{ لعلك باخع نفسك } أي قاتل نفسك { ألا يكونوا مؤمنين } أي إن لم يؤمنوا
وذلك حين كذبه أهل مكة فشق عليه ذلك وكان يحرص على إيمانهم، فأنزل الله عز
وجل هذه الآية { إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين } أي لو
شاء الله لأنزل عليهم آية يذلون منها فلا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية الله سبحانه
وتعالى. وقيل: معناه لو شاء الله لأراهم أمراً من أمره لا يعمل أحد منهم بعده معصية.
فإن قلت: كيف صح مجيء خاضعين خبراً عن الأعناق. قلت أصل الكلام فظلوا لها
خاضعين, فأقحمت ا لأعناق لبيان الخضوع وترك الكلام على أصله أو لما وصفت
بالخضوع الذي هو للعقلاء قيل خاضعين. وقيل: أعناق الناس رؤساؤهم ومقدموهم أي
فظلت كبراؤهم لها خاضعين وقيل أراد بالأعناق الجماعات، يقال جاء عنق من الناس
أي جماعة. قوله تعالى { وما يأتيهم من ذكر من الرحمن } أي وعظ وتذكير { محدث } أي
محدث إنزاله فهو محدث التنزيل وكلما نزل شيء من القرآن بعد شيء فهو أحدث من
الأول { إلا كانوا عنه معرضين } أي عن الإيمان به { فقد كذبوا فسيأتيهم } أي فسوف
يأتيهم { أنباء } أي أخبار وعواقب { ما كانوا به يستهزئون أولم يروا إلى الأرض } يعني
المشركين { كم أنبتنا فيها } أي بعد أن لم يكن فيها نبات { من كل زوج كريم } أي جنس
ونوع وصنف حسن من النبات مما يأكل الناس والأنعام، قال الشعبي: الناس من نبات
الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم ومن دخل النار فهو لئيم { إن في ذلك } أي الذي ذكر
{ لآية } تدل على أنه واحد أي دلالة على كمال قدرتنا وتوحيدنا كما قيل:
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
و{ وما كان أكثرهم مؤمنين } أي سبق علمي فيهم أن أكثرهم لا يؤمنون ولا
يصدقون.