التفاسير

< >
عرض

قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيۤ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
٣٧
وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـيۤ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيْءٍ ذٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ
٣٨
-يوسف

لباب التأويل في معاني التنزيل

{ قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله } قيل: أراد به في النوم يقول لا يأتيكما طعام ترزقانه في نومكما إلا أخبرتكما خبره في اليقظة، وقيل: أراد به اليقظة يقول لا يأتيكما طعام من منازلكما ترزقانه يعني تطعمانه وتأكلانه إلا نبأتكما بتأويله يعني أخبرتكما بقدره ولونه والوقت الذي يصل إليكما فيه { قبل أن يأتيكما } يعني قبل أن يصل إليكما وأي طعام أكلتم وكم أكلتم ومتى أكلتم وهذا مثل معجزة عيسى عليه الصلاة والسلام حيث قال وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم فقالا ليوسف عليه الصلاة والسلام هذا من علم العرافين والكهنة فمن أين لك هذا العلم؟ فقال ما أنا بكاهن ولا عراف وإنما ذلك إشارة إلى المعجزة والعلم الذي أخبرهما به { ذلكما مما علمني ربي } يعني أن هذا الذي أخبرتكما به وحي من الله أوحاه إليّ وعلم علمنيه { إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله } فإن قلت ظاهر قوله أني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله أنه عليه الصلاة والسلام كان داخلاً في هذه الملة ثم تركها وليس الأمر كذلك لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من حين ولدوا وظهروا إلى الوجود هم على التوحيد فما معنى هذا الترك في قوله تركت.
قلت الجواب من وجهين: الأول: أن الترك عبارة عن عدم التعرض للشيء والالتفات إليه بالمرة وليس من شرطه أن يكون قد كان داخلاً فيه ثم تركه ورجع عنه.
والوجه الثاني: وهو الأقرب أن يوسف عليه الصلاة والسلام لما كان عند العزيز وهو كافر وجميع من عنده كذلك وقد كان بينهم وكان يوسف على التوحيد والإيمان الصحيح صح قوله إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله { وهم بالآخرة هم كافرون } فترك ملتهم وأعرض عنهم ولم يوافقهم على ما كانوا عليه وتكرير لفظة هم في قوله وهم بالآخرة هم كافرون للتوكيد لشدة إنكارهم للمعاد وقوله { واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب } لما ادعى يوسف عليه السلام النبوة وأظهر المعجزة أظهر أنه من أهل بيت النبوة وأن آباءه كلهم كانوا أنبياء وقيل لما كان إبراهيم وإسحاق ويعقوب مشهورين بالنبوة والرسالة ولهم الدرجة العليا في الدنيا عند الخلق والمنزلة الرفيعة في الآخرة أظهر يوسف عليه الصلاة والسلام أنه من أولادهم وأنه من أهل بيت النبوة ليسمعوا قوله ويطيعوا أمره فيما يدعوهم إليه من التوحيد { ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء } معناه أن الله سبحانه وتعالى لما اختارنا لنبوته واصطفانا لرسالته وعصمنا من الشرك فما كان ينبغي لنا أن نشرك به مع جميع هذه الاختصاصات التي اختصَّنا بها. قال الواحدي: لفظة من في قوله من شيء زائدة مؤكدة كقولك ما جاءني من أحد، وقال صاحب الكشاف: ما كان لنا ما صح لنا معشر الأنبياء أن نشرك بالله من شيء أي شيء كان من ملك أو جني أو إنسي فضلاً أن نشرك به صنماً لا يسمع ولا يبصر { ذلك من فضل الله } يعني ذلك التوحيد وعدم الإشراك والعلم الذي رزقنا من فضل الله { علينا وعلى الناس } يعني بما نصب لهم من الأدلة الدالة على وحدانيته وبين لهم طريق الهداية إليه فكل ذلك من فضل الله على عباده { ولكن أكثر الناس لا يشكرون } يعني أن أكثرهم لا يشكرون الله على هذه النعم التي أنعم بها عليهم لأنهم تركوا عبادته وعبدوا غيره ثم دعاهما إلى الإسلام.