التفاسير

< >
عرض

لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ
١
وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ
٢
أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ
٣
بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ
٤
بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ
٥
يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ
٦
فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ
٧
وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ
٨
وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ
٩
يَقُولُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ
١٠
كَلاَّ لاَ وَزَرَ
١١
إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ
١٢
يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ
١٣
بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
١٤
وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ
١٥
لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
١٦
إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
١٧
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ
١٨
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ
١٩
-القيامة

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي أقسم. عن ابن عباس: و «لا» كقوله { لّئَلاَّ يَعْلَمَ } [الحديد: 29] وقوله:

في بئر لا حور سرى وما شعر

وكقوله:

تذكرت ليلى فاعترتني صبابة وكاد ضمير القلب لا يتقطع

وعليه الجمهور وعن الفراء: «لا» رد لإنكار المشركين البعث كأنه قيل: ليس الأمر كما تزعمون ثم قيل: أقسم بيوم القيامة. وقيل: أصله لأقسم كقراءة ابن كثير على أن اللام للابتداء و { أُقْسِمُ } خبر مبتدأ محذوف أي لأنا أقسم ويقويه أنه في «الإمام» بغير الألف ثم أشبع فظهر من الإشباع ألف، وهذا اللام يصحبه نون التأكيد في الأغلب وقد يفارقه { وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } الجمهور على أنه قسم آخر. وعن الحسن: أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة فهي صفة ذم وعلى القسم صفة مدح أي النفس المتقية التي تلوم على التقصير في التقوى وقيل: هي نفس آدم لم تزل تلوم على فعلها التي خرجت به من الجنة، وجواب القسم محذوف أي لتبعثن دليله { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَـٰنُ } أي الكافر المنكر للبعث { أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } بعد تفرقها ورجوعها رفاتاً مختلطاً بالتراب.

{ بَلَىٰ } أوجبت ما بعد النفي أي بلى نجمعها { قَـٰدِرِينَ } حال من الضمير في { نَّجْمَعَ } أي نجمعها قادرين على جمعها وإعادتها كما كانت { عَلَىٰ أَن نُّسَوِّىَ بَنَانَهُ } أصابعه كما كانت في الدنيا بلا نقصان وتفاوت مع صغرها فكيف بكبار العظام. { بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَـٰنُ } عطف على { أَيَحْسَبُ } فيجوز أن يكون مثله استفهاماً { لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } ليدوم على فجوره فيما يستقبله من الزمان { يَسْـئَلُ أَيَّانَ } متى { يَوْمُ ٱلْقِيَـٰمَةِ } سؤال متعنت مستبعد لقيام الساعة { فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ } تحير فزعاً وبفتح الراء: مدني شَخَصَ { وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ } وذهب ضوؤه أو غاب من قوله { فَخَسَفْنَا بِهِ } [القصص: 81] وقرأ أبو حيوة بضم الخاء { وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } أي جمع بينهما في الطلوع من المغرب أو جمعاً في ذهاب الضوء ويجمعان فيقذفان في البحر فيكون نار الله الكبرى { يَقُولُ ٱلإِنسَـٰنُ } الكافر { يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ } هو مصدر أي الفرار من النار أو المؤمن أيضاً من الهول. وقرأ الحسن بكسر الفاء وهو يحتمل المكان والمصدر { كَلاَّ } ردع عن طلب المفر { لاَ وَزَرَ } لا ملجأ { إِلَىٰ رَبِّكَ } خاصة { يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } مستقر العباد أو موضع قرارهم من جنة أو نار مفوّض ذلك لمشيئته، من شاء أدخله الجنة ومن شاء أدخله النار.

{ يُنَبَّؤُاْ ٱلإِنسَـٰنُ يَوْمَئِذٍ } يخبر { بِمَا قَدَّمَ } من عمل عمله { وَأَخَّرَ } ما لم يعمله.

{ بَلِ ٱلإِنسَـٰنُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } شاهد. والهاء للمبالغة كعلامة أو أنثه لأنه أراد به جوارحه إذ جوارحه تشهد عليه، أو هو حجة على نفسه والبصيرة الحجة قال الله تعالى: { قَدْ جَاءكُمْ بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ } [الأنعام: 104] وتقول لغيرك أنت حجة على نفسك. و { بَصِيرَةٌ } رفع بالابتداء وخبره { عَلَىٰ نَفْسِهِ } تقدم عليه والجملة خبر الإنسان كقولك: زيد على رأسه عمامة. والبصيرة على هذا يجوز أن يكون الملك الموكل عليه { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } أرخى ستوره والمعذار الستر. وقيل: ولو جاء بكل معذرة ما قبلت منه فعليه من يكذب عذره. والمعاذير ليس بجمع معذرة لأن جمعها معاذر بل هي اسم جمع لها ونحوه المناكير في المنكر { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ } بالقرآن { لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } بالقرآن. وكان صلى الله عليه وسلم يأخذ في القرآن قبل فراغ جبريل كراهة أن يتفلت منه فقيل له: لا تحرك لسانك بقراءة الوحي ما دام جبريل يقرأ لتأخذه على عجلة، ولئلا يتفلت منك. ثم علل النهي عن العجلة بقوله { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ } في صدرك { وَقُرْءَانَهُ } وإثبات قراءته في لسانك، والقرآن القراءة ونحوه { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } [طه: 114] { فَإِذَا قَرَأْنَـٰهُ } أي قرأه عليك جبريل فجعل قراءة جبريل قراءته { فَٱتَّبِعْ قُرْءَانَهُ } أي قراءته عليك { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } إذا أشكل عليك شيء من معانيه.