التفاسير

< >
عرض

وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا
١
وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا
٢
وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا
٣
وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا
٤
وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا
٥
وَٱلأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا
٦
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا
٧
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا
٨
قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا
٩
وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا
١٠
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ
١١
إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا
١٢
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا
١٣
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا
١٤
وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا
١٥
-الشمس

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ وَٱلشَّمْسِ وَضُحَـٰهَا } وضوئها إذا أشرقت وقام سلطانها { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلـٰهَا } تبعها في الضياء والنور وذلك في النصف الأول من الشهر يخلف القمر الشمس في النور { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّـٰهَا } جلى الشمس وأظهرها للرائين وذلك عند انتفاخ النهار وانبساطه، لأن الشمس تنجلي في ذلك الوقت تمام الانجلاء. وقيل: الضمير للظلمة أو للدنيا أو للأرض وإن لم يجر لها ذكر كقوله: { مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ } [فاطر: 45] { وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَـٰهَا } يستر الشمس فتظلم الآفاق. والواو الأولى في نحو هذا للقسم بالاتفاق، وكذا الثانية عند البعض. وعند الخليل: الثانية للعطف لأن إدخال القسم على القسم قبل تمام الأول لا يجوز، ألا ترى أنك لو جعلت موضعها كلمة الفاء أو «ثم» لكان المعنى على حاله؟ وهما حرفاً عطف فكذا الواو. ومن قال: إنها للقسم احتج بأنها لو كانت للعطف لكان عطفاً على عاملين، لأن قوله { وَٱلَّيْلِ } مثلاً مجرور بواو القسم و { إِذَا يَغْشَىٰ } منصوب بالفعل المقدر الذي هو أقسم فلو جعلت الواو في { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } للعطف لكان النهار معطوفاً على الليل جراً، و { إِذَا تَجَلَّىٰ } معطوفاً على { إِذَا يَغْشَىٰ } نصباً فصار كقولك: إن في الدار زيداً أو في الحجرة عمراً. وأجيب بأن واو القسم تنزل منزلة الباء والفعل حتى لم يجز إبراز الفعل معها فصارت كأنها العاملة نصباً وجراً، وصارت كعامل واحد له عملان، وكل عامل له عملان يجوز أن يعطف على معموليه بعاطف واحد بالاتفاق نحو: ضرب زيد عمراً وبكر خالداً، فترفع بالواو وتنصب لقيامها مقام ضرب الذي هو عاملهما، فكذا هنا.

و «ما» مصدرية في { وَٱلسَّمَاءِ وَمَا بَنَـٰهَا * وَٱلأَرْضِ وَمَا طَحَـٰهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } أي وبنائها وطحوها أي بسطها وتسوية خلقها في أحسن صورة عند البعض وليس بالوجه لقوله { فَأَلْهَمَهَا } لما فيه من فساد النظم، والوجه أن تكون موصولة وإنما أوثرت على «من» لإرادة معنى الوصفية كأنه قيل: والسماء، والقادر العظيم الذي بناها، ونفس والحكيم الباهر الحكمة الذي سواها. وإنما نكرت النفس لأنه أراد نفساً خاصة من بين النفوس وهي نفس آدم كأنه قال: وواحدة من النفوس، أو أراد كل نفس، والتنكير للتكثير كما في { عَلِمَتْ نَفْسٌ } [الانفطار: 5] { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } فأعلمها طاعتها ومعصيتها أفهمها أن أحدهما حسن والآخر قبيح { قَدْ أَفْلَحَ } جواب القسم والتقدير: لقد أفلح، قال الزجاج: صار طول الكلام عوضاً عن اللام. وقيل: الجواب محذوف وهو الأظهر تقديره ليدمدمن الله عليهم أي على أهل مكة لتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما دمدم على ثمود لأنهم كذبوا صالحاً، وأما { قَدْ أَفْلَحَ } فكلام تابع لقوله { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } على سبيل الاستطراد وليس من جواب القسم في شيء { مَن زَكَّـٰهَا } طهرها الله وأصلحها وجعلها زاكية { وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـٰهَا } أغواها الله، قال عكرمة: أفلحت نفس زكاها الله وخابت نفس أغواها الله. ويجوز أن تكون التدسية والتطهير فعل العبد، والتدسية: النقص والإخفاء بالفجور وأصل دسّى دسس، والياء بدل من السين المكررة.

{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا } بطغيانها إذ الحامل لهم على التكذيب طغيانهم { إِذِ ٱنبَعَثَ } حين قام بعقر الناقة { أَشْقَـٰهَا } أشقى ثمود قدار بن سالف وكان أشقر أزرق قصيراً. و «إذ» منصوب بـ { كَذَّبَتْ } أو بالطغوى { فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ } صالح عليه السلام { نَاقَةُ ٱللَّهِ } نصب على التحذير أي احذروا عقرها { وَسُقْيَـٰهَا } كقولك: الأسد الأسد { فَكَذَّبُوهُ } فيما حذرهم منه من نزول العذاب إن فعلوا { فَعَقَرُوهَا } أي الناقة أسند الفعل إليهم وإن كان العاقر واحداً لقوله: { فَنَادَوْاْ صَـٰحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ } [القمر: 29]. لرضاهم به { فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ } أهلكهم هلاك استئصال { بِذَنبِهِمْ } بسبب ذنبهم وهو تكذيبهم الرسول وعقرهم الناقة { فَسَوَّاهَا } فسوى الدمدمة عليهم لم يفلت منها صغيرهم ولا كبيرهم { وَلاَ يَخَافُ عُقْبَـٰهَا } ولا يخاف الله عاقبة هذه الفعلة أي فعل ذلك غير خائف أن تلحقه تبعة من أحد كما يخاف من يعاقب من الملوك، لأنه فعل في ملكه وملكه { لاَّ يُسْـئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْـئَلُونَ } [الأنبياء: 23]، { فَلاَ يَخَافُ } مدني وشامي.