{كَلاَّ } ردع عن إنكار البعث أو ردع لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن العجلة وإنكار لها عليه، وأكده بقوله {بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ } كأنه قيل: بل أنتم يا بني آدم لأنكم خلقتم من عجل وطبعتم عليه تعجلون في كل شيء ومن ثم تحبون العاجلة الدنيا وشهواتها {وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ } الدار الآخرة ونعيمها فلا تعملون لها والقراءة فيهما بالتاء: مدني وكوفي {وُجُوهٌ} هي وجوه المؤمنين {يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } حسنة ناعمة {إِلَىٰ رَبّهَا نَاظِرَةٌ } بلا كيفية ولا جهة ولا ثبوت مسافة. وحمل النظر على الانتظار لأمر ربها أو لثوابه لا يصح لأنه يقال: نظرت فيه أي تفكرت، ونظرته انتظرته، ولا يعدى بـ «إلى» إلا بمعنى الرؤية مع أنه لا يليق الانتظار في دار القرار {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } كالحة شديدة العبوسة وهي وجوه الكفار {تَظُنُّ } تتوقع {أَن يُفْعَلَ بِهَا } فعل هو في شدته {فَاقِرَةٌ } داهية تقصم فقار الظهر {كَلاَّ } ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة كأنه قيل: ارتدعوا عن ذلك وتنبهوا على ما بين أيديكم من الموت الذي عنده تنقطع العاجلة عنكم وتنتقلون إلى الآجلة التي تبقون فيها مخلدين {إِذَا بَلَغَتِ } أي الروح وجاز وإن لم يجر لها ذكر لأن الآية تدل عليها {ٱلتَّرَاقِىَ } العظام المكتنفة لثغرة النحر عن يمين وشمال جمع ترقوة {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } يقف حفص على {مَنْ} وقيفة أي قال حاضر والمحتضر بعضهم لبعض أيكم يرقيه مما به من الرقية من حد ضرب، أو هو من كلام الملائكة: أيكم يرقى بروحه أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب من الرقي من حد علم.
{وَظَنَّ } أيقن المحتضر {أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } أن هذا الذي نزل به هو فراق الدنيا المحبوبة {وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } التوت ساقاه عند موته. وعن سعيد بن المسيب: هما ساقاه حين تلفان في أكفانه. وقيل: شدة فراق الدنيا بشدة إقبال الآخرة على أن الساق مثل في الشدة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هما همّان: همّ الأهل والولد وهمّ القدوم على الواحد الصمد {إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ } هو مصدر ساقه أي مساق العباد إلى حيث أمر الله إما إلى الجنة أو إلى النار {فَلاَ صَدَّقَ } بالرسول والقرآن {وَلاَ صَلَّىٰ } الإنسان في قوله:
{ أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَـٰنُ أَلَنْ نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } [القيامة: 3] {وَلَـٰكِن كَذَّبَ } بالقرآن {وَتَوَلَّىٰ } عن الإيمان أو فلا صدق ماله يعني فلا زكاه {ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } يتبختر وأصله يتمطط أي يتمدد لأن المتبختر يمد خطاه فأبدلت الطاء ياء لاجتماع ثلاثة أحرف متماثلة. {أَوْلَىٰ لَكَ } بمعنى ويل لك وهو دعاء عليه بأن يليه ما يكره {فَأَوْلَىٰ * ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } كرر للتأكيد كأنه قال: ويل لك فويل لك ثم ويل لك فويل لك. وقيل: ويل لك يوم الموت، وويل لك في القبر، وويل لك حين البعث، وويل لك في النار. {أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَـٰنُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } أيحسب الكافر أن يترك مهملاً لا يؤمر ولا ينهى ولا يبعث ولا يجازى؟ {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مّن مَّنِىٍّ يُمْنَىٰ } بالياء: ابن عامر وحفص أي يراق المني في الرحم، وبالتاء يعود إلى النطفة {ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً } أي صار المني قطعة دم جامد بعد أربعين يوماً {فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ } فخلق الله منه بشراً سوياً {فَجَعَلَ مِنْهُ } من الإنسان {ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } أي من المني الصنفين {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَـٰدِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِىَ ٱلْمَوْتَىٰ } أليس الفعّال لهذه الأشياء بقادر على الإعادة؟ وكان صلى الله عليه وسلم إذا قرأها يقول:
"سبحانك بلى" والله أعلم.