التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً
٦٥
إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً
٦٦
وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً
٦٧
وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً
٦٨
يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً
٦٩
إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
٧٠
-الفرقان

لباب التأويل في معاني التنزيل

قوله عز وجل: { والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً } أي ملحاً دائماً لازماً غير مفارق من عذب من الكفار. قال محمد بن كعب القرظي: سأل الله الكفار ثمن نعمته فلم يؤدوه فأغرمهم فبقوا في النار، وقال كل غريم مفارق غريمه إلا جهنم. وقيل: الغرام الشر اللازم والهلاك الدائم { إنها } يعني جهنم { ساءت } بئست { مستقراً ومقاماً } أي موضع قرار وإقامة { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا } قيل الإسراف النفقة في معصية الله، وإن قلت والإقتار منع حقوق الله تعالى وهو قول ابن عباس. وقيل: الإسراف مجاوزة الحد في الإنفاق، حتى يدخل في حد التبذير والإقتار التقصير عما لا بد منه وهو أن لا يجيع عياله ولا يعريهم ولا ينفق نفقة يقول الناس قد أسرف { وكان بين ذلك قواماً } أي قصداً وسطاً بين الإسراف والإقتار وحسنة بين السيئتين قيل: هذه الآية في صفة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا لا يأكلون الطعام للتنعم واللذة لا يلبسون ثوباً للجمال، ولكن كانوا يريدون من الطعام ما يسد عنهم الجوع ويقويهم على عبادة ربهم ومن الثياب ما يسترون به العورة، ويقيهم من الحر والبرد. قال عمر بن الخطاب كفى سرفاً أن لا يشتهي شيئاً إلا اشتراه فأكله { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر } (ق) عن ابن عباس "أن أناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا فأتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعونا إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزل { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون } ونزل { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } [الزمر: 53] (ق) عن عبدالله بن مسعود قال: قال رجل "يا رسول الله أي الذنب أكبر عند الله: قال: تدعوا لله نداً وهو خلقك، قال: ثم أي قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك. قال: ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك، فأنزل الله تعالى تصديقه، والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم إلا بالحق ولا يزنون" { ومن يفعل ذلك يلق أثاماً } أي ومن يفعل شيئاً من ذلك يلق أثاماً قال ابن عباس إنما يريد جزاء الإثم، وقيل عقوبة وقيل: الأثام واد في جهنم ويروى في الحديث "أن الغي والأثام بئران في جهنم يسيل فيهما صديد أهل النار" { يضاعف له العذاب يوم القيامة } وسبب تضعيف العذاب، أن المشرك إذا ارتكب المعاصي مع الشرك يضاعف له العذاب على شركه ومعصيته { ويخلد فيه مهاناً } أي ذليلاً.
قوله تعالى: { إلا من تاب } أي عن ذنبه { وآمن } يعني بربه { وعمل عملاً صالحاً } أي فيما بينه وبين ربه روي عن ابن عباس رضي الله عنه عنهما قال: قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنين والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر الآية ثم نزلت إلا من تاب فما رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم فرح بشيء قط مثل ما فرح بها وفرحه بإنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر". وقوله تعالى { فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً } قال ابن عباس: يبدلهم الله بقبائح أعمالهم في الشرك محاسن الأعمال في الإسلام فيبدلهم بالشرك إيماناً، وبقتل المؤمنين قتل المشركين، وبالزنا عفة وإحصاناً وقيل يبدل الله سيئاتهم التي عملوها في الإسلام حسنات يوم القيامة (م) عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولاً الجنة، وآخر أهل النار خروجاً منها رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال أعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها فتعرض عليه صغارها فيقال له: عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر، وهو شفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه فيقال له إن لك مكان كل سيئة حسنة فيقول يا رب قد عملت أشياء لا أراها ها هنا فقال فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه وقيل إن الله تعالى يمحو بالندم جميع السيئات ثم ثبت مكان كل سيئة حسنة" .