التفاسير

< >
عرض

وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ
٣٧
أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ
٣٨
وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ
٣٩
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ
٤٠
ثُمَّ يُجْزَاهُ ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ
٤١
-النجم

لباب التأويل في معاني التنزيل

{ وإبراهيم } يعني ويخبر بما في صحف إبراهيم { الذي وفى } يعني كمل وتمم مما أمر به وقيل: عمل بما أمر به وبلغ رسالات ربه إلى خلقه وقيل وفى فرض عليه وقيل قام بذبح ولده وقيل استكمل الطاعة. وقيل: وفى بما فرض عليه في سهام الإسلام وهو قوله { { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } [البقرة: 124] والتوفية الإتمام. وقيل: وفي شأن المناسك. وروى البغوي بسنده عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إبراهيم الذي وفى عمله كل يوم بأربع ركعات أول النهار.
عن أبي الدرداء وأبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
"عن الله تبارك وتعالى أنه قال ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره" أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب ثم بين ما في صحفهما فقال تعالى: { ألا تزر وازرة وزر أخرى } أي لا تحمل نفس حاملة حمل نفس أخرى. والمعنى: لا تؤخذ نفس بإثم غيرها. وفي هذا إبطال قول من ضمن للوليد بن المغيرة أن يحمل عنه الإثم. وقال ابن عباس: كانوا قبل إبراهيم يأخذون الرجل بذنب غيره كان الرجل يقتل بقتل أبيه وابنه وأخيه وامرأته وعبده حتى كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام فنهاهم عن ذلك وبلغهم عن الله تعالى: { ألا تزر وازرة وزر أخرى } { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } أي عمل وهذا في صحف إبراهيم وموسى أيضاً قال ابن عباس هذا منسوخ الحكم في هذه الشريعة بقوله تعالى: { { ألحقنا بهم ذريتهم } [الطور: 21] فأدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء وقيل كان ذلك لقوم إبراهيم وموسى فأما هذه الأمة فلها ما سعوا وما سعى لهم غيرهم لما روي عن ابن عباس "أن امرأة رفعت صبياً لها فقالت يا رسول الله ألهذا حج؟ قال نعم ولك أجراً" أخرجه مسلم وعنه "أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمي توفيت أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال نعم" .
وفي رواية أن سعد بن عبادة أخا بني سعد وذكر نحوه وأخرجه البخاري وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال نعم." أخرجاه في الصحيحين. وفي حديث ابن عباس دليل لمذهب الشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء أن حج الصبي منعقد صحيح يثاب عليه وإن كان لا يجزيه عن حجة الإسلام بل يقع تطوعاً. وقال أبو حنيفة: لا يصح حجه وإنما يكون ذلك تمريناً للعبادة. وفي الحديثين الآخرين دليل على أن الصدقة عن الميت تنفع الميت ويصله ثوابها. وهو إجماع العلماء.
وكذلك أجمعوا على وصول الدعاء وقضاء الدين للنصوص الواردة في ذلك ويصح الحج عن الميت حجة الإسلام وكذا لو أوصى بحج تطوع على الأصح عند الشافعي واختلف العلماء في الصوم إذا مات وعليه صوم فالراجع جوازه عنه للأحاديث الصحيحة فيه والمشهور من مذهب الشافعي أن قراءة القرآن لا يصله ثوابها. وقال جماعة من أصحابه: يصله ثوابها. وبه قال أحمد بن حنبل وأما الصلوات وسائر التطوعات فلا يصله عند الشافعي والجمهور. وقال أحمد: يصله ثواب الجميع والله أعلم.
وقيل: أراد بالإنسان الكافر. والمعنى: ليس له من الخير إلا ما عمل هو فيثاب عليه في الدنيا بأن يوسع عليه في رزقه ويعافى في بدنه حتى لا يبقى له في الآخرة خير وروي أن عبد الله بن أبي ابن سلول كان أعطى العباس قميصاً ألبسه إياه فلما مات أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه ليكفن فيه فلم يبق له في الآخرة حسنة يثاب عليها. وقيل: ليس للإنسان إلا ما سعى هو من باب العدل فأما من باب الفضل فجائز أن يزيده الله ما يشاء من فضله وكرمه { وأن سعيه سوف يرى } أي يراه في ميزانه يوم القيامة وفيه بشارة للمؤمن وذلك أن الله تعالى يريه أعماله الصالحة ليفرح بها ويحزن الكافر بأعماله الفاسدة فيزداد غماً { ثم يجزاه } أي السعي { الجزاء الأوفى } أي الأتم والأكمل. والمعنى: أن الإنسان يجزى جزاء سعيه الجزاء الأوفى.