{أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً } هو كفت الشيء إذا ضمه وجمعه وهو اسم ما يكفت كقولهم الضمام لما يضم وبه انتصب {أَحْيَاءً وَأَمْوٰتاً } كأنه قيل: كافتة أحياء وأمواتاً، أو بفعل مضمر يدل عليه {كِفَاتاً } وهو تكفت أي تكفت أحياء على ظهرها وأمواتاً في بطنها، والتنكير فيهما للتفخيم أي تكفت أحياء لا يعدون وأمواتاً لا يحصرون {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ } جبالاً ثوابت {شَـٰمِخَـٰتٍ } عاليات {وَأَسْقَيْنَـٰكُم مَّاءً فُرَاتاً } عذاباً {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذِّبِينَ } بهذه النعمة {ٱنطَلِقُواْ إِلَىٰ مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } أي يقال للكافرين يوم القيامة سيروا إلى النار التي كنتم بها تكذبون {ٱنطَلِقُواْ } تكرير للتوكيد {إِلَىٰ ظِلٍّ} دخان جهنم {ذِى ثَلَـٰثِ شُعَبٍ } يتشعب لعظمه ثلاث شعب وهكذا الدخان العظيم يتفرق ثلاث فرق {لاَّ ظَلِيلٍ } نعت ظل أي لا مظل من حر ذلك اليوم وحر النار {وَلاَ يُغْنِى } في محل الجر أي وغير مغنٍ لهم {مِنَ ٱللَّهَبِ } من حر اللهب شيئاً {إِنَّهَا } أي النار {تَرْمِى بِشَرَرٍ } هو ما تطاير من النار {كَٱلْقَصْرِ } في العظم. وقيل: هو الغليظ من الشجر الواحدة قصرة {كَأَنَّهُ جِمَـٰلَتٌ} كوفي غير أبي بكر جمع جمل جمالات غيرهم جمع الجمع {صُفْرٌ } جمع أصفر أي سود تضرب إلى الصفرة، وشبه الشرر بالقصر لعظمه وارتفاعه، وبالجمال للعظم والطول واللون {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذِّبِينَ } بأن هذه صفتها.
{هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ } وقرىء بنصب اليوم أي هذا الذي قص عليكم واقع يومئذ، وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه الآية وعن قوله
{ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } [الزمر: 31] فقال: في ذلك اليوم مواقف في بعضها يختصمون وفي بعضها لا ينطقون. أو لا ينطقون بما ينفعهم فجعل نطقهم كلا نطق. {وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ } في الاعتذار {فَيَعْتَذِرُونَ } عطف على {يُؤْذَنُ} منخرط في سلك النفي أي لا يكون لهم إذن واعتذار {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذِّبِينَ } بهذا اليوم {هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ } بين المحق والمبطل والمحسن والمسيء بالجزاء {جَمَعْنَـٰكُمْ } يا مكذبي محمد {وَٱلأَوَّلِينَ } والمكذبين قبلكم {فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ } حيلة في دفع العذاب {فَكِيدُونِ } فاحتالوا عليّ بتخليص أنفسكم من العذاب. والكيد متعدٍ تقول: كدت فلاناً إذا احتلت عليه {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذِّبِينَ } بالبعث.
{إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ } من عذاب الله {فِى ظِلَـٰلٍ } جمع ظل {وَعُيُونٍ } جارية في الجنة {وَفَوٰكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ } أي لذيذة مشتهاة {كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } في موضع الحال من ضمير {ٱلْمُتَّقِينَ } في الظرف الذي هو {فِى ظِلَـٰلٍ } أي هم مستقرون في ظلال مقولاً لهم ذلك {هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } في الدنيا {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } فأحسنوا تجزوا بهذا {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذِّبِينَ } بالجنة {كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ } كلام مستأنف خطاب للمكذبين في الدنيا على وجه التهديد كقوله:
{ ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } [فصلت: 40] {قَلِيلاً } لأن متاع الدنيا قليل {إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ } كافرون أي إن كل مجرى يأكل ويتمتع أياماً قلائل ثم يبقى في الهلاك الدائم {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } بالنعم {وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرْكَعُواْ } اخشعوا لله وتواضعوا إليه بقبول وحيه واتباع دينه ودعوا هذا الاستكبار {لاَ يَرْكَعُونَ } لا يخشعون ولا يقبلون ذلك ويصرون على استكبارهم، أو إذا قيل لهم صلوا لا يصلون {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } بالأمر والنهي {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ } بعد القرآن {يُؤْمِنُونَ } أي إن لم يؤمنوا بالقرآن مع أنه آية مبصرة ومعجزة باهرة من بين الكتب السماوية فبأي كتاب بعده يؤمنون؟! والله أعلم.