لباب التأويل في معاني التنزيل
{ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم } يعني مثل عادتهم في الإقامة على التكذيب حتى أتاهم العذاب { وما الله يريد ظلماً للعباد } يعني لا يهلكهم إلا بعد إقامة الحجة عليهم { ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد } يعني يوم القيامة سمي يوم القيامة يوم التناد لأنه يدعى فيه كل أناس بإمامهم وينادي بعضهم بعضاً فينادي أصحاب الجنة أصحاب النار وينادي أصحاب النار أصحاب الجنة وينادى فيه بالسعادة والشقاوة ألا إن فلان بن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً وفلان ابن فلان شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً وينادي حين يذبح الموت يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت وقيل ينادي المؤمن هاؤم اقرؤوا كتابيه وينادي الكافر يا ليتني لم أوت كتابيه وقيل يوم التناد يعني يوم التنافر من ند البعير إذا نفر وهرب وذلك أنهم إذا سمعوا زفير النار ندوا هرباً فلا يأتون قطراً من الأقطار إلا وجدوا الملائكة صفوفاً عليه فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه { يوم تولون مدبرين } يعني منصرفين عن موقف الحساب إلى النار { ما لكم من الله من عاصم } يعني يعصمكم من عذابه { ومن يضلل الله فما له من هاد } يعني يهديه { ولقد جاءكم يوسف } يعني يوسف بن يعقوب { من قبل } يعني من قبل موسى { بالبينات } يعني قوله { أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار } [يوسف: 39] قيل مكث فيهم يوسف عشرين سنة نبياً وقيل إن فرعون يوسف هو فرعون موسى وقيل هو فرعون آخر { فما زلتم في شك مما جاءكم به } قال ابن عباس من عبادة الله وحده لا شريك له والمعنى أنهم بقوا شاكين في نبوته لم ينتفعوا بتلك البينات التي جاءهم بها { حتى إذا هلك } يعني مات { قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً } يعني أقمتم على كفركم وظننتم أن الله لا يجدد عليكم الحجة وإنما قالوا ذلك على سبيل التشهي والتمني من غير حجة ولا برهان عليه بل قالوا ذلك ليكون لهم أساساً في تكذيب الأنبياء الذين يأتون بعده وليس قولهم لن يبعث الله من بعده رسولاً تصديقاً لرسالة يوسف كيف وقد شكوا فيها وإنما هو تكذيب لرسالة من بعده مضمون إلى التكذيب لرسالته { كذلك يضل الله من هو مسرف } يعني في شركه وعصيانه { مرتاب } يعني في دينه.