التفاسير

< >
عرض

وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ
١
وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ
٢
وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ
٣
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ
٤
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ
٥
وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ
٦
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ
٧
وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ
٨
وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ
٩
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ
١٠
وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ
١١
إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ
١٢
وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ
١٣
فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ
١٤
لاَ يَصْلَٰهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى
١٥
ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ
١٦
وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى
١٧
ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ
١٨
وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ
١٩
إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ
٢٠
وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ
٢١
-الليل

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

إحدى وعشرون آية مكية بسم الله الرحمن الرحيم { وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } المغشي، أما الشمس من قوله { وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَـٰهَا } [الشمس: 4] أو النهار من قوله { يَغْشَىٰ ٱلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ } [الأعراف: 54] أو كل شيء يواريه بظلامه من قوله { إِذَا وَقَبَ } [الفلق: 3] { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } ظهر بزوال ظلمة الليل { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } والقادر العظيم القدرة الذي قدر على خق الذكر والأنثى من ماء واحد، وجواب القسم { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } إن عملكم لمختلف وبيان الاختلاف فيما فصل على أثره { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ } حقوق ماله { وَٱتَّقَىٰ } ربه فاجتنب محارمه { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } بالملة الحسنى وهي ملة الإسلام، أو بالمثوبة الحسنى وهي الجنة، أو بالكلمة الحسنى وهي لا إله إلا الله { فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } فسنهيئه للخلة اليسرى وهي العمل بما يرضاه ربه { وَأَمَّا مَن بَخِلَ } بماله { وَٱسْتَغْنَىٰ } عن ربه فلم يتقه أو استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم العقبى { وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } بالإسلام أو الجنة { فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } للخلة المؤدية إلى النار فتكون الطاعة أعسر شيء عليه وأشد، أو سمى طريقة الخير باليسرى لأن عاقبتها اليسر، وطريقة الشر بالعسرى لأن عاقبتها العسر، أو أراد بهما طريقي الجنة والنار.

{ وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ } ولم ينفعه ماله إذا هلك، وتردى تفعّل من الردى وهو الهلاك، أو تردى في القبر أو في قعر جهنم أي سقط { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } إن علينا الإرشاد إلى الحق بنصب الدلائل وبيان الشرائع { وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ } فلا يضرنا ضلال من ضل ولا ينفعنا اهتداء من اهتدى، أو أنهما لنا فمن طلبهما من غيرنا فقد أخطأ الطريق { فَأَنذَرْتُكُمْ } خوفتكم { نَاراً تَلَظَّىٰ } تتلهب { لاَ يَصْلَـٰهَا } لا يدخلها للخلود فيها { إِلاَّ ٱلأَشْقَى ٱلَّذِى كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } إلا الكافر الذي كذب الرسل وأعرض عن الإيمان { وَسَيُجَنَّبُهَا } وسيبعد منها { ٱلأَتْقَى } المؤمن { ٱلَّذِى يُؤْتِى مَالَهُ } للفقراء { يَتَزَكَّىٰ } من الزكاء أي يطلب أن يكون عند الله زاكياً لا يريد به رياء ولا سمعة، أو يتفعل من الزكاة و { يَتَزَكَّىٰ } إن جعلته بدلاً من { يُؤْتَىٰ } فلا محل له لأنه داخل في حكم الصلة، والصلاة لا محل لها، وإن جعلته حالاً من الضمير في { يُؤْتَىٰ } فمحله النصب.

قال أبو عبيدة: الأشقى بمعنى الشقي وهو الكافر، والأتقى بمعنى التقي وهو المؤمن لأنه لا يختصر بالصلى أشقى الأشقياء، ولا بالنجاة أتقى الأتقياء، وإن زعمت أنه نكر النار فأراد ناراً مخصوصة بالأشقى فما تصنع بقوله: { وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى }، لأن التقي يجنب تلك النار المخصوصة لا الأتقى منهم خاصة، وقيل: الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين، فأريد أن يبالغ في صفتيها، فقيل { ٱلأَشْقَى } وجعل مختصاً بالصلي كأن النار لم تخلق إلا له، وقيل الأتقى وجعل مختصاً بالنجاة كأن الجنة لم تخلق إلا له، وقيل: هما أبو جهل وأبو بكر. وفيه بطلان زعم المرجئة لأنهم يقولون لا يدخل النار إلا كافر { وَمَا لاِحَدٍ عِندَهُ مِن نّعْمَةٍ تُجْزَىٰ إِلاَّ ٱبْتِغَاء وَجْهِ رَبّهِ } أي وما لأحد عند الله نعمة يجازيه بها إلا أن يفعل فعلا يبتغي به وجه ربه فيجازيه عليه { ٱلأَعْلَىٰ } هو الرفيع بسلطانه المنيع في شأنه وبرهانه، ولم يرد به العلو من حيث المكان فذا آية الحدثان { وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ } موعد بالثواب الذي يرضيه ويقرّ عينه وهو كقوله تعالى لنبيه عليه السلام: { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } [الضحى: 5].