التفاسير

< >
عرض

فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ
٤٤
فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ
٤٥
وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ
٤٦
وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَٰهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ
٤٧
وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ
٤٨
وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
٤٩
فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٥٠
وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٥١
-الذاريات

لباب التأويل في معاني التنزيل

{ فعتوا عن أمر ربهم } أي تكبروا عن طاعة ربهم { فأخذتهم الصاعقة } أي بعد مضي ثلاثة أيام من بعد عقر الناقة وهي الموت في قول ابن عباس. وقيل: أخذهم العذاب والصاعقة كل عذاب مهلك { وهم ينظرون } أي يرون ذلك العذاب عياناً { فما استطاعوا من قيام } أي فما قاموا بعد نزول العذاب بهم ولا قدروا على نهوض من تلك الصرعة { وما كانوا منتصرين } أي ممتنعين منا وقيل: ما كانت عندهم قوة يمتنعون بها من أمر الله { وقوم نوح } قرىء بكسر الميم ومعناه وفي يوم نوح وقرىء بنصبها ومعناه: وأغرقنا قوم نوح { من قبل } أي من قبل هؤلاء وهم عاد وثمود وقوم فرعون { إنهم كانوا قوماً فاسقين } أي خارجين عن الطاعة.
قوله تعالى: { والسماء بنيناها بأيد } أي بقوة وقدرة { وإنا لموسعون } قيل: هو من السعة: أي أوسعنا السماء بحيث صارت الأرض وما يحيط بها من السماء والفضاء وبالنسبة إلى سعة السماء كالحلقة الملقاة في الفلاة وقال ابن عباس: معناه قادرون على بنائها كذلك وعنه لموسعون أي الرزق على خلقنا وقيل: معناه وإنا ذوو السعة والغنى { والأرض فرشناها } أي بسطناها ومهدناها لكم { فنعم الماهدون } أي نحن { ومن كل شيء خلقنا زوجين } أي صنفين ونوعين مختلفين كالسماء والأرض والشمس والقمر والليل والنهار والبر والبحر والسهل والجبل والصيف والشتاء والجن والإنس والذكر والأنثى والنور والظلمة والإيمان والكفر والسعادة والشقاوة والحق والباطل والحلو والمر والحامض { لعلكم تذكرون } أي فتعلمون أن خالق الأزواج فرد لا نظير له ولا شريك معه { ففروا إلى الله } أي: قل يا محمد ففروا إلى الله أي فاهربوا من عذابه إلى ثوابه بالإيمان والطاعة وقال ابن عباس ففروا منه إليه واعملوا بطاعته وقال سهل بن عبد الله ففروا مما سوى الله إلى الله { إني لكم منه نذير } أي مخوف { مبين } أي بين الرسالة بالحجة الظاهرة والمعجزة الباهرة والبرهان القاطع { ولا تجعلوا مع الله إلهاً آخر } أي وحدوه ولا تشركوا به شيئاً { إني لكم منه نذير مبين } قيل: إنما كرر قوله إني لكم منه نذير مبين عند الأمر بالطاعة والنهي عن الشرك ليعلم أن الإيمان لا ينفع إلا مع العمل كما أن العمل لا ينفع إلا مع الإيمان وأنه لا يفوز عند الله إلا الجامع بينهما.