{ إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين } أي مع هذه الدلائل والآيات { وإن ربك لهو العزيز الرحيم } أي المنتقم الذي لا يغالب وهو في وصف عزته رحيم. قوله عز وجل { كذب قوم نوح المرسلين } أي كذبت جماعة قوم نوح، قيل: القوم مؤنثة وتصغيرها قويمة. فإن قلت: كيف قال المرسلين وإنما هو رسول واحد وكذلك باقي القصص. قلت: لأن دين الرسل واحد وإن الآخر منهم جاء بما جاء به الأول فمن كذب واحد من الأنبياء فقد كذب جميعهم { إذ قال لهم أخوهم نوح } أي أخوهم في النسب لا في الدين { ألا تتقون } أي ألا تخافون فتتركوا الكفر والمعاصي { إني لكم رسول أمين } أي على الوحي، وكان معروفاً عندهم بالأمانة { فاتقوا الله } أي بطاعته وعبادته { وأطيعون } أي فيما أمرتكم به من الإيمان والتوحيد { وما أسألكم عليه من أجر } أي من جعل وجزاء { إن أجري } أي ثوابي { إلا على رب العالمين فاتقوا الله وأطيعون } قيل: كرره ليؤكده عليهم ويقرره في نفوسهم وقيل ليس فيه تكرار معنى الأول ألا تتقون الله في مخالفتي وأنا رسول الله ومعنى الثاني ألا تتقون الله في مخالفتي وإني لست آخذ منكم أجراً { قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون } أي السفلة قال ابن عباس: يعني القافة وقيل هم الحاكة والأساكفة { قال } يعني نوحاً { وما علمي بما كانوا يعملون } أي وما أعلم أعمالهم وصنائعهم، وليس علي من دناءة مكاسبهم وأحوالهم شيء إنما كلفت أن أدعوهم إلى الله تعالى، وما لي إلا ظواهر أمرهم وقال الزجاج الصناعات لا تضر في الديانات وقيل: معناه إني لم أعلم أن الله يهديهم ويضلكم ويوفقهم ويخذلهم { إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون } أي لو تعلمون ذلك ما عيرتموهم بصنائعهم { وما أنا بطارد المؤمنين } أي عني وقد آمنوا { إن أنا إلا نذير مبين } معناه أخوف من كذبني فمن آمن فهو القريب مني, ومن لم يؤمن فهو البعيد عني { قالوا لئن لم تنته يا نوح } أي عما تقول { لتكونن من المرجومين } أي من المقتولين بالحجارة وهو أسوأ القتل وقيل من المشتومين { قال رب إن قومي كذبون فافتح } أي احكم { بيني وبينهم فتحاً } أي حكماً { ونجني ومن معي من المؤمنين فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون } أي الموقر المملوء من الناس والطير والحيوان { ثم أغرقنا بعد الباقين } أي بعد إنجاء نوح ومن معه { إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم } قوله تعالى { كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون إني لكم رسول أمين } أي أمين على الرسالة فكيف تتهمونني اليوم { فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتبنون بكل ريع } قال ابن عباس: أي بكل شرف وفي رواية عنه بكل طريق، وقيل: هو الفج بين الجبلين وقيل: المكان المرتفع { آية } أي علامة وهي العلم { تعبثون } يعني بمن مر بالطريق والمعنى، أنهم كانوا: يبنون بالمواضع المرتفعة ليشرفوا على المارة والسابلة فيسخروا منهم ويعبثوا بهم، وقيل إنهم بنوا بروج الحمام فأنكر عليهم هو باتخاذها، ومعنى تعبثون تلعبون بالحمام { وتتخذون مصانع } قال ابن عباس أبنية وقيل قصوراً مشيدة وحصوناً مانعة، وقيل مآخذ الماء يعني الحياض { لعلكم تخلدون } أي كأنكم تبقون فيها خالدين لا تموتون.