التفاسير

< >
عرض

إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتْ
١
وَإِذَا ٱلْكَوَاكِبُ ٱنتَثَرَتْ
٢
وَإِذَا ٱلْبِحَارُ فُجِّرَتْ
٣
وَإِذَا ٱلْقُبُورُ بُعْثِرَتْ
٤
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ
٥
يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ
٦
ٱلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ
٧
فِيۤ أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ
٨
كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ
٩
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ
١٠
كِرَاماً كَاتِبِينَ
١١
يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ
١٢
إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ
١٣
وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ
١٤
يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ ٱلدِّينِ
١٥
وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ
١٦
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ
١٧
ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ
١٨
يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ
١٩
-الانفطار

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

مكية وهي تسع عشرة آية

بسم الله الرحمٰن الرحيم

{ إِذَا ٱلسَّمَاءُ ٱنفَطَرَتْ } انشقت { وَإِذَا ٱلْكَوَاكِبُ ٱنتَثَرَتْ } تساقطت { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ فُجِّرَتْ } فتح بعضها إلى بعض وصارت البحار بحراً واحداً { وَإِذَا ٱلْقُبُورُ بُعْثِرَتْ } بحثت وأخرج موتاها وجواب «إذا» { عَلِمَتْ نَفْسٌ } أي كل نفس برة وفاجرة { مَّا قَدَّمَتْ } ما عملت من طاعة { وَأَخَّرَتْ } وتركت فلم تعمل أو ما قدمت من الصدقات وما أخرت من الميراث { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَـٰنُ } قيل: الخطاب لمنكري البعث { مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ * ٱلَّذِى خَلَقَكَ } أي شيء خدعك حتى ضيعت ما وجب عليك مع كرم ربك حيث أنعم عليك بالخلق والتسوية والتعديل؟ وعنه عليه السلام حين تلاها غره جهله. وعن عمر رضي الله عنه: غره حمقه. وعن الحسن: غره شيطانه. وعن الفضيل: لو خوطبت أقول غرتني ستورك المرخاة. وعن يحيـى بن معاذ أقول: غرني برك بي سالفاً وآنفاً { فَسَوَّاكَ } فجعلك مستوي الخلق سالم الأعضاء { فَعَدَلَكَ } فصيّرك معتدلاً متناسب الخلق من غير تفاوت فيه فلم يجعل إحدى اليدين أطول، ولا إحدى العينين أوسع، ولا بعض الأعضاء أبيض وبعضها أسود، أو جعلك معتدل الخلق تمشي قائماً لا كالبهائم. وبالتخفيف: كوفي وهو بمعنى المشدد أي عدّل بعض أعضائك ببعض حتى اعتدلت فكنت معتدل الخلقة متناسباً { فِى أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ } «ما» مزيد للتوكيد أي ركبك في أي صورة اقتضتها مشيئته من الصور المختلفة في الحسن والقبح والطول والقصر، ولم تعطف هذه الجملة كما عطف ما قبلها لأنها بيان لـ { عدلك } والجار يتعلق بـ { رَكَّبَكَ } على معنى وضعك في بعض الصور ومكنك فيها، أو بمحذوف أي ركبك حاصلاً في بعض الصور.

{ كَلاَّ } ردع عن الغفلة عن الله تعالى { بَلْ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ } أصلاً وهو الجزاء أو دين الإسلام فلا تصدقون ثواباً ولا عقاباً { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَـٰفِظِينَ } أعمالكم وأقوالكم من الملائكة { كِرَاماً كَـٰتِبِينَ } يعني أنكم تكذبون بالجزاء والكاتبون يكتبون عليكم أعمالكم لتجازوا بها { يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } لا يخفى عليهم شيء من أعمالكم. وفي تعظيم الكتبة بالثناء عليهم تعظيم لأمر الجزاء وأنه عند الله من جلائل الأمور، وفيه إنذار وتهويل للمجرمين ولطف للمتقين. وعن الفضيل أنه كان إذا قرأها قال: ما أشدها من آية على الغافلين! { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ } إن المؤمنين لفي نعيم الجنة { وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ } وإن الكفار لفي النار { يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ ٱلدِّينِ } يدخلونها يوم الجزاء.

{ وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغَائِبِينَ } أي لا يخرجون منها كقوله تعالى: { وَمَا هُم بِخَـٰرِجِينَ مِنْهَا } [المائدة:37] [البقرة:167]. ثم عظم شأن يوم القيامة فقال { وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدّينِ } فكرر للتأكيد والتهويل وبينه بقوله { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً } أي لا تستطيع دفعاً عنها ولا نفعاً لها بوجه وإنما تملك الشفاعة بالإذن. { يَوْم } بالرفع: مكي وبصري أي هو يوم، أو بدل من { يَوْم ٱلدّينِ } ومن نصب فبإضمار «اذكر» أو بإضمار يدانون لأن الدين يدل عليه { وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } أي لا أمر إلا لله تعالى وحده فهو القاضي فيه دون غيره.