التفاسير

< >
عرض

لِّنُحْيِـيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً
٤٩
وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً
٥٠
وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً
٥١
فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبيراً
٥٢
وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً
٥٣
وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً
٥٤
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً
٥٥
وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً
٥٦
قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً
٥٧
-الفرقان

لباب التأويل في معاني التنزيل

وقوله تعالى: { لنحيي به } أي بالمطر { بلدة ميتاً } قيل: أراد به موضع البلدة { ونسقيه مما خلقنا } أي نسقي من ذلك الماء { أنعاماً وأناسيّ كثيراً } أي بشراً كثيراً والأناسي جمع إنسي وقيل جمع إنسان قوله عز وجل { ولقد صرفناه بينهم } يعني المطر مرة ببلدة ومرة ببلدة أخرى وقال ابن عباس ما عام بأمطر من عام ولكن الله يصرفه في الأرض وقرأ هذه الآية? وهذا كما روي مرفوعاً "ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا والسماء تمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء" وروي عن ابن مسعود يرفعه، قال: ليس من سنة بأمطر من سنة أخرى ولكن الله عزّ وجلّ قسم هذه الأرزاق فجعلها في هذه السماء الدنيا في هذا القطر ينزل منه كل سنة بكيل معلوم، ووزن معلوم وإذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم وإذا عصوا جميعاً صرف الله ذلك المطر إلى الفيافي والبحار، وقيل: المراد من تصريف المطر تصريفه وابلاً وطشاً ورذاذاً ونحوها وقيل التصريف راجع إلى الريح { ليذكروا } أي ليتذكروا ويتفكروا في قدرة الله تعالى { فأبى أكثر الناس إلى كفوراً } أي جحوداً في كفرهم هو أنهم إذا مطروا قالوا أمطرنا بنوء كذا (ق) عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال " هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال أصبح عن عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بن مؤمن بالكواكب" .
قوله تعالى: { ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً } أي رسولاً ينذرهم ولكن بعثناك إلى القرى كلها وحملناك ثقل النذارة لتستوجب بصبرك ما أعددنا لك من الكرامة والدرجة الرفيعة { فلا تطع الكافرين } فيما يدعونك إليه من موافقتهم ومداهنتهم { وجاهدهم به } أي بالقرآن { جهاداً كبيراً } أي شديداً. قوله تعالى: { وهو الذي مرج البحرين } أي خلطهما وأفاض أحدهما على الآخر وقيل أرسلهما في مجاريهما { هذا عذب فرات } أي شديد العذوبة يميل إلى الحلاوة { وهذا ملح أجاج } أي شديد الملوحة وقيل مر { وجعل بينهما برزخاً } أي حاجزاً بقدرته فلا يختلط العذب بالملح ولا الملح بالعذب { وحجراً محجوراً } أي ستراً ممنوعاً فلا يبغي أحدهما على الآخر ولا يفسد الملح العذب. قوله تعالى: { وهو الذي خلق من الماء } أي من النطقة { بشراً فجعله نسباً وصهراً } أي جعله ذا نسب وصهر وقيل النسب ما لا يحل نكاحه والصهر ما يحل نكاحه والنسب ما يوجب الحرمة والصهر ما لا يوجبها وقيل النسب من القرابة والصهر الخلطة التي تشبه القرابة وهو النسب المحرم للنكاح وقد حرم الله بالنسب سبعاً وبالسبب سبعاً ويجمعها قوله { حرمت عليكم أمهاتكم } [النساء: 23] الآية وقد تقدم تفسير ذلك وبيانه في تفسير النساء { وكان ربك قديراً } على ما أراد حيث خلق من النطفة الواحدة نوعين من البشر الذكر والأنثى { ويعبدون من دون الله } يعني هؤلاء المشركين { ما لا ينفعهم } أي إن عبدوه { ولا يضرهم } أي إن تركوه { وكان الكافر على ربه ظهيراً } أي معيناً أعان الشيطان على ربه بالمعاصي لأن عبادتهم الأصنام معاونة للشيطان وقيل معنى ظهيراً هيناً ذليلاً من قولك ظهرت بفلان إذا جعلته وراء ظهرك ولم تلتفت إليه وقيل أراد بالكافر أبا جهل والأصح أنه عام في كل كافر. وقوله تعالى: { وما أرسلناك إلا مبشراً } أي بالثواب على الإيمان والطاعة { ونذيراً } منذراً بالعقاب على الكفر والمعصية { قل } يا محمد { ما أسألكم عليه } أي على تبليغ الوحي { من أجر } فتقولون إنما يطلب محمد أموالنا بما يدعوننا إليه فلا نتبعه { إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً } معناه لكن من شاء أن يتخذ بإنفاق ماله سبيلاً إلى ربه فعلى هذا يكون المعنى لا أسألكم لنفسي أجراً، ولكن أمنع من إنفاق المال إلا في طلب مرضاة الله، واتخاذ السبيل إلى جنته.