التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِي ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ مَهْجُوراً
٣٠
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً
٣١
وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً
٣٢
وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً
٣٣
ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً
٣٤
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً
٣٥
فَقُلْنَا ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً
٣٦
وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً
٣٧
وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً
٣٨
وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً
٣٩
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً
٤٠
-الفرقان

لباب التأويل في معاني التنزيل

قوله عز وجل: { وقال الرسول } يعني ويقول الرسول في ذلك اليوم { يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً } أي متروكاً وأعرضوا عنه، ولم يؤمنوا به ولم يعملوا بما فيه وقيل جعلوه بمنزلة الهجر وهو السيىء من القول فزعموا أنه سحر وشعر، والمعنى أن محمداً صلّى الله عليه وسلّم، يشكو قومه إلى الله عز وجل يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً، فعزاه الله تعالى فقال { وكذلك جعلنا } أي وكما جعلت لك أعداء من مشركي مكة، وهم قومك كذلك جعلنا { لكل نبي عدواً من المجرمين } أي المشركين و المعنى لا يكبرن عليك ذلك فإن الأنبياء قبلك قد لقوا هذا من قومهم، فصبروا فاصبر أنت كما صبروا فإني ناصرك، وهاديك وهو قوله تعالى { وكفى بربك هادياً ونصيراً } قوله تعالى { وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة } أي كما أنزلت التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود صلوات الله عليهم أجمعين قال الله { كذلك } فعلنا ذلك { لنثبت به فؤادك } أي أنزلناه مفرقاً لنقوي به قلبك، فتعيه وتحفظه فإن الكتب المتقدمة نزلت على أنبياء، يكتبون ويقرؤون وأنزلنا القرآن على نبي أمي لا يكتب ولا يقرأ ولأن من القرآن الناسخ والمنسوخ، ومنه ما هو جواب لمن سأل عن أمور تحدث في أوقات مختلفة ففرقناه ليكون أوعى لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأيسر على العامل به { ورتلناه ترتيلاً }.
قال ابن عباس: وبيناه بياناً والترتيل التبيين في ترسل وتثبت وقيل فرقناه تفريقاً آية بعد آية { ولا يأتونك } يعني يا محمد هؤلاء المشركون { بمثل } يعني يضربونه لك في إبطال أمرك { إلا جئناك بالحق } أي بما ترد به ما جاؤوا به من ما يوردون المثل، وتبطله فسمي ما يوردون من الشبه مثلاً، وسمي ما يدفع به الشبه حقاً { وأحسن تفسيراً } يعني أحسن بياناً وتفصيلاً ثم ذكر ما لهؤلاء المشركين فقال تعالى { الذين } يعني هم الذين { يحشرون } أي يساقون ويجرون { على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكاناً } يعني منزلاً ومصيراً { وأضل سبيلاً } أي أخطأ طريقاً. قوله تعالى { ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيراً } أي معيناً وظهيراً { فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا } يعني القبط { فدمرناهم } فيه إضمار أي فكذبوهما فدمرناهم { تدميراً } يعني أهلكناهم إهلاكاً { وقوم نوح لما كذبوا الرسل } يعني رسولهم ومن كذب رسولاً واحداً فقد كذب جميع الرسل فلذلك ذكره بلفظ الجمع { أغرقناهم وجعلناهم للناس أية } أي عبرة لمن بعدهم { وأعتدنا للظالمين } في الآخرة { عذاباً أليماً } يعني سيرى ما حل بهم من عاجل العذاب في الدنيا { وعاداً وثمود } أي أهكلنا عاداً وثمود { وأصحاب الرس } قال وهب بن منبه كان أهل بئر الرس نزولاً عليها، وكانوا أصحاب مواش يعبدون الأصنام فبعث الله إليهم شعيباً, يدعوهم إلى الإسلام فتمادوا في طغيانهم وآذوا شعيباً فبينما هم حول البئر في منازلهم، انهارت البئر وخسف بهم وبديارهم ورباعهم وقيل: الرس بئر بفلج اليمامة قتلوا نبيهم فأهلكهم الله. وقال سعيد بن جبير: كان لهم نبي يقال له حنظلة بن صفوان فقتلوه فأهلكهم الله وقيل الرس بأنطاكية قتلوا فيها حبيباً النجار هم الذين ذكرهم الله في سورة "يس" وقيل هم أصحاب الأخدود والرس الأخدود { وقروناً بين ذلك كثيراً } أي وأهلكنا قروناً كثيراً بين عاد وثمود وأصحاب الرس { وكلاًّ ضربنا له الأمثال } أي الأشباه في إقامة الحجة عليهم فلم نهلكهم إلا بعد الإنذار { وكلاًّ تبرنا تتبيراً } أي أهلكناهم إهلاكاً قوله تعالى { ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء } يعني الحجارة وهي قريات قوم لوط، وهي خمس قرى أهلك الله منها أربعاً ونجت واحدة. وهي أصغرها وكان أهلها لا يعملون العمل الخبيث { أفلم يكونوا يرونها } يعني إذا مروا بها في أسفارهم فيعتبروا ويتعظوا لأن مدائن قوم لوط كانت على طريقهم في ممرهم إلى الشام { بل كانوا لا يرجون نشوراً } يعني لا يخافون بعثاً.