التفاسير

< >
عرض

لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
٦٤
وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٦٥
-يونس

لباب التأويل في معاني التنزيل

وقوله سبحانه وتعالى: { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } اختلفوا في هذه البشرى، فروي "عن عبادة بن الصامت قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى لهم البشرى في الحياة الدنيا قال: هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له" أخرجه الترمذي.
وله
"عن رجل من أهل مصر قال سألت أبا الدرداء عن هذه الآية لهم البشرى في الحياة الدنيا قال: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وقال ما سألني عنها أحد غيرك منذ أنزلت هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له" قال الترمذي حديث حسن (خ).
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لم يبق بعدي من النبوة إلا المبشرات قالوا وما المبشرات قال الرؤيا الصالحة" (ق) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة" لفظ البخاري ومسلم "إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً ورؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءاً من النبوة والرؤيا ثلاث: الرؤيا الصالحة بشرى من الله ورؤيا تحزين من الشيطان ورؤيا مما يحدث المرء نفسه، قال بعض العلماء: ووجه هذا القول إنا إذا حملنا قوله تبارك وتعالى لهم البشرى على الرؤيا الصالحة الصادقة فظاهر هذا النص يقتضي أن لا تحمل هذه الحالة إلا لهم، وذلك لأن ولي الله هو الذي يكون مستغرق القلب والروح بذكر الله عز وجل ومن كان كذلك فإنه عند النوم لا يبقى في قلبه غير ذكر الله ومعرفته ومن المعلوم أن معرفة الله في القلب لا تفيد إلا الحق والصدق فإذا رأى الولي رؤيا أو رؤيت له كانت تلك الرؤيا بشرى من الله عز وجل لهذا الولي.
قال الخطابي: في هذه الأحاديث توكيد لأمر الرؤيا وتحقيق منزلتها وإنما كانت جزءاً من أجزاء النبوة في حق الأنبياء دون غيرهم وكان الأنبياء عليهم السلام يوحى إليهم في منامهم كما يوحى إليهم في اليقظة، قال الخطابي: قال بعض العلماء معنى الحديث أن الرؤيا تأتي على موافقة النبوة لا أنها جزء من النبوة وقال الخطابي وغيره في معنى قوله - الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة: أقام النبي صلى الله عليه وسلم في النبوة ثلاثاً وعشرين سنة على الصحيح وكان قبل ذلك بستة أشهر يرى في المنام الوحي فهي جزء من ستة وأربعين جزءاً وقيل إن المنام لعل أن يكون فيه إخبار بغيب وهو أحد مراتب النبوة وهو يسير في جانب النبوة لأنه لا يجوز أن يبعث الله بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبياً يشرع الشرائع ويبين الأحكام ولا يخبر بغيب أبداً.
فإذا وقع لأحد في المنام الإخبار بغيب يكون هذا القدر جزءاً من النبوة لا أنه نبي، وإذا وقع ذلك لأحد في المنام يكون صدقاً والله أعلم.
وقيل في تفسير الآية: إن المراد بالبشرى في الحياة الدنيا هي الثناء الحسن وفي الآخرة الجنة ويدل على ذلك ما روي عن أبي ذر قال
"قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه قال تلك عاجل بشرى المؤمن" أخرجه مسلم قال الشيخ محيي الدين النووي قال العلماء معنى هذا البشرى المعجلة له بالخير، وهي دليل للبشرى المؤخرة له في الآخرة بقوله بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار وهذه البشرى المعجلة دليل على رضا الله عنه ومحبته له وتحبيبه إلى الخلق كما قال ثم يوضع له القبول في الأرض هذا كله إذا حمده الناس من غير تعرض منه لحمدهم وإلا فالتعرض مذموم قال بعض المحققين: إذا اشتغل العبد بالله عز وجل استنار قلبه وامتلأ نوراً فيفيض من ذلك النور الذي في قلبه على وجهه فتظهر عليه آثار الخشوع والخضوع يحبه الناس ويثنون عليه فتلك عاجل بشراه بمحبة الله له ورضوانه عليه وقال الزهري وقتادة في تفسير البشرى: هي نزول الملائكة بالبشارة من الله عند الموت ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى: { تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } [فصلت: 30] وقال عطاء عن ابن عباس البشرى في الدنيا عند الموت تأتيهم الملائكة بالبشارة وفي الآخرة بعد خروج نفس المؤمن يعرج بها إلى الله تعالى ويبشر برضوان الله تعالى وقال الحسن هي ما بشر الله به المؤمنين في كتابه من جنته وكريم ثوابه ويدل عليه قوله تعالى: { لا تبديل لكلمات الله } يعني لا خلف لوعد الله الذي وعد به أولياءه وأهل طاعته في كتابه وعلى ألسنة رسله ولا تغيير لذلك الوعد { ذلك هو الفوز العظيم } يعني ما وعدهم به في الآخرة { ولا يحزنك قولهم } يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولا يحزنك يا محمد قول هؤلاء المشركين لك ولا يغمك تخويفهم إياك { إن العزة لله جميعاً } يعني أن القهر والغلبة والقدرة لله جميعاً هو المنفرد بها دون غيره وهو ناصرك عليم والمنتقم لك منهم.
وقال سعيد بن المسيب: إن العزة لله جميعاً فيعز من يشاء وهذا كما قال سبحانه وتعالى في آية أخرى
{ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } [المنافقون: 8] ولا منافاة بين الآيتين فإن عزة الرسول صلى الله عليه وسلم وعزة المؤمنين بإعزاز الله إياهم فثبت بذلك أن العزة لله جميعاً وهو الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء. وقيل إن المشركين كانوا يتعززون بكثرة أموالهم وأولادهم وعبيدهم فأخبر الله سبحانه وتعالى أن جميع ذلك لله وفي ملكه فهو قادر على أن يسلبهم جميع ذلك ويذلهم بعد العز { هو السميع } لأقوالكم ودعائكم { العليم } بجميع أحوالكم لا تخفى عليه خافية.