التفاسير

< >
عرض

وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ
١
وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ
٢
وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ
٣
قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ
٤
ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ
٥
إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ
٦
وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ
٧
وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ
٨
ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
٩
-البروج

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

مكية وهي اثنتان وعشرون آية

بسم الله الرحمٰن الرحيم

{ وَٱلسَّمَاءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } هي البروج الاثنا عشر. وقيل: النجوم أو عظام الكواكب { وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ } يوم القيامة { وَشَـٰهِدٍ وَمَشْهُودٍ } أي وشاهد في ذلك اليوم ومشهود فيه، والمراد بالشاهد من يشهد فيه من الخلائق كلهم، وبالمشهود فيه ما في ذلك اليوم من عجائبه. وطريق تنكيرهما إما ما ذكرته في قوله { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ } [التكوير: 14] كأنه قيل: ما أفرطت كثرته من شاهد ومشهود، وإما للإبهام في الوصف كأنه قيل: وشاهد ومشهود لا يكتنه وصفهما. وقد كثرت أقاويل المفسرين فيهما فقيل: محمد صلى الله عليه وسلم ويوم القيامة أو عيسى وأمته لقوله: { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ } [المائدة: 117]. أو أمة محمد وسائر الأمم، أو الحجر الأسود والحجيج، أو الأيام والليالي وبنو آدم للحديث: "ما من يوم إلا وينادي أنا يوم جديد وعلى ما يفعل فيّ شهيد فاغتنمني فلو غابت شمسي لم تدركني إلى يوم القيامة" أو الحفظة وبنو آدم، أو الله تعالى والخلق لقوله تعالى: { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } [الفتح:28] [النساء: 79] أو الأنبياء ومحمد عليهم السلام. وجواب القسم محذوف يدل عليه { قُتِلَ أَصْحَـٰبُ ٱلأُخْدُودِ } أي لعن كأنه قيل: أقسم بهذه الأشياء إنهم ملعونون يعني كفار قريش كما لعن أصحاب الأخدود، وهو خد أي شق عظيم في الأرض.

رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لبعض الملوك ساحر فلما كبر ضموا إليه غلاماً ليعلمه السحر. وكان في طريق الغلام راهب فسمع منه فرأى في طريقه ذات يوم دابة قد حبست الناس فأخذ حجراً فقال: "اللهم إن كان الراهب أحب إليك من الساحر فاقتلها" فقتلها فكان الغلام بعد ذلك يبرىء الأكمه والأبرص. وعمي جليس للملك فأبرأه فأبصره الملك فسأله من رد عليك بصرك؟ فقال: ربي. فغضب فعذبه فدل على الغلام، فعذبه فدل على الراهب، فلم يرجع الراهب عن دينه فقدّ بالمنشار، وأبى الغلام فذهب به إلى جبل ليطرح من ذروته فدعا فرجف بالقوم فطاحوا ونجا، فذهب به إلى قرقور فلجّجوا به ليغرقوه فدعا فانكفأت بهم السفينة فغرقوا ونجا فقال للملك: لست بقاتلي حتى تجمع الناس في صعيد وتصلبني على جذع وتأخذ سهماً من كنانتي وتقول: باسم الله رب الغلام ثم ترميني به، فرماه فوقع في صدغه فوضع يده عليه فمات فقال الناس: آمنا برب الغلام. فقيل للملك: نزل بك ما كنت تحذر. فخدّ أخدوداً وملأها ناراً فمن لم يرجع عن دينه طرحه فيها حتى جاءت امرأة معها صبي فتقاعست أن تقع فيها فقال الصبي: يا أماه اصبري فإنك على الحق فألقي الصبي وأمه فيها { ٱلنَّارِ } بدل اشتمال من الأخدود { ذَاتِ ٱلْوَقُودِ } وصف لها بأنها نار عظيمة لها ما يرتفع به لهبها من الحطب الكثير وأبدان الناس { إِذْ } ظرف لقتل أي لعنوا حين أحرقوا بالنار قاعدين حولها { هُمْ عَلَيْهَا } أي الكفار على ما يدنو منها من حافات الأخدود { قُعُودٌ } جلوس على الكراسي { وَهُمْ } أي الكفار { عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } من الإحراق { شُهُودٌ } يشهد بعضهم لبعض عند الملك أن أحداً منهم لم يفرط فيما أمر به وفوض إليه من التعذيب، وفيه حث للمؤمنين على الصبر وتحمل أذى أهل مكة { وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ } وما عابوا منهم وما أنكروا إلا الإيمان كقوله:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

وقوله:

ما نقموا من بني أمية إلــلاّ أنهم يحلمون إن غضبوا

وقرىء { نَقَمُواْ } بالكسر والفصيح هو الفتح { بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } ذكر الأوصاف التي يستحق بها أن يؤمن به وهو كونه عزيزاً غالباً قادرا يخشى عقابه حميداً منعماً يجب له الحمد على نعمته ويرجى ثوابه { ٱلَّذِى لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } فكل من فيهما تحق عليه عبادته والخشوع له تقريراً لأن ما نقموا منهم هو الحق الذي لا ينقمه إلا مبطل، وأن الناقمين أهل لانتقام الله منهم بعذاب عظيم { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ } وعيد لهم يعني أنه علم ما فعلوا وهو مجازيهم عليه.