التفاسير

< >
عرض

وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
٥٠
فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ
٥١
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوۤاْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٥٢
وَأَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ
٥٣
وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ
٥٤
أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ
٥٥
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ
٥٦
فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ ٱلْغَابِرِينَ
٥٧
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ
٥٨
قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ
٥٩
أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ
٦٠
أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٦١
أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ
٦٢
أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ تَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٦٣
-النمل

لباب التأويل في معاني التنزيل

{ ومكروا مكراً } أي غدروا غدراً حين قصدوا تبيت صالح وأهله { ومكرنا مكراً } يعني جازيناهم على مكرهم بتعجيل العذاب { وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم } يعني أهلكناهم أي التسعة قال ابن عباس: أرسل الله الملائكة تلك الليلة إلى دار صالح يحرسونه فأتت التسعة دار صالح شاهرين سلاحهم، فرمتهم الملائكة بالحجارة وهم يرون الحجارة ولا يرون الملائكة فقتلتهم وأهلك الله جميع القوم بالصيحة { وقومهم أجمعين، فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا } أي بظلمهم وكفرهم { إن في ذلك لآية } أي لعبرة { لقوم يعلمون } أي قدرتنا { وأنجينا الذين آمنوا، وكانوا يتقون } يقال إن الناجين كانوا أربعة آلاف. قوله تعالى { ولوطاً إذ قال لقومه: أتأتون الفاحشة } أي الفعلة القبيحة { وأنتم تبصرون } أي تعلمون أنها فاحشة هو من بصر القلب وقيل: معناه يبصر بعضكم بعضاً وكانوا لا يستترون عتواً منهم { أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون } فإن قلت إذا فسر تبصرون بالعلم وقد قال: بعده "قوم تجهلون" فيكون العلم جهلاً. قلت: معناه تفعلون فعل الجاهلين وتعلمون أنه فاحشة. وقيل: تجهلون العاقبة وقيل أراد بالجهل السفاهة التي كانوا عليها { فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون } يعني من أدبار الرجال { فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين } أي قضينا عليها بأن جعلناها من الباقين في العذاب { وأمطرنا عليهم مطراً } أي الحجارة { فساء } أي فبئس { مطر المنذرين } قوله عز وجل { قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى } هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمد الله على هلاك كفار الأمم الخالية، وقيل: يحمده على جميع نعمه وسلام على عباده الذين اصطفى يعني الأنبياء والمرسلين وقال ابن عباس: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: هم كل المؤمنين من السابقين واللاحقين { الله خير أما يشركون } فيه تبكيت للمشركين وإلزام الحجة عليهم بعد هلاك الكفار. والمعنى آلله خير لمن عبده أم الأصنام لمن عبدها فإن الله خير لمن عبده وآمن به لإغنائه عنه من الهلاك والأصنام، لم تغن شيئاً عن عابديها عند نزول العذاب، ولهذا السبب ذكر أنواعاً تدل على وحدانيته وكمال قدرته.
فالنوع الأول قوله تعالى: { أمن خلق السموات والأرض } ذكر أعظم الأشياء المشاهدة الدالة على عظيم قدرته. والمعنى الأصنام خير أم الذي خلق السموات والأرض ثم ذكر نعمه فقال { وأنزل لكم من السماء ماء } يعني المطر { فأنبتنا به حدائق } أي بساتين جمع حديقة، وهو البستان المحيط عليه فإن لم يكن عليه حائط فليس بحديقة { ذات بهجة } أي ذات منظر حسن والبهجة الحسن يبتهج به من يراه { ما كان لكم أن تنبتوا شجرها } يعني ما ينبغي لكم، لأنكم لا تقدرون على ذلك لأن الإنسان قد يقول: أنا المنبت للشجرة بأن أغرسها وأسقيها الماء فأزال هذه الشبهة بقوله { ما كان لكم أن تنبتوا شجرها } لأن إنبات الحدائق المختلفة الأصناف، والطعوم والروائح المختلفة والزروع تسقى بماء واحد، لا يقدر عليه إلا الله تعالى؛ ولا يتأتى لأحد وإن تأتى ذلك لغيره محال { أإله مع الله } يعني هل معه معبود أعانه على صنعه { بل } يعني ليس معه إله ولا شريك { هم قوم } يعني كفار مكة { يعدلون } يشركون وقيل يعدلون عن هذا الحق الظاهر إلى الباطل. النوع الثاني قوله عز وجل { أمن جعل الأرض قراراً } أي دحاها وسواها للاستقرار عليها، وقيل لا تميد بأهلها { وجعل خلالها أنهاراً } أي وسطها بأنهار تطرد بالمياه { وجعل لها رواسي } أي جبالاً ثوابت { وجعل بين البحرين } يعني العذاب والملح { حاجزاً } أي مانعاً لا يختلط أحدهما بالآخر { أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون } أي توحيد ربهم وقدرته وسلطانه. النوع الثالث قوله تعالى { أمن يجيب المضطر } أي المكروب المجهود، وقيل: المضرور بالحاجة المحوجة من مرض أو نازلة من نوازل الدهر يعني إذا نزلت بأحد بادر إلى الالتجاء والتضرع إلى الله تعالى وقيل: هو المذنب إذا استغفر { إذا دعاه } يعني فيكشف ضره { ويكشف السوء } أي الضر لأنه لا يقدر على تغيير حال من فقر إلى غنى، ومن مرض إلى صحة ومن ضيق إلى سعة إلا القادر، الذي لا يعجز والقاهر الذي لا يغلب ولا ينازع { ويجعلكم خلفاء الأرض } أي سكانها، وذلك أنه ورثهم سكانها والتصرف فيها قرناً بعد قرن وقيل يجعل أولادكم خلفاء لكم وقيل: جعلكم خلفاء الجن في الأرض { أإله مع الله قليلاً ما تذكرون } أي تتعظون. النوع الرابع قوله عز وجل { أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر } أي يهديكم بالنجوم والعلامات إذا جن عليكم الليل مسافرين في البر والبحر { ومن يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته } أي قدام المطر { أإله مع الله تعالى عما يشركون }