التفاسير

< >
عرض

وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً
١
وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً
٢
وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً
٣
فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً
٤
فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً
٥
يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ
٦
تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ
٧
قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ
٨
أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ
٩
يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ
١٠
أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً
١١
قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ
١٢
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ
١٣
فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ
١٤
-النازعات

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

ست وأربعون آية مكية

بسم الله الرحمٰن الرحيم

{ والنّازعات غَرْقاً* والنّاشطاتِ نشطاً* والسّابحاتِ سبحاً* فالسّابقاتِ سبقاً* فالمدبّرات أمراً } لا وقف إلى هنا. ولزم هنا لأنه لو وصل لصار { يوم } ظرف { المدبرات } وقد انقضى تدبير الملائكة في ذلك اليوم. أقسم سبحانه بطوائف الملائكة التي تنزع الأرواح من الأجساد غرقاً أي إغراقاً في النزع أي تنزعها من أقاصي الأجساد من أناملها ومواضع أظفارها، وبالطوائف التي تنشطها أي تخرجها من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها، وبالطوائف التي تسبح في مضيها أي تسرع فتسبق إلى ما أمروا به فتدبر أمراً من أمور العباد مما يصلحهم في دينهم أو دنياهم كما رسم لهم. أو بخيل الغزاة التي تنزع في أعنتها نزعاً تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها لأنها عراب، والتي تخرج من دار الإسلام إلى دار الحرب من قولك ثور ناشط إذا خرج من بلد إلى بلد، والتي تسبح في جريها فتسبق إلى الغاية فتدبر أمر الغلبة والظفر، وإسناد التدبير إليها لأنها من أسبابه. أو بالنجوم التي تنزع من المشرق إلى المغرب، وإغراقها في النزع أن تقطع الفلك كله حتى تنحط في أقصى الغرب، والتي تخرج من برج إلى برج والتي تسبح في الفلك من السيارة فتسبق فتدبر أمراً من علم الحساب. وجواب القسم محذوف وهو «لتبعثن» لدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة.

{ يوم تَرْجُفُ } تتحرك حركة شديدة والرجف شدة الحركة { الرَّاجِفَةُ } النفخة الأولى وصفت بما يحدث بحدوثها لأنها تضطرب بها الأرض حتى يموت كل من عليها { تَتْبَعُهَا } حال عن الراجفة { الرَّادِفَةُ } النفخة الثانية لأنها تردف الأولى وبينهما أربعون سنة، والأولى تميت الخلق والثانية تحييهم { قلوبٌ يومئذٍ } قلوب منكري البعث { وَاجِفَةٌ } مضطربة من الوجيب وهو الوجيف. وانتصاب { يوم ترجف } بما دل عليه { قلوب يومئذ واجفة } أي يوم ترجف وجفت القلوب، وارتفاع { قلوب } بالابتداء و{ واجفة } صفتها { أبصارُها } أي أبصار أصحابها { خاشِعَةٌ } ذليلة لهول ما ترى حبرها { يقولونَ } أي منكرو البعث في الدنيا استهزاء وإنكاراً للبعث { أَءِنَّا لمردودون في الحافرةِ } استفهام بمعنى الإنكار أي أنرد بعد موتنا إلى أول الأمر فنعود أحياء كما كنا؟ والحافرة الحالة الأولى يقال لمن كان في أمر فخرج منه ثم عاد إليه: رجع إلى حافرته أي إلى حالته الأولى. ويقال: النقد عند الحافرة أي عند الحالة الأولى، وهي الصفقة أنكروا البعث. ثم زادوا استبعاداً فقالوا { أَءِذا كنا عظاماً نَّخِرَةً } بالية { ناخرة }: كوفي غير حفص. وفَعِلَ أبلغ من فاعل يقال: نخر العظم فهو نخر وناخر. والمعنى أنرد إلى الحياة بعد أن صرنا عظاماً بالية؟ و«إذا» منصوب بمحذوف وهو «نبعث» { قالوا } أي منكرو البعث { تِلْكَ } رجعتنا { إذاً كَرَّةٌ خاسرةٌ } رجعة ذات خسران أو خاسر أصحابها، والمعنى أنها إن صحت وبعثنا فنحن إذاً خاسرون لتكذيبنا بها وهذا استهزاء منهم { فَإِنَّما هي زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ } متعلق بمحذوف أي لا تحسبوا تلك الكرة صعبة على الله عز وجل فإنها سهلة هينة في قدرته فما هي إلا صيحة واحدة يريد النفخة الثانية من قولهم: زجر البعير إذا صاح عليه { فإذا هم بالسَّاهِرةِ } فإذا هم أحياء على وجه الأرض بعدما كانوا أمواتاً في جوفها. وقيل: الساهرة أرض بعينها بالشأم إلى جنب بيت المقدس أو أرض مكة أو جهنم.