التفاسير

< >
عرض

وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ
٨٥
وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ
٨٦
وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ
٨٧
-الأنبياء

لباب التأويل في معاني التنزيل

قوله عز وجل: { وإسماعيل } هو ابن إبراهيم صلى الله عليه وسلم { وإدريس } هو أخنوخ { وذا الكفل كل من الصابرين } لما ذكر الله أمر أيوب وصبره على البلاء أتبعه بذكر هؤلاء الأنبياء لأنهم صبروا على المحن والشدائد والعبادة أيضاً. أما إسماعيل صلى الله عليه وسلم فإنه على الانقياد إلى الذبح. وأما إدريس فقد تقدمت قصته. وأما ذو الكفل فاختلفوا فيه فقيل نبياً من بني إسرائيل وكان ملكاً أوحى الله إليه إني أريد قبض روحك فاعرض ملكك على بني إسرائيل فمن تكفل أنه يصلي الليل ولا يفتر ويصوم النهار ولا يفطر ويقضي بين الناس ولا يغضب فادفع ملكك إليه ففعل ذلك، فقام شاب فقال: أنا أتكفل لك بهذا، فتكفل ووفى فشكر الله له ونبأه فسمي ذا الكفل. وقيل: لما كبر اليسع قال إني أستخلف رجلاً على الناس يعمل عليهم في حياتي أنظر كيف يعمل قال: فجمع الناس وقال: من يتقبل من ثلاثاً أستخلفه يصوم النهار ويقوم الليل ويقضي ولا يغضب, فقام رجل تزدريه العين فقال: أنا، فاستخلفه فأتاه إبليس في صورة شيخ ضعيف حين أخذ مضجعه للقائلة، وكان لا ينام من الليل والنهار إلا تلك النومة: فدق الباب فقال: من هذا، فقال: شيخ كبير مظلوم، فقام ففتح الباب فقال إني بيني وبين قومي خصومة وإنهم ظلموني وفعلوا وفعلوا، وجعل يطول عليه؛ حتى ذهبت القائلة فقال: إذا رحت فائتني حتى آخذك حقك، فانطلق وراح فكان في مجلسه ينظر هل يرى الشيخ فلم يره فقام يبتغيه فلم يجده، فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس وينتظره فلم يره، فلما رجع إلى القائلة وقال وأخذ مضجعه دق الباب فقال: من هذا فقال: الشيخ المظلوم ففتح وقال له: ألم أقل إذا قعدت فائتني؟ قال: إنهم أخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد قالوا نحن نعطيك حقك إذا قمت جحدوني قال: فانطلق فإذا جلست فائتني وفاتته القائلة، فلما جلس جعل ينظر فلا يراه وشق عليه النعاس فلما كان اليوم الثالث قال لبعض أهله لا تدعن أحداً يقرب هذا الباب حتى أنام فإنه قد شق علي النعاس فلما كانت تلك الساعة نام فجاء فلم يأذن له الرجل فلما أعياه نظر فرأى كوة في البيت فتسور منها، فإذا هو في البيت فدق الباب من داخل فاستيقظ فقال يا فلان ألم آمرك قال أما من قبلي فلم تؤت فانظر من أين أتيت فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه، وإذا الرجل معه في البيت فقال: أتنام والخصوم ببابك، فنظر إليه فعرفه فقال: أعدو الله؟ قال نعم أعييتني وفعلت ما فعلت لأغضبك فعصمك الله فسمي ذا الكفل لأنه تكفل بأمر فوفى به، واختلف في نبوته فقيل كان نبياً، وهو إلياس وقيل هو زكريا، وقيل إنه كان عبداً صالحاً ولم يكن نبياً { وأدخلناهم في رحمتنا } يعني ما أنعم به عليهم من النبوة وصبرهم إليه في الجنة من الثواب { إنهم من الصالحين }.
قوله عز وجل: { وذا النون } أي واذكر صاحب الحوت أضيف إلى الحوت لابتلاعه إياه وهو يونس بن متى { إذ ذهب مغاضباً } قال ابن عباس في رواية عنه: كان يونس وقومه يسكنون فلسطين فغزاهم ملك فسبى منها تسعة أسباط ونصفاً وبقي منهم سبطان ونصف، فأوحى الله إلى شعياء النبي أن سر إلى حزقيل الملك وقل له يوجه نبياً قوياً فإني ألقي في قلوب أولئك حتى يرسلوا معه بني إسرائيل فقال له الملك: فمن ترى، وكان في مملكته خمسة من الأنبياء. قال: يونس إنه قوي أمين فدعا الملك يونس: وأمره أن يخرج فقال يونس هل الله أمرك بإخراجي؟ قال لا. قال فهل سماني الله لك؟ قال لا. قال ها هنا غيري أنبياء أقوياء، فألحوا عليه فخرج مغاضباً للنبي وللملك وقومه وأتى بحر الروم فركب وقيل ذهب عن قومه مغاضباً لربه لما كشف عنه العذاب بعد ما أوعدهم وكره أن يكون بين أظهر قوم جربوا عليه الخلف فيما أوعدهم، واستحيا منهم ولم يعلم السبب الذي رفع العذاب عنهم به فكان غضبه أنفقة من ظهور خلف وعده وأنه يسمى كذاباً لا كراهية لحكم الله. وفي بعض الأخبار أنه كان من عادة قومه أنهم يقتلون من جربوا عليه الكذب فخشي أن يقتلوه ما لم يأتهم العذاب للمعياد فذهب مغاضباً. قال ابن عباس: أتى جبريل يونس فقال انطلق إلى أهل نينوى فأنذرهم فقال: ألتمس دابة قال: الأمر أعجل من ذلك فغضب وانطلق إلى السفينة.
وقال وهب: إن يونس كان عبداً صالحاً كان في خلقه ضيق فلما حمل أثقل النبوة تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل الثقيل، فقذفها من يده وخرج هارباً منها فلذلك أخرجه الله من أولي العزم من الرسل وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم
{ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل } [الأَحقاف: 35] وقال { ولا تكن كصاحب الحوت } [القلم: 48] وقوله { فظن أن لن نقدر عليه } أي لن نقضي عليه العقوبة. قاله ابن عباس في رواية عنه وقيل معناه فظن أن لن نضيق عليه الحبس وقيل معناه فظن أنه يعجر ربه فلا يقدر عليه، قيل لما انطلق يونس مغاضباً لربه واستزله الشيطان حتى ظن أن لن يقدر عليه وكان له سلف وعبادة أبى الله أن يدعه للشيطان فقذفه في بطن الحوت فمكث فيه أربعين ما بين يوم وليلة. وقيل سبعة أيام وقيل ثلاثة. وقيل: إنه الحوت ذهب به حتى بلغ تخوم الأرض السابعة فتاب إلى ربه وراجع نفسه في بطن الحوت { فنادى في الظلمات } أي ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت { أن لا إله إلا إنت سبحانك إني كنت من الظالمين } أي حيث عصيتك وما صنعت من شيء فلم أعبد غيرك فأخرجه الله من بطن الحوت برحمته وروى أبو هريرة مرفوعاً قال أوحى الله تعال إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحماً ولا تكسر له عظماً فأخذه ثم أهوى به إلى مسكنه في البحر فلما انتهى به أسفل البحر سمع يونس حساً فقال في نفسه ما هذا فأوحى الله إليه هذا تسبيح دواب البحر قال فسبح هو في بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا: يا ربنا نسمع صوتاً ضعيفاً بأرض غريبة وفي رواية صوتاً معروفاً من مكان مجهول فقال: ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت فقالوا العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح قال نعم فشفعوا له عند ذلك فأمر الحوت فقذفه في الساحل فذلك.