التفاسير

< >
عرض

كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ
٣
إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ
٤
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ
٥
وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ
٦
-الصف

لباب التأويل في معاني التنزيل

{ كبر مقتاً عند الله } أي عظم بغضاً عند الله { أن تقولوا ما لا تفعلون } معناه أن يعدوا من أنفسهم شيئاً ولم يفوا به { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً } أي يصفون أنفسهم عند القتال صفاً ولا يزولون عن أماكنهم { كأنهم بنيان مرصوص } أي قد رص بعضه ببعض وألزق بعضه إلى بعض وأحكم فليس فيه فرجة ولا خلل ومنه الحديث "تراصوا في الصف" ومعنى الآية إن الله يحب أن يثبت في الجهاد في سبيله ويلزم مكانه كثبوت البناء المرصوص.
قوله تعالى: { وإذ قال موسى لقومه } أي واذكر يا محمد لقومك إذ قال موسى لقومه بني إسرائيل { يا قوم لم تؤذونني } قيل: إنهم كانوا يؤذونه بأنواع من الأذى التعنت منها قولهم أرنا الله جهرة وقولهم لن نصبر على طعام واحد ومنها أنهم رموه بالأدرة { وقد تعلمون أني رسول الله إليكم } يعني تؤذونني وأنتم عالمون علماً قطعياً أني رسول الله إليكم والرسول يعظم ويوقر ويحترم ولا يؤذي { فلما زاغوا } أي عدلوا ومالوا عن الحق { أزاغ الله قلوبهم } أي أمالها عن الحق إلى غيره { والله لا يهدي القوم الفاسقين } أي لا يهدي من سبق في علمه أنه فاسق خارج عن طاعته وهدايته وهذا تنبيه على عظم إيذاء الرسل حتى إن أذاهم يؤدي إلى الكفر وزيغ القلوب عن الهدى { وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم } أي إني رسول أرسلت إليكم بالوصف الذي وصفت به في التوراة { مصدقاً لما بين يدي من التوراة } أي مقر معترف بأحكام التوراة وكتب الله وأنبيائه جميعاً ممن قد تقدم { ومبشراً برسول يأتي من بعدي } أي يصدق بالتوراة على مثل تصديقي فكأنه قيل ما اسمه فقال { اسمه أحمد } عن أبي موسى قال
"أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يأتوا النجاشي" وذكر الحديث، وفيه قال "سمعت النجاشي يقول أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر به عيسى ولولا ما أنا فيه من الملك وما تحملت من أمر الناس لأتيته حتى أحمل نعليه" أخرجه أبو داود وعن عبد الله بن سلام قال مكتوب في التوراة صفة محمد وعيسى ابن مريم يدفن معه فقال أبو داود المدني قد بقي في البيت موضع قبر أخرجه الترمذي عن كعب الأحبار أن الحواريين قالوا لعيسى صلى الله عليه وسلم يا روح الله هل بعدنا من أمة؟ قال نعم يأتي بعدكم أمة حكماء علماء أبرار أتقياء كأنهم في الفقه أنبياء يرضون من الله باليسير من الرزق ويرضى الله منهم باليسير من العمل (ق) عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي يوم القيامة وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي وقد سماه الله تعالى رؤوفاً رحيماً" وأحمد يحتمل معنيين أحدهما أنه مبالغة من الفاعل ومعناه أن الأنبياء كلهم حمادون لله عز وجل وهو أكثر حمداً لله من غيره والثاني أنه مبالغة من المفعول ومعناه أن الأنبياء كلهم محمودون لما فيهم من الخصال الحميدة وهو أكثر مبالغة وأجمع للفضائل والمحاسن والأخلاق التي يحمد بها من غيره، { فلما جاءهم بالبينات } قيل هو عيسى صلى الله عليه وسلم وقيل هو محمد صلى الله عليه وسلم { قالوا هذا سحر مبين } أي ظاهر.