التفاسير

< >
عرض

ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ
١
خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ
٢
ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ
٣
ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ
٤
عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ
٥
كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ
٦
أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ
٧
إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ
٨
أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ
٩
عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ
١٠
أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ
١١
أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ
١٢
أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ
١٣
أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ
١٤
-العلق

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

مكية وهي تسع عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

عن ابن عباس ومجاهد: هي أول سورة نزلت. والجمهور على أن الفاتحة أول ما نزل ثم سورة القلم { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ } محل { بِٱسْمِ رَبّكَ } النصب على الحال أي اقرأ مفتتحاً باسم ربك كأنه قيل: قل باسم الله ثم اقرأ الذي خلق. ولم يذكر الخلق مفعولاً لأن المعنى الذي حصل منه الخلق واستأثر به لا خالق سواه، أو تقديره خلق كل شيء فيتناول كل مخلوق لأنه مطلق فليس بعض المخلوقات بتقديره أولى من بعض. وقوله { خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ } تخصيص للإنسان بالذكر من بين ما يتناوله الخلق لشرفه ولأن التنزيل إليه، ويجوز أن يراد الذي خلق الإنسان إلا أنه ذكر مبهماً ثم مفسراً تفخيماً لخلقه ودلالة على عجيب فطرته { مِنْ عَلَقٍ } وإنما جمع ولم يقل من علقة لأن الإنسان في معنى الجمع { ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ } الذي له الكمال في زيادة كرمه على كل كريم ينعم على عباده النعم ويحلم عنهم، فلا يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم وجحودهم لنعمه، وكأنه ليس وراء التكرم بإفادة الفوائد العلمية تكرم حيث قال { ٱلَّذِى عَلَّمَ } الكتابة { بِٱلْقَلَمِ عَلَّمَ ٱلإِنسَـٰنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } فدل على كمال كرمه بأنه علم عباده ما لم يعلموا ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ونبه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة، وما دونت العلوم ولا قيدت الحكم ولا ضبطت أخبار الأولين ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة، ولولا هي لما استقامت أمور الدين والدنيا، ولو لم يكن على دقيق حكمة الله دليل إلا أمر القلم والخط لكفى به.

{ كَلاَّ } ردع لمن كفر بنعمة الله عليه بطغيانه وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه { إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَيَطْغَىٰ } نزلت في أبي جهل إلى آخر السورة { أَن رَّءاهُ } أن رأى نفسه. يقال في أفعال القلوب: رأيتني وعلمتني، ومعنى الرؤية العلم ولو كانت بمعنى الإبصار لامتنع في فعلها الجمع بين الضميرين { ٱسْتَغْنَىٰ } هو المفعول الثاني { إِنَّ إِلَىٰ رَبّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } تهديد للإنسان من عاقبة الطغيان على طريق الالتفات. والرجعى مصدر بمعنى الرجوع أي إن رجوعك إلى ربك فيجازيك على طغيانك { أَرَءيْتَ ٱلَّذِى يَنْهَىٰ عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ } أي أرأيت أبا جهل ينهى محمداً عن الصلاة { أَرَءيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ } أي إن كان ذلك الناهي على طريقة سديدة فيما ينهى عنه من عبادة الله { أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ } أو كان آمراً بالمعروف والتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقد { أَرَءيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } أرأيت إن كان ذلك الناهي مكذباً بالحق متولياً عنه كما نقول نحن { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } ويطلع على أحواله من هداه وضلاله فيجازيه على حسب حاله، وهذا وعيد وقوله { ٱلَّذِى يَنْهَىٰ } مع الجملة الشرطية مفعولا { أَرَأَيْتَ }وجواب الشرط محذوف تقديره: إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ألم يعلم بأن الله يرى؟ وإنما حذف لدلالة ذكره في جواب الشرط الثاني وهذا كقولك: إن أكرمتك أتكرمني؟ و { أَرَأَيْتَ } الثانية مكررة زائدة للتوكيد.