التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ
٤
أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ وَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ
٥
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ
٦
إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَهْلِهِ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ
٧
فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٨
يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٩
وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ
١٠
-النمل

لباب التأويل في معاني التنزيل

{ إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم } أي القبيحة حتى رأوها حسنة وقيل: إن التزين هو أن يخلق الله العلم في القلب بما فيه المنافع واللذات ولا يخلق العلم بما فيه المضار والآفات { فهم يعمهون } أي يترددون فيها متحيرين { أولئك الذين لهم سوء العذاب } أي أشده وهو القتل والأسر { وهم في الآخرة هم الأخسرون } أي أنهم خسروا أنفسهم وأهليهم وساورا إلى النار. قوله تعالى { وإنك لتلقى القرآن } أي تؤتاه وتلقنه وحياً { من لدن حكيم عليم } أي حكيم عليم بما أنزل إليك. فإن قلت: ما الفرق بين الحكمة والعلم. قلت: الحكمة هي العلم بالأمور العلمية فقط والعلم أعم منه لأنه العلم قد يكون علماً، وقد يكون نظراً والعلوم النظرية أشرف { إذ قال } أي واذكر يا محمد إذ قال { موسى لأهله } أي في مسيره بأهله من مدين إلى مصر { إني آنست } أي أبصرت { ناراً سآتيكم منها بخبر } أي امكثوا مكانكم سآتيكم بخبر عن الطريق، وقد كان ضل عن الطريق { أو آتيكم بشهاب قبس } الشهاب شعلة النار والقبس النار المقبوسة منها، وقيل: القبس هو العود الذي في أحد طرفيه نار { لعلكم تصطلون } يعني تستدفئون من البرد كان في شدة الشتاء { فلما جاءها نودي أن بورك من في النار } يعني بورك على من في النار وقيل: البركة راجعة إلى موسى والملائكة والمعنى من في طلب النار وهو موسى { ومن حولها } وهم الملائكة الذين حول النار وهذه تحية من الله عز وجل لموسى بالبركة، وقيل: المراد من النار النور وذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه ناراً ومن في النار هم الملائكة وذلك أن النور الذي رآه موسى كان فيه ملائكة لهم زجل بالتسبيح والتقديس، ومن حولها موسى، لأنه كان بالقرب منها وقيل البركة راجعة إلى النار، وقال ابن عباس: معناه بوركت النار والمعنى بورك من في النار ومن حولها وهم الملائكة وموسى وروي عن ابن عباس في قوله بورك من في النار قدس من في النار وهو الله تعالى عنى به نفسه على معنى أنه نادى موسى وأسمعه من جهتها كما روي أنه مكتوب في التوراة جاء الله من سيناء، وأشرف من ساعين واستعلى من جبال فاران ومعنى مجيئه من سيناء بعثه موسى منه، ومن ساعين بعثة المسيح ومن جبال فاران بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وفاران اسم مكة، وقيل كانت النار بعينها وهي إحدى حجب الله عز وجل كما صح في الحديث "حجابة النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه" ثم نزه الله سبحانه وتعالى نفسه، وهو المنزه من كل سوء وعيب فقال تعالى { وسبحان الله رب العالمين } ثم تعرف إلى موسى بصفاته فقال: الله يا موسى { إنه أنا الله العزيز الحكيم } قيل معناه أن موسى قال: من المنادي قال: إنه أنا الله وهذا تمهيد لما أراد الله أن يظهره على يده من المعجزات، والمعنى أنا القوي القادر على ما يبعد من الأوهام كقلب العصا حية وهو قوله { وألق عصاك } تقديره فألقاها فصارت حية { فلما رآها تهتز } أي تتحرك { كأنها جان } وهي الحية الصغيرة التي يكثر اضطرابها { ولى مدبراً } يعني هرب من الخوف { ولم يعقب } يعني لم يرجع، ولم يلتفت قال الله تعالى { يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون } يريد إذا أمنتهم لا يخافون أما الخوف الذي هو شرط الإيمان، فلا يفارقهم قال النبيّ صلى الله عليه وسلم "أنا أخشاكم لله" .