التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ
١
وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ
٢
ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ
٣
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ
٤
فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً
٥
إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً
٦
فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ
٧
وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ
٨
-الشرح

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

مكية وهي ثمان آيات

بسم الله الرحمٰ ن الرحيم

{ ألم نشرح لك

صدرك } استفهم عن انتفاء الشرح على وجه الإنكار فأفاد إثبات الشرح فكأنه قيل: شرحنا لك صدرك، ولذا عطف عليه { وضعنا } اعتباراً للمعنى أي فسحناه بما أودعناه من العلوم والحكم حتى وسع هموم النبوة ودعوة الثقلين، وأزلنا عنه الضيق والحرج الذي يكون مع العمى والجهل، وعن الحسن: مليء حكمة وعلماً { صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } وخففنا عنك أعباء النبوة والقيام بأمرها، وقيل: هو زلة لا تعرف بعينها وهي ترك الأفضل مع إتيان الفاضل، والأنبياء يعاتبون بمثلها ووضعه عنه أن غفر له، والوزر: الحمل الثقيل { ٱلَّذِى أَنقَضَ ظَهْرَكَ } أثقله حتى سمع نقيضه وهو صوت الانتقاض { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } ورفع ذكره أن قرن ذكر الله في كلمة الشهادة والأذان والإقامة والخطب والتشهد وفي غير موضع من القرآن: { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } [محمد:33 ][التغابن:12]. { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [النساء: 13]. { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [التوبة: 62]. وفي تسميته رسول الله ونبي الله ومنه ذكره في كتب الأولين. وفائدة لك ما عرف في طريقة الإبهام والإيضاح لأنه يفهم بقوله: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ } أن ثم مشروحاً، ثم أوضح بقوله { صَدْرَكَ }ما علم مبهماً وكذلك { لَكَ ذِكْرَكَ }، و { عَنكَ وِزْرَكَ }.

{ فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } أي إن مع الشدة التي أنت فيها من مقاساة بلاء المشركين يسراً بإظهاري إياك عليهم حتى تغلبهم. وقيل: كان المشركون يعيرون رسول الله والمؤمنين بالفقر حتى سبق إلى وهمه أنهم رغبوا عن الإسلام لافتقار أهله، فذكره ما أنعم به عليه من جلائل النعم. ثم قال { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } كأنه قال: خولناك ما خولناك فلا تيأس من فضل الله فإن مع العسر الذي أنتم فيه يسراً، وجيء بلفظ «مع» لغاية مقاربة اليسر العسر زيادة في التسلية ولتقوية القلوب، وإنما قال عليه السلام عند نزولها "لن يغلب عسر يسرين" لأن العسر أعيد معرفاً فكان واحداً لأن المعرفة إذا أعيدت معرفة كانت الثانية عين الأولى، واليسر أعيد نكرة والنكرة إذا أعيدت نكرة كانت الثانية غير الأولى، فصار المعنى إن مع العسر يسرين. قال أبو معاذ: يقال إن مع الأمير غلاماً إن مع الأمير غلاماً، فالأمير واحد ومعه غلامان. وإذا قال: إن مع أمير غلاماً وإن مع الأمير الغلام، فالأمير واحد والغلام واحد. وإذا قيل: إن مع أمير غلاماً وإن مع أمير غلاماً فهما أميران وغلامان كذا في «شرح التأويلات».

{ فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ } أي فإذا فرغت من دعوة الخلق فاجتهد في عبادة الرب، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: فإذا فرغت من صلاتك فاجتهد في الدعاء، واختلف أنه قبل السلام أو بعده، ووجه الاتصال بما قبله أنه لما عدد عليه نعمه السالفة ومواعيده الآتية بعثه على الشكر والاجتهاد في العبادة والنصب فيها، وأن يواصل بين بعضها وبعض ولا يخلي وقتاً من أوقاته منها فإذا فرغ من عبادة ذنبها بأخرى { وَإِلَىٰ رَبّكَ فَٱرْغَبْ } واجعل رغبتك إليه خصوصاً ولا تسأل إلا فضله متوكلاً عليه { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [إبراهيم: 11].