التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
٧
إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلنَّعِيمِ
٨
خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٩
خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ
١٠
هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ ٱلظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
١١
وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
١٢
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
١٣
وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ
١٤
وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
١٥
-لقمان

لباب التأويل في معاني التنزيل

{ وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً } أي لا يعبأ بها ولا يرفع رأساً { كأن لم يسمعها } أي يشبه حاله في ذلك حال من لم يسمعها وهو سامع { كأن في أذنيه وقراً } أي ثقلاً ولا وقر فيهما { فبشره بعذاب أليم إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم خالدين فيها وعد الله حقاً } يعني وعدهم الله ذلك وعداً حقاً وهو لا يخلف الميعاد { وهو العزيز الحكيم } قوله تعالى { خلق السموات بغير عمد } قيل إن السماء خلقت مبسوطة كصفحة مستوية وهو قول المفسرين وهي في الفضاء والفضاء لا نهاية له وكون السماء في بعضه دون بعض ليس ذلك إلا بقدرة قادر مختار وإليه الإشارة بقوله بغير عمد { ترونها } أي ليس لها شيء يمنعها الزوال من موضعها وهي ثابتة لا تزول وليس ذلك إلا بقدرة الله تعالى. وفي قوله ترونها وجهان: أحدهما أنه راجع إلى السموات أي ليست هي بعمد وأنتم ترونها كذلك بغير عمد. الوجه الثاني أنه راجع إلى العمد ومعناه بغير عمد مرئية { وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم } أي لئلا تتحرك بكم { وبث فيها } أي في الأرض { من كل دابة } أي يسكنون فيها { وأنزلنا من السماء ماء } يعني المطر وهو من إنعام الله على عباده وفضله { فأنبتنا فيها من كل زوج كريم } أي من كل صنف حسن { هذا } يعني الذي ذكرت مما تعاينون { خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه } أي آلهتكم التي تعبدونها { بل الظالمون في ضلال مبين } قوله عز وجل { ولقد آتينا لقمان الحكمة } قيل هو لقمان بن باعوراء بن ناحور بن تارخ وهو آزر. وقيل كان ابن أخت أيوب. وقيل كان ابن خالته. وقيل إنه عاش ألف سنة حتى أدرك داود وقيل إنه كان قاضياً في بني إسرائيل. واتفقت العلماء على أنه كان حكيماً ولم يكن نبياً إلا عكرمة فإنه قال: كان نبياً وقيل خير بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة. وروي أنه كان نائماً نصف الليل فنودي يا لقمان هل لك أن نجعلك خليفة في الأرض فتحكم بين الناس فأجاب الصوت فقال إن خيرني ربي قبلت العافية ولم أقبل البلاء وإن عزم علي فسمعاً وطاعة وإني أعلم أن الله إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني فقالت الملائكة بصوت لا يراهم لم يا لقمان؟ قال إن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها يغشاها الظلم من كل مكان إن عدل فبالحرى أن ينجو وإن أخطأ الطريق أخطأ طريق الجنة ومن يكن في الدنيا ذليلاً خير من أن يكون شريفاً، ومن يختر الدنيا على الآخرة تفتنه الدنيا ولم يصب الآخرة فعجبت الملائكة من حسن منطقه فنام نومة فأعطي الحكمة فانتبه وهو يتكلم بها ثم نودي داود بعده، فقبلها ولم يشترط ما اشترط لقمان فهوى في الخطيئة غير مرة كل ذلك يعفو الله عنه وكان لقمان يوازر داود لحكمته وقيل كان لقمان عبداً حبشياً نجاراً وقيل كان خياطاً وقيل كان راعي غنم فروي أنه لقيه رجل وهو يتكلم بالحكمة فقال ألست فلاناً الراعي قال: بلى قال فبم بلغت ما بلغت؟ قال بصدق الحديث وأداء الأمانة, وترك ما لا يعنيني، وقيل كان عبداً أسود عظيم الشفتين مشقق القدمين وقيل: خير السودان بلال بن رباح ومهجع مولى عمر ولقمان والنجاشي رابعهم أوتي الحكمة والعقل والفهم وقيل العلم والعمل به ولا يسمى الرجل حكيماً حتى يجمعها وقيل الحكمة المعرفة والإصابة في الأمور وقيل: الحكمة شيء يجعله الله في القلب ينوره كما ينور البصر فيدرك المبصر. وقوله { أن أشكر الله } وذلك لأن المراد من العلم العمل به والشكر عليه { ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه } أي عليه يعود نفع ذلك وكذلك كفرانه { ومن كفر } عليه يعود وبال كفره { فإن الله غني } أي غير محتاج إلى شكر الشاكرين { حميد } أي هو حقيق بأن يحمد وإن لم يحمده أحد. وقوله تعالى { وإذ قال لقمان لابنه } قيل اسمه أنعم وقيل أشكم { وهو يعظه } وذلك لأن أعلى مراتب الإنسان أن يكون كاملاً في نفسه مكملاً لغيره فقوله { ولقد آتينا لقمان الحكمة أن أشكر لله } إشارة إلى الكمال وقوله وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه إشارة إلى التكميل لغيره وبدأ بالأقرب إليه وهو ابنه وبدأ في وعظه بالأهم وهو المنع من الشرك وهو قوله { يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم } لأن التسوية بين من يستحق العبادة وبين من لا يستحقها ظلم عظيم لأنه وضع العبادة في موضعها. قوله عز وجل { ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن } قال ابن عباس شدة بعد شدة وقيل إن المرأة إذا حملت توالى عليها الضعف والتعب والمشقة وذلك لأن الحمل ضعف والطلق ضعف والوضع ضعف والرضاعة ضعف { وفصاله في عامين } أي فطامه في سنتين { أن اشكر لي ولوالديك إليَّ المصير } لما جعل الله بفضله للوالدين صورة التربية الظاهرة وهو الموجد والمربي في الحقيقة جعل الشكر بينهما فقال اشكر لي ولوالديك ثم فرق فقال إلي المصير يعني أن نعمتهما مختصة بالدنيا ونعمتي عليك في الدنيا والآخرة وقيل لما أمر بشكره وشكر الوالدين قال الجزاء على وقت المصير إلي، قال سفيان بن عيينة في هذه الآية من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله ومن دعا للوالدين في أدبار الصلوات الخمس فقد شكر الوالدين { وإن جاهداك على أن تشرك بين ما ليس لك به علم فلا تطعهما } قال النخعي: يعني أن طاعتهما واجبة فإن أفضى ذلك إلى الإشراك بي فلا تطعهما في ذلك لأن لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق { وصاحبهما في الدنيا معروفاً } أي بالمعروف وهو البر والصلة والعشرة الجميلة { واتبع سبيل من أناب إلي } أي اتبع دين من أقبل إلى طاعتي وهو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقيل من أناب إلي يعني أبا بكر الصديق قال ابن عباس: وذلك أنه حين أسلم أتاه عثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وقالوا له قد صدقت هذا الرجل وآمنت به قالت نعم إنه صادق فآمنوا به ثم حملهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى أسلموا فهؤلاء لهم سابقة الإسلام أسلما بإرشاد أبي بكر { ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون }.