التفاسير

< >
عرض

ٱنظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً
٩
تَبَارَكَ ٱلَّذِيۤ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً
١٠
بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً
١١
إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً
١٢
وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً
١٣
لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً
١٤
قُلْ أَذٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ ٱلْخُلْدِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً وَمَصِيراً
١٥
لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً
١٦
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ
١٧
-الفرقان

لباب التأويل في معاني التنزيل

{ انظر } يا محمد { كيف ضربوا لك الأمثال } أي الأشباه التي لا فائدة لها فقالوا مسحور محتاج { فضلوا } أي عن الحق { فلا يستطيعون سبيلاً } إلى الهدى ومخرجاً عن الضلالة. قوله تعالى { تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك } أي من الذي قالوا: وأفضل من البستان الذي ذكروا وقال ابن عباس يعني خيراً من المشي في الأسواق والتماس المعاش ثم بين ذلك الخير فقال { جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصوراً } أي بيوتاً مشيدة عن أبي أمامة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال "عرض عليَّ ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهباً قلت لا يا رب ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً أو قال ثلاثاً أو نحو هذا، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك وإذا شبعت حمدتك وشكرتك" عن عائشة قالت: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو شئت لسارت معي جبال مكة ذهباً جاءني ملك إن حجزته لتساوي الكعبة فقال يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول: إن شئت نبياً عبداً وإن شئت نبياً ملكاً فنظرت إلى جبريل فأشار إلي أن ضع نفسك، فقلت: نبياً عبداً قالت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئاً يقول: أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد" ذكر هذين الحديثين البغوي بسنده. قوله تعالى: { بل كذبوا بالساعة } أي القيامة { وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيراً } أي ناراً مسعرة { إذا رأتهم من مكان بعيد } قيل: من مسيرة عام وقيل من مسيرة مائة عام. فإن قلت: كيف تتصور الرؤية من النار وهو قوله إذا رأتهم. قلت يجوز أن يخلق الله لها حياة وعقلاً ورؤية وقيل: معناه رأتهم زبانيتها { سمعوا لها تغيظاً } أي غلياناً كالغضبان إذا غلى صدره من الغضب { وزفيراً } أي صوتاً فإن قلت كيف يسمع التغليظ. قلت: رأوا وعلموا لها تغيظاً وسمعوا لها زفيراً كما قال الشاعر:

ورأيت زوجك في الوغى متقلداً سيفاً ورمحاً

أي وحاملاً رمحاً، وقيل: سمعوا لها صوت التغيظ من التلهب والتوقد، وقال عبيد بن عمير: تزفر جهنم يوم القيامة زفرة فلا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا خر لوجهه { وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً } قال ابن عباس تضيق عليه كما يضيق الزج في الرمح { مقرنين } أي مصفدين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال، وقيل: مقرنين مع الشياطين في السلاسل { دعوا هنالك ثبوراً } قال ابن عباس: ويلاً وقيل هلاكاً وفي الحديث "إن أول من يكسى حلة من النار إبليس، فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريته من خلفه وهو يقول يا ثبوراه وهم ينادون يا ثبورهم حتى يقفوا على النار فينادي يا ثبوراه وهم ينادون يا ثبورهم فيقال لهم { لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً }" هكذا ذكره البغوي بغير سند، وقيل معناه هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة فادعوا أدعية كثيرة. قوله عز وجل { قل أذلك خير } أي الذي ذكرت منه صفة النار وأهلها { أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاءً ومصيراً } أي ثواباً ومرجعاً لهم قال تعالى { لهم فيها ما يشاؤون } أي أن جميع المرادات لا تحصل إلا في الجنة، لا في غيرها. فإن قلت: قد يشتهي الإنسان شيئاً، وهو لا يحصل في الجنة كأن يشتهي الولد ونحوه وليس هو في الجنة قلت إنّ الله يزيل ذلك الخاطر عن أهل الجنة، بل كان واحد من أهل الجنة مشتغل بما هو فيه من اللذات الشاغلة عن الالتفات إلى غيره { خالدين } أي في نعيم الجنة ومن تمام النعيم أن يكون دائماً، إذ لو انقطع لكان مشوباً بضرب من الغم وأنشد في المعنى:

أشد الغم عندي في سرور تيقن عنه صاحبه انتقالا

{ كان على ربك وعداً مسؤولاً } أي مطلوباً، وذلك أن المؤمنين سألوا ربهم في الدنيا حين قالوا { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة } [البقرة: 201] وقالوا { ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك } [آل عمران: 194] يقول كان إعطاء الله المؤمنين جنة وعداً، وعدهم على طاعتهم إياه في الدنيا ومسألتهم إياه ذلك الوعد وقيل الطلبة من الملائكة للمؤمنين وذلك قولهم { ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم } [غافر: 8]. قوله تعالى { ويوم نحشر وما يعبدون من دون الله } يعني من الملائكة والإنس والجن مثل عيسى والعزير، وقيل يعني الأصنام ثم يخاطبهم { فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل } أي أخطؤوا الطريق.