل قريب عن قريب لاشتغاله بنفسه. وعن البزي والبرجمي: بضم الياء أي ولا يسأل قريب عن قريب أي لا يطالب به ولا يؤخذ بذنبه.

{ يُبَصَّرُونَهُمْ } صفة أي حميماً مبصرين معرفين إياهم، أو مستأنف كأنه لما قال { وَلاَ يَسْـئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } قيل: لعله لا يبصره. فقيل: يبصرونهم ولكنهم لتشاغلهم لم يتمكنوا من تساؤلهم. والواو ضمير الحميم الأول و «هم» ضمير الحميم الثاني أي يبصر الأحماء الأحماء فلا يخفون عليهم. وإنما جمع الضميران وهما للحميمين لأن فعيلاً يقع موقع الجمع { يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ } يتمنى المشرك وهو مستأنف، أو حال من الضمير المرفوع، أو المنصوب من { يُبَصَّرُونَهُمْ } { لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ } وبالفتح: مدني وعلي على البناء للإضافة إلى غير متمكن { بِبَنِيهِ * وَصَـٰحِبَتِهِ } وزوجته { وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ } وعشيرته الأدنين { ٱلَّتِى تُئْوِيهِ } تضمه انتماء إليها. وبغير همز: يزيد. { وَمَن فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } من الناس { ثُمَّ يُنجِيهِ } الافتداء عطف على { يفتدى }.

{ كَلاَّ } ردع للمجرم عن الودادة وتنبيه على أنه لا ينفعه الافتداء ولا ينجيه من العذاب { إِنَّهَا } إن النار، ودل ذكر العذاب عليها، أو هو ضمير مبهم ترجم عنه الخبر أو ضمير القصة { لَظَىٰ } علم للنار { نَزَّاعَةً } حفص والمفضل على الحال المؤكدة، أو على الاختصاص للتهويل. وغيرهما بالرفع خبر بعد خبر لـ «إن» أو على «هي نزاعة» { لِّلشَّوَىٰ } لأطراف الإنسان كاليدين والرجلين، أو جمع شواة وهي جلدة الرأس تنزعها نزعاً فتفرقها ثم تعود إلى ما كانت { تَدْعُواْ } بأسمائهم يا كافر يا منافق إليّ إليّ، أو تهلك من قولهم دعاك الله أي أهلكك، أو لما كان مصيره إليها جعلت كأنها دعته { مَنْ أَدْبَرَ } عن الحق { وَتَوَلَّىٰ } عن الطاعة { وَجَمَعَ } المال { فَأَوْعَى } فجعله في وعاء ولم يؤد حق الله منه.