التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ
١
قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً
٢
نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً
٣
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً
٤
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً
٥
إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً
٦
إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً
٧
وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً
٨
رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً
٩
وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً
١٠
وَذَرْنِي وَٱلْمُكَذِّبِينَ أُوْلِي ٱلنَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً
١١
إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً وَجَحِيماً
١٢
وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً
١٣
-المزمل

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

مكية وهي تسع عشرة آية بصري وثمان عشرة شامي

بسم الله الرحمٰن الرحيم

{ يأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } أي المتزمل وهو الذي تزمل في ثيابه أي تلفف بها بإدغام التاء في الزاي. كان النبي صلى الله عليه وسلم نائماً بالليل متزملاً في ثيابه فأمر بالقيام للصلاة بقوله { قُمِ ٱلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ } بدل من { ٱلَّيْلَ } و{ إِلاَّ قَلِيلاً } استثناء من قوله { نّصْفَهُ } تقديره: قم نصف الليل إلا قليلاً من نصف الليل { أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ } من النصف. بضم الواو: غير عاصم وحمزة { قَلِيلاً } إلى الثلث { أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } على النصف إلى الثلثين، والمراد التخيير بين أمرين بين أن يقوم أقل من نصف الليل على البت، وبين أن يختار أحد الأمرين وهما النقصان من النصف والزيادة عليه، وإن جعلت { نِّصْفَهُ } بدلاً من { قَلِيلاً } كان مخيراً بين ثلاثة أشياء: بين قيام نصف الليل تاماً، وبين قيام الناقص منه، وبين قيام الزائد عليه. وإنما وصف النصف بالقلة بالنسبة إلى الكل وإلا فإطلاق لفظ القليل ينطلق على ما دون النصف ولهذا قلنا: إذا أقرّ أن لفلان عليه ألف درهم إلا قليلاً أنه يلزمه أكثر من نصف الألف { وَرَتّلِ ٱلْقُرْءانَ } بين وفصل من الثغر المرتل أي المفلج الأسنان، وكلام رَتَلٌ بالتحريك أي مرتل، وثغر رتل أيضاً إذا كان مستوي البنيان. أو اقرأ على تؤدة بتبيين الحروف وحفظ الوقوف وإشباع الحركات { تَرْتِيلاً } هو تأكيد في إيجاب الأمر به وأنه لا بد منه للقارىء { إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ } سننزل عليك { قَوْلاً ثَقِيلاً } أي القرآن لما فيه من الأوامر والنواهي التي هي تكاليف شاقة ثقيلة على المكلفين، أو ثقيلاً على المنافقين، أو كلام له وزن ورجحان ليس بالسفساف الخفيف.

{ إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ } بالهمزة: سوى ورش: قيام الليل. عن ابن مسعود رضي الله عنه. فهي مصدر من نشأ إذا قام ونهض على فاعلة كالعافية، أو العبادة التي تنشأ بالليل أي تحدث، أو ساعات الليل لأنها تنشأ ساعة فساعة، وكان زين العابدين رضي الله عنه يصلي بين العشاءين ويقول هذه ناشئة الليل { هِىَ أَشَدُّ } { وطاءً } { وِفَـٰقاً } شامي وأبو عمرو أي يواطيء فيها قلب القائم لسانه. وعن الحسن: أشد موافقة بين السر والعلانية لانقطاع رؤية الخلائق. وغيرهما { وَطْأ } أي أثقل على المصلي من صلاة النهار لطرد النوم في وقته من قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اشدد وطأتك على مضر" { وَأَقْوَمُ قِيلاً } وأشد مقالاً وأثبت قراءة لهدوء الأصوات وانقطاع الحركات { إِنَّ لَكَ فِى ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } تصرفاً وتقلباً في مهماتك وشواغلك ففرّغ نفسك في الليل لعبادة ربك أو فراغاً طويلاً لنومك وراحتك { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ } ودم على ذكره في الليل والنهار، وذكر الله يتناول التسبيح والتهليل والتكبير والصلاة وتلاوة القرآن ودراسة العلم { وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ } انقطع إلى عبادته عن كل شيء. والتبتل: الانقطاع إلى الله تعالى بتأميل الخير منه دون غيره. وقيل: رفض الدنيا وما فيها والتماس ما عند الله { تَبْتِيلاً } في اختلاف المصدر زيادة تأكيد أي بتّلك الله فتبتل تبتيلاً أو جيء به مراعاة لحق الفواصل.

{ رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } بالرفع أي هو رب أو مبتدأ خبره { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } وبالجر: شامي وكوفي غير حفص بدل من { رَبَّكَ } وعن ابن عباس رضي الله عنهما على القسم بإضمار حرف القسم نحو: الله لأفعلن، وجوابه لا إله إلا هو كقولك: والله لا أحد في الدار إلا زيد { فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } ولياً وكفيلاً بما وعدك من النصر، أو إذا علمت أنه ملك المشرق والمغرب وأن لا إله إلا هو فاتخذه كافياً لأمورك. وفائدة الفاء أن لا تلبث بعد أن عرفت في تفويض الأمور إلى الواحد القهار إذ لا عذر لك في الانتظار بعد الإقرار.

{ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } فيّ من الصاحبة والولد وفيك من الساحر والشاعر { وَٱهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً } جانبهم بقلبك وخالفهم مع حسن المحافظة وترك المكافأة. وقيل: هو منسوخ بآية القتال { وَذَرْنِى } أي كِلْهم إليّ فأنا كافيهم { وَٱلْمُكَذِّبِينَ } رؤساء قريش مفعول معه أو عطف على { ذَرْنِى }أي دعني وإياهم { أُوْلِى ٱلنَّعْمَةِ } التنعم وبالكسر الإنعام وبالضم المسرة { وَمَهِّلْهُمْ } إمهالاً { قَلِيلاً } إلى يوم بدر أو إلى يوم القيامة { إِنَّ لَدَيْنَا } للكافرين في الآخرة { أَنكَالاً } قيوداً ثقالاً جمع نِكْل { وَجَحِيماً } ناراً محرقة { وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ } أي الذي ينشب في الحلوق فلا ينساغ يعني الضريع والزقوم { وَعَذَاباً أَلِيماً } يخلص وجعه إلى القلب. ورُوي "أنه صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية فصعق" وعن الحسن أنه أمسى صائماً فأتي بطعام فعرضت له هذه الآية فقال: ارفعه. ووضع عنده الليلة الثانية فعرضت له فقال: ارفعه، وكذلك الليلة الثالثة فأخبر ثابت البناني وغيره فجاءوا فلم يزالوا به حتى شرب شربة من سويق.