التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلـٰهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ
٩٦
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ
٩٧
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ
٩٨
وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ
٩٩
-الحجر

لباب التأويل في معاني التنزيل

{ الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر فسوف يعلمون } يعني إذا نزل بهم العذاب ففيه وعيد وتهديد. قوله سبحانه وتعالى { ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون } يعني بسبب ما يقولون، وهو ما كانوا يسمعونه من الاستهزاء به، والقول الفاحش والجبلة البشرية تأبى ذلك فيحصل عند سماع ذلك ضيق الصدر، فعند ذلك أمره بالتسبيح والعبادة وهو قوله { فسبح بحمد ربك } قال ابن عباس: فصلِّ بأمر ربك { وكن من الساجدين } يعني من المتواضعين لله، وقال الضحاك فسبح بحمد ربك قل سبحان الله وبحمده وكن من الساجدين يعني من المصلين روي أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، قال بعض العارفين من المحققين: أن السبب في زوال الحزن عن القلب، إذا أتى العبد بهذه العبادات أنه يتنور باطنه ويشرق قلبه، وينفسح وينشرح صدره فعند ذلك يعرف قدر الدنيا وحقارتها فلا يلتفت إليها، ولا يتأسف على فواتها فيزول الهم والغم والحزن عن قلبه. وقال بعض العلماء: إذا نزل بالعبد مكروه ففزع إلى الصلاة فكأنه يقول: يارب إنما يجب عليّ عبادتك سواء أعطيتني ما أحب أو كفيتني ما أكره، فأنا عبدك وبين يديك فافعل بي ماتشاء. قوله تعالى { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } يعني الموت الموقن به الذي لا يشك فيه أحد، والمعنى واعبد ربك في جميع أوقاتك، ومدة حياتك حتى يأتيك الموت وأنت في عبادة ربك، وهذا مثل قوله تعالى في سورة مريم { وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً } [مريم: 31] روى البغوي بسنده عن جبير بن نفير قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم "ما أوحى الله إليّ أن أجمع المال وأكون من التاجرين، ولكن أوحى إليّ أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" وعن عمر قال: "نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير مقبلاً وعليه إهاب كبش قد تنطق به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظروا إلى هذا الذي نور الله قلبه لقد رأيته بين أبويه يغذيانه بأطيب الطعام والشراب ولقد رأيت عليه حلة شراها، أو قال: شريت له بمائتي درهم فدعاه حب الله، وحب رسوله إلى ما ترون" ذكره بغير سند والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.