التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ
١٠
إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْكَبِيرُ
١١
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ
١٢
إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ
١٣
وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ
١٤
ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ
١٥
فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ
١٦
هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْجُنُودِ
١٧
فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ
١٨
بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي تَكْذِيبٍ
١٩
وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ
٢٠
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ
٢١
فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ
٢٢
-البروج

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } يجوز أن يريد بالذين فتنوا أصحاب الأخدود خاصة وبالذين آمنوا المطروحين في الأخدود، ومعنى فتنوهم عذبوهم بالنار وأحرقوهم { ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ } لم يرجعوا عن كفرهم { فَلَهُمْ } في الآخرة { عَذَابُ جَهَنَّمَ } بكفرهم { وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ } في الدنيا لما رُوي أن النار انقلبت عليهم فأحرقتهم، ويجوز أن يريد الذين فتنوا المؤمنين أي بلوهم بالأذى على العموم والمؤمنين المفتونين، وأن للفاتنين عذابين في الآخرة لكفرهم ولفتنتهم.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُمْ جَنَّـٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْكَبِيرُ } أي الذين صبروا على تعذيب الأخدود أو هو عام { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } البطش: الأخذ بالعنف فإذا وصف بالشدة فقد تضاعف وتفاقم، والمراد أخذه الظلمة والجبابرة بالعذاب والانتقام { إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ } أي يخلقهم ابتداء ثم يعيدهم بعد أن صيرهم تراباً، دل باقتداره على الابداء والإعادة على شدة بطشه، أو أوعد الكفرة بأنه يعيدهم كما أبدأهم ليبطش بهم إذ لم يشكروا نعمة الابداء وكذبوا بالإعادة { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ } الساتر للعيوب العافي عن الذنوب { ٱلْوَدُودُ } المحب لأوليائه. وقيل: الفاعل لأهل الطاعة ما يفعله الودود من إعطائهم ما أرادوا { ذُو ٱلْعَرْشِ } خالقه ومالكه { ٱلْمَجِيدُ } وبالجر: حمزة وعلي على أنه صفة للعرش ومجد الله عظمته ومجد العرش علوه وعظمه { فَعَّالٌ } خبر مبتدأ محذوف { لِّمَا يُرِيدُ } تكوينه فيكون فيه دلالة خلق أفعال العباد.

{ هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْجُنُودِ } أي قد أتاك خبر الجموع الطاغية في الأمم الخالية { فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ } بدل من { ٱلْجُنُودِ } وأراد بفرعون إياه وآله والمعنى قد عرفت تكذيب تلك الجنود للرسل وما نزل بهم لتكذيبهم { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } من قومك { فِى تَكْذِيبٍ } واستيجاب للعذاب ولا يعتبرون بالجنود لا لخفاء حال الجنود عليهم لكن يكذبونك عناداً { وَٱللَّهُ مِن وَرَائِهِمْ مُّحِيطٌ } أي عالم بأحوالهم وقادر عليهم وهم لا يعجزونه، والإحاطة بهم من ورائهم مثل لأنهم لا يفوتونه كما لا يفوت الشيء المحيط به { بَلْ هُوَ } بل هذا الذي كذبوا به { قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ } شريف عالي الطبقة في الكتب وفي نظمه وإعجازه ليس كما يزعمون أنه مفترى وأنه أساطير الأولين { فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } من وصول الشياطين إليه { مَّحْفُوظٍ }: نافع صفة للقرآن أي من التغيير والتبديل. واللوح عند الحسن شيء يلوح للملائكة فيقرؤونه، وعند ابن عباس رضي الله عنهما وهو من درة بيضاء طولها ما بين السماء والأرض، وعرضه ما بين المشرق والمغرب، قلمه نور وكل شيء فيه مسطور. مقاتل: هو على يمين العرش. وقيل: أعلاه معقود بالعرش وأسفله في حجر ملك كريم، والله أعلم.