{ وإذا مس الإنسان ضر } أي بلاء وشدة { دعا ربه منيباً } أي راجعاً { إليه } مستغيثاً به { ثم إذا خوله } أي أعطاه { نعمة منه نسي } أي ترك { ما كان يدعو إليه من قبل } والمعنى نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه { وجعل لله أنداداً } يعني الأصنام { ليضل عن سبيله } أي ليرد عن دين الله تعالى { قل } أي لهذا الكافر { تمتع بكفرك قليلاً } أي في الدنيا إلى انقضاء أجلك { إنك من أصحاب النار } قيل نزلت في عتبة بن ربيعة وقيل في أبي حذيفة المخزومي وقيل هو عام في كل كافر { أمن هو قانت } قيل فيه حذف مجازه كمن هو غير قانت، وقيل مجازه الذي جعل لله أنداداً أخير أم من هو قانت. وقيل معنى الآية تمتع بكفرك إنك من أصحاب النار ويا من هو قانت أنت من أصحاب الجنة. قال ابن عباس: نزلت في أبي بكر وعمر. وعن ابن عمر: أنها نزلت في عثمان. وقيل: إنها نزلت في ابن مسعود وعمار وسلمان وقيل: الآية عامة في كل قانت وهو المقيم على الطاعة، وقال ابن عمر: القنوت قراءة القرآن وطول القيام، وقيل: القانت القائم بما يجب عليه { آناء الليل } أي ساعات الليل أوله ووسطه وآخره { ساجداً وقائماً } أي في الصلاة وفيه دليل على ترجيح قيام الليل على النهار وأنه أفضل منه وذلك لأن الليل أستر فيكون أبعد عن الرياء ولأن ظلمة الليل تجمع الهم وتمنع البصر عن النظر إلى الأشياء، وإذا صار القلب فارغاً عن الاشتغال بالأحوال الخارجية رجع إلى المطلوب الأصلي وهو الخشوع في الصلاة ومعرفة من يصلى له، وقيل لأن الليل وقت النوم ومظنَّة الراحة فيكون قيامه أشقّ على النفس فيكون الثواب فيه أكثر { يحذر } أي يخاف { الآخرة ويرجوا رحمة ربه } قيل المغفرة وقيل الجنة وفيه فائدة وهي أنه قال في مقام الخوف يحذر الآخرة فلم يضف الحذر إليه تعالى، وقال في مقام الرجاء ويرجو رحمة ربه وهذا يدل على أن جانب الرجاء أكمل وأولى أن ينسب إلى الله تعالى ويعضد. هذا ما روي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال له كيف نجدك قال أرجو الله يا رسول الله وأخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله تعالى ما يرجو منه وآمنه مما يخاف" أخرجه الترمذي { قل هل يستوي الذين يعلمون } أي ما عند الله من الثواب والعقاب { والذين لا يعلمون } ذلك، وقيل: الذين يعلمون عمار وأصحابه. والذين لا يعلمون أبو حذيفة المخزومي، وقيل افتتح الله الآية بالعمل وختمها بالعلم لأن العمل من باب المجاهدات والعلم من باب المكاشفات وهو النهاية فإذا حصل للإنسان دلَّ ذلك على كماله وفضله { إنما يتذكر أولوا الألباب } قوله تعالى: { قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم } أي بطاعته واجتناب معاصيه { للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة } يعني للذين آمنوا وحسنوا العمل حسنة يعني الجنة وقيل الصحة والعافية في هذه الدنيا { وأرض الله واسعة } قال ابن عباس يعني ارتحلوا من مكة وفيه حثّ على الهجرة من البلد الذي يظهر فيه المعاصي وقيل من أمر بالمعاصي في بلد فليهرب منه وقيل نزلت في مهاجري الحبشة وقيل نزلت في جعفر بن أبي طالب: وأصحابه حيث لم يتركوا دينهم لما نزل بهم البلاء وصبروا وهاجروا { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } قال علي بن أبي طالب كل مطيع يكال له كيلاً ويوزن له وزناً إلا الصابرين فإنه يحثي لهم حثياً. وروي أنه يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان ويصب عليهم الأجر صباً بغير حساب حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا لو أن أجسادهم تقرض بالمقاريض لما يذهب به أهل البلاء من الفضل.