التفاسير

< >
عرض

وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ
٣٣
وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ ٱلْعُيُونِ
٣٤
لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ
٣٥
سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ
٣٦
وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ
٣٧
وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ
٣٨
وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ
٣٩
لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
٤٠
وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ
٤١
وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ
٤٢
-يس

لباب التأويل في معاني التنزيل

{ وآية لهم } يعني تدلهم على كمال قدرتنا على إحياء الموتى { الأرض الميتة أحييناها } أي بالمطر { وأخرجنا منها } أي من الأرض { حباً } يعني الحنطة والشعير وما أشبههما { فمنه يأكلون } أي من الحب { وجعلنا فيها } يعني في الأرض { جنات } يعني بساتين { من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره } يعني من الثمر الحاصل بالماء { وما عملته أيديهم } يعني من الزرع والغرس الذي تعبوا فيه وقرئ عملت بغير هاء, وقيل ما للنفي والمعنى ولم تعمله أيديهم وليس من صنيعهم بل وجدوها معمولة وقيل أراد العيون والأنهار التي لم تعملها يد خلق مثل النيل والفرات ودجلة { أفلا يشكرون } يعني نعمة الله تعالى { سبحان الذي خلق الأزواج كلها } يعني الأصناف كلها { مما تنبت الأرض } أي من الأشجار والثمار والحبوب { ومن أنفسهم } يعني الذكر والأنثى { ومما لا يعلمون } يعني مما خلق الله تعالى من الأشياء في البر والبحر من الدواب.
قوله عز وجل: { وآية لهم } يعني تدلهم على قدرتنا { الليل نسلخ } أي ننزع ونكشط { منه النهار فإذا هم مظلمون } يعني فإذا هم في الظلمة وذلك أن الأصل هي الظلمة والنهار داخل عليها فإذا غربت الشمس سلخ النهار من الليل فتظهر الظلمة { والشمس تجري لمستقر لها } يعني إلى مستقر لها قيل إلى انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا وقيام الساعة وقيل تسير في منازلها حتى تنتهي إلى مستقرها, الذي لا تجاوزه ثم ترجع إلى أول منازلها وهو أنها تسير حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها ثم ترجع فذلك مستقرها وقيل مستقرها نهاية ارتفاعها في السماء في الصيف ونهاية هبوطها في الشتاء. وقرأ ابن مسعود والشمس تجري لا مستقر لها أي لا قرار ولا وقوف فهي جارية أبداً إلى يوم القيامة وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه
"أبو ذر قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله والشمس تجري لمستقر لها قال مستقرها تحت العرش" وفي رواية "قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس أتدري أين تذهب الشمس قال الله ورسوله أعلم قال إنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها" فذلك قوله تعالى: { والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم } أخرجاه في الصحيحين, قال الشيخ محيي الدين النووي اختلف المفسرون فيه فقال جماعة بظاهر الحديث. قال الواحدي فعلى هذا القول إذا غربت الشمس كل يوم استقرت تحت العرش إلى أن تطلع, وقيل تجري إلى وقت لها وأصل لا تتعداه وعلى هذا مستقرها انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا وأما سجود الشمس فهو تمييز وإدراك يخلقه الله تعالى فيها والله أعلم { ذلك } يعني الذي ذكر من جري الشمس على ذلك التقدير والحساب الذي يكل النظر عن استخراجه وتتحير الأفهام عن استنباطه { تقدير العزيز } يعني الغالب بقدرته على كل شيء مقدور { العليم } يعني المحيط علماً بكل شيء.
قوله تعالى: { والقمر قدرناه منازل } يعني قدرنا له منازل وهي ثمانية وعشرون منزلاً ينزل كل ليل في منزل منها لا يتعداه يسير فيها من ليلة المستهل إلى الثامنة والعشرين ثم يستتر ليلتين أو ليلة إذا نقص فإذا كان في آخر منازله رقّ وتقوس فذلك قوله تعالى: { حتى عاد كالعرجون القديم } وهو العود الذي عليه شماريخ العذق إلى منبته من النخلة والقديم الذي أتى عليه الحول فإذا قدم عتق ويبس وتقوس واصفر فشبه القمر به عند انتهائه إلى آخر منازله { لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر } يعني لا يدخل النهار على الليل قبل انقضائه ولا يدخل الليل على النهار قبل انقضائه وهو قوله تعالى: { ولا الليل سابق النهار } يعني هما يتعاقبان بحساب معلوم لا يجيء أحدهما قبل وقته. وقيل لا يدخل أحدهما في سلطان الآخر فلا تطلع الشمس بالليل ولا يطلع القمر بالنهار وله ضوء فإذا اجتمعا وأدرك أحدهما صاحبه قامت القيامة. وقيل معناه أن الشمس لا تجتمع مع القمر في فلك واحد ولا يتصل ليل بليل لا يكون بينهما نهار فاصل { وكل في فلك يسبحون } أي الشمس والقمر في فلك يسيرون.
قوله عز وجل: { وآية لهم أنا حملنا ذريتهم } يعني أولادهم { في الفلك المشحون } يعني المملوء { وخلقنا لهم من مثله } يعني مثل الفلك { ما يركبون } يعني من الإبل, وهي سفائن البر. وقيل أراد بالفلك المشحون سفينة نوح عليه الصلاة والسلام ومعنى الآية أن الله عز وجل حمل آباءهم الأقدمين في أصلاب الذين كانوا في السفينة فكانوا ذرية لهم ومنه قول العباس:

بل نطفة تركب السفين وقدألجم نسراً وأهله الغرق

وإنما ذكر ذريتهم دونهم لأنه أبلغ في الامتنان عليهم وأبلغ في التعجب من قدرته فعلى هذا القول يكون قوله من مثله أي من مثل ذلك الفلك ما يركبون أي من السفن والزوارق في الأنهار الكبار والصغار.