التفاسير

< >
عرض

وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ
٩٠
قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ
٩١
قَالَ يٰقَوْمِ أَرَهْطِيۤ أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
٩٢
وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَٰمِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَٰذِبٌ وَٱرْتَقِبُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ
٩٣
-هود

لباب التأويل في معاني التنزيل

{ واستغفروا ربكم } يعني من عبادة الأصنام { ثم توبوا إليه } يعني من البخس والنقصان في الكيل والوزن { إن ربي رحيم } يعني بعباده إذا تابوا واستغفروا { ودود } قال ابن عباس: الودود المحبّ لعباده المؤمنين فهو من قولهم وددت الرجل أوده إذا أحببته، وقيل: يحتمل أن يكون ودود فعول بمعنى مفعول ومعناه أن عباده الصالحين يودونه ويحبونه لكثرة إفضاله وإحسانه إليهم. وقال الحليمي: هو الوّاد لأهل طاعته أي الراضي عنهم بأعمالهم والمحسن إليهم لأجلهم والمادح لهم بها، وقال أبو سليمان الخطابي: وقد يكون معناه من تودد إلى خلقه { قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول } يعني ما نفهم ما تدعونا إليه وذلك أن الله سبحانه وتعالى ختم على قلوبهم فصارت لا تعي ولا تفهم ما ينفعها وإن كانوا في الظاهر يسمعون ويفهمون { وإنا لنراك فينا ضعيفاً } قال ابن عباس وقتادة: كان أعمى، قال الزجاج: ويقال إن حمير كانوا يسمون المكفوف ضعيفاً وقال الحسن وأبو روق ومقاتل: يعني ذليلاً، قال أبو روق: إن الله سبحانه وتعالى لم يبعث نبياً أعمى ولا نبياً به زمانة، وقيل: كان ضعيف البصر وقيل المراد بالضعف العجز عن الكسب والتصرف وقيل هو الذي يتعذر عليه المنع عن نفسه ويدل على صحة هذا القول ما بعده وهو قوله { ولولا رهطك } يعني جماعتك وعشيرتك قيل الرهط ما بين الثلاثة إلى العشرة، وقيل: إلى السبعة { لرجمناك } يعني لقتلناك بالحجارة والرجم أسوأ القتلات وشرها، وقيل: معناه لشتمناك وأغلظنا لك القول { وما أنت علينا بعزيز } يعني بكريم وقيل بممتنع منا والمقصود من هذا الكلام وحاصله أنهم بينوا لشعيب عليه السلام أنه لا حرمة له عندهم ولا في صدورهم وأنهم إنما لم يقتلوه ولم يسمعوه الكلام الغليظ الفاحش لأجل احترامهم رهطه وعشيرته وذلك لأنهم كانوا على دينهم وملتهم ولما قالوا لشعيب عليه السلام هذه المقالة أجابهم بقوله { قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله } يعني أهيب عندكم من الله وأمنع حتى تركتم قتلي لمكان رهطي عندكم فالأولى أن تحفظوني في الله ولأجل الله لا لرهطي لأن الله أعز وأعظم { واتخذتموه وراءكم ظهرياً } يعني ونبذتم أمر الله وراء ظهوركم وتركتموه كالشيء الملقى الذي لا يلتفت إليه { إن ربي بما تعملون محيط } يعني أنه سبحانه وتعالى عالم بأحوالكم جميعاً لا يخفى عليه منها شيء فيجازيكم بها يوم القيامة { ويا قوم اعملوا على مكانتكم } يعني على تؤدتكم وتمكنكم من أعمالكم وقيل المكانة الحالة والمعنى اعملوا حال كونكم موصوفين بعناية المكنة والقدرة من الشر { إني عامل } يعني ما أقدر عليه من الطاعة والخير وهذا الأمر في قوله اعملوا فيه وعيد وتهديد عظيم ويدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: { سوف تعلمون } أينا الجاني على نفسه المخطئ في فعله.
فإن قلت أي فرق بين إدخال الفاء ونزعها في قوله سوف تعلمون.
قلت إدخال الفاء في قوله: فسوف تعلمون، وصل ظاهر بحرف موضوع للوصل ونزعها في قوله سوف تعلمون وصل خفي تقديري بالاستئناف الذي هو جواب لسؤال مقدر كأنهم قالوا فما يكون إذا عملنا نحن على مكانتنا وعملت أنت فقال سوف تعلمون يعني عاقبة ذلك فوصل تارة بالفاء وتارة بالاستئناف للتفنن في البلادة كما هو عادة بلغاء العرب وأقوى الوصلين وأبلغهما الاستئناف وهو باب من أبواب علم البيان تتكاثر محاسنه والمعنى سوف تعلمون { من يأتيه عذاب يخزيه } يعني بسبب عمله السيء أو أينا الشقي الذي يأتيه عذاب يخزيه { ومن هو كاذب } يعني فيما يدعيه { وارتقبوا } يعني وانتظروا العاقبة ما يؤول إليه أمري وأمركم { إني معكم رقيب } أي منتظر، والرقيب بمعنى المراقب.