التفاسير

< >
عرض

لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ
١٨
أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
١٩
ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ
٢٠
وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ
٢١
-الرعد

لباب التأويل في معاني التنزيل

وقوله تعالى: { للذين استجابوا لربهم الحسنى } قيل: اللام في للذين متعلقة بيضرب والمعنى كذلك يضرب الله الأمثال للمؤمنين الذي استجابوا لربهم يعني أجابوه إلى ما دعاهم إليه من توحيده والإيمان به وبرسوله وللكافرين الذين لم يستجيبوا، فعلى هذا يكون قوله كذلك يضرب الله الأمثال ثم للفريقين من المؤمنين والكافرين وقيل تم الكلام عند قوله كذلك يضرب الله الأمثال ثم استأنف بقوله للذين استجابوا لربهم الحسنى. قال ابن عباس وجمهور المفسرين: يعني الجنة. وقيل: الحسنى هي المنفعة العظمى في الحسن وهي المنفعة الخالصة الخالية عن شوائب المضرة والانقطاع { والذين لم يستجيبوا له } يعني الكبار الذين استمروا على كفرهم وشركهم وما كانوا عليه { لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به } يعني لبذلوا ذلك كله فداء لأنفسهم من عذاب النار يوم القيامة { أولئك } يعني الذين لم يستجيبوا لربهم { لهم سوء الحساب } قال إبراهيم النخعي: سوء الحساب أن يحاسب الرجل بذنبه كله ولا يغفر له منه شيء { ومأواهم } يعني في الآخرة { جهنم وبئس المهاد } يعني وبئس ما مهد لهم في الآخرة، وقيل: المهاد الفراش يعني وبئس الفراش يفرش لهم في جهنم. قوله تعالى { أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق } يعني فيؤمن به ويعمل بما فيه { كمن هو أعمى } يعني أعمى البصيرة، لا أعمى البصر وهو الكافر فلا يؤمن بالقرآن ولا يعمل بما فيه قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه سلم وأبي جهل بن هشام. وقيل: نزلت في عمار بن ياسر وأبي جهل فالأول هو حمزة أو عمار والثاني هو أبو جهل وحمل الآية على العموم أولى، وإن كان السبب مخصوصاً، والمعنى: لا يستوي من يبصر الحق ويتبعه ومن لا يبصر الحق ولا يتبعه وإنما شبه الكافر والجاهل بالأعمى لأن الأعمى لا يهتدي لرشد، وربما وقع في مهلكة وكذلك الكافر والجاهل لا يهتديان للرشد وهما واقعان في المهلكة { إنما يتذكر أولو الألباب } يعني إنما يتعظ ذوو العقول السليمة الصحيحة، وهم الذين ينتفعون بالمواعظ والأذكار. قوله عز وجل { الذين يوفون بعهد الله } يعني الذي عاهدهم عليه وهو القيام بما أمرهم به، وفرضه عليهم وأصل العهد حفظ الشيء، ومراعاته حالاً بعد حال وقيل أراد بالعهد ما أخذه على أولاد آدم حين أخرجهم من صلبه، وأخذ عليهم العهد والميثاق { ولا ينقضون الميثاق } بل يوفون به فهو توكيد لقوله الذين يوفون بعهد الله { والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل } قال ابن عباس: يريد الإيمان بجميع الكتب والرسل يعني يصل بينهم بالإيمان ولا يفرق بين أحد منهم والأكثرون على أن المراد به صلة الرحم عن عبد الرحمن بن عوف. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "قال الله تبارك وتعالى: أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته أو قال بتتته" أخرجه أبو داود والترمذي (ق). عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله" (خ) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سره أن يبسط له في رزقه وأن يُنسأ له في أثره فليصل رحمه" صلة الرحم مبرة الأهل والأقارب والإحسان إليهم وضده القطع، قوله: وأن ينسأ له في أثره الأثر هنا الأجل سمي الأجل أثراً لأنه تابع للحياة وسابقها. ومعنى ينسأ: يؤخر والمراد به تأخير الأجل. وهو على وجهين: أحدهما أن يبارك الله في عمره فكأنما قد زاد فيه. والثاني أن يزيده في عمره زيادة حقيقية والله يفعل ما يشاء (ق) عن جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا يدخل الجنة قاطع" في رواية سفيان يعني "قاطع رحم" (خ) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "ليس الواصل بالمكافىء الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فإن صلة الرحم محبة في الأهل ومثراة في المال ومنسأة في الأثر" أخرجه الترمذي. وقوله تعالى: { ويخشون ربهم } يعني أنهم مع وفائهم بعهد الله وميثاقه والقيام بما أمر الله به من صلة الرحم يخشون ربهم، والخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه { ويخافون سوء الحساب } تقدم معناه.