التفاسير

< >
عرض

مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ
٢٥
ٱلَّذِي جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ
٢٦
قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ
٢٧
قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ
٢٨
مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ
٢٩
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ
٣٠

لباب التأويل في معاني التنزيل

{ منّاع للخير } أي للزكاة المفروضة وكل حق وجب عليه في ماله { معتد } أي ظالم لا يقر بتوحيد الله { مريب } أي: شاكّ في التوحيد { الذي جعل مع الله إلهاً آخر فألقياه في العذاب الشديد } يعني النار { قال قرينه } يعني الشيطان الذي قيض لهذا الكافر { ربنا ما أطغيته } قيل: هذا جواب لكلام مقدر وهو أن الكافر حين يلقى في النار يقول: ربنا أطغاني شيطاني فيقول الشيطان ربنا ما أطغيته أي ما أضللته وما أغويته { ولكن كان في ضلال بعيد } أي عن الحق فيتبرأ منه شيطانه وقال ابن عباس: قرينه يعني الملك يقول الكافر الكافر ربِّ إن الملك زاد عليّ في الكتابة فيقول الملك ربنا ما أطغيته أي ما زدت عليه وما كتبت إلا ما قال وعمل ولكن كان في ضلال بعيد أي طويل لا يرجع عنه إلى الحق { قال } الله تعالى: { لا تختصموا لدي } أي لا تعتذروا عندي بغير عذر وقيل هو خصامهم مع قرنائهم { وقد قدمت إليكم بالوعيد } أي بالقرآن وأنذرتكم على ألسن الرسل وحذرتكم عذابي في الآخرة لمن كفر { ما يبدل القول لدي } أي لا تبديل لقولي وهو قوله عز وجل: { لأملأن جهنم } [السجدة: 13] وقضيت عليكم ما أنا قاضٍ فلا يغير قولي ولا يبدل وقيل معناه ولا يكذب عندي ولا يغير القول عن وجهه، لأني علام الغيوب وأعلم كيف ضلوا وهذا القول هو الأولى يدل عليه أنه قال ما يبدل القول لدي ولم يقل ما يبدل قولي { وما أنا بظلام للعبيد } أي: فأعاقبهم بغير جرم. وقيل: معناه فأزيد على إساءة المسيء أو أنقص من إحسان المحسن.
قوله عز وجل: { يوم نقول لجهنم هل امتلأت } بيان لما سبق لها من وعد الله تعالى إياها أنه يملؤها من الجنة والناس وهذا السؤال من الله تعالى لتصديق خبره وتحقيق وعده { وتقول } يعني جهنم { هل من مزيد } يعني تقول قد امتلأت ولم يبق في موضع لم يمتلئ فهو استفهام إنكاري. وقيل: هو بمعنى الاستزادة. وهو رواية عن ابن عباس. فعلى هذا يكون السؤال وهو قوله: هل امتلأت؟ قبل دخول جميع أهلها فيها.
وروي عن ابن عباس: "إن الله تعالى سبقت كلمته لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين فلما سيق أعداء الله إليها لا يلقى فيها فوج إلا ذهب فيها ولا يملؤها شيء فتقول ألست قد أقسمت لتملأني فيضع قدمه عليها فيقول هل امتلأت؟ فتقول قط قط قد امتلأت وليس من مزيد" (ق) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العرش - وفي رواية رب العزة - فيها قدمه فيزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط بعزتك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقاً فيسكنهم فضول الجنة" . ولأبي هريرة نحوه وزاد "ولا يظلم الله من خلقه أحداً".
(فصل)
هذا الحديث من مشاهير أحاديث الصفات وللعلماء فيه وفي أمثاله مذهبان:
أحدهما: وهو مذهب جمهور السلف وطائفة من المتكلمين أنه لا يتكلم في تأويلها بل نؤمن بأنها حق على ما أراد الله ورسوله ونجريها على ظاهرها ولها معنى يليق بها وظاهرها غير مراد والمذهب الثاني وهو قول جمهور المتكلمين أنها تتأول بحسب ما يليق بها فعلى هذا اختلفوا في تأويل هذا الحديث. فقيل: المراد بالقدم المقدم وهو سائغ في اللغة. والمعنى: حتى يضع الله فيها من قدمه لها من أهل العذاب. وقيل: المراد به قدم بعض المخلوقين فيعود الضمير في قدمه إلى ذلك المخلوق المعلوم. وقيل: إنه يحتمل أن في المخلوقات من تسمى بهذه التسمية وخلقوا لها. قال القاضي عياض: أظهر التأويل أنهم قوم استحقوها وخلقوا لها قال المتكلمون: ولا بد من صرفه عن ظاهره لقيام الدليل القطعي العقلي على استحالة الجارحة على الله تعالى والله أعلم.
قوله: قط قط أي: حسبي حسبي. قد اكتفيت. وفيها ثلاث لغات: إسكان الطاء، وكسرها منونة، وغير منونة. وقوله: ولا يظلم الله من خلقه أحداً، يعني: أنه يستحيل الظلم في حق الله تعالى فمن عذبه بذنب أو بغير ذنب فذلك عدل منه سبحانه وتعالى.