التفاسير

< >
عرض

فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ
٣٥
وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ
٣٦
لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَاطِئُونَ
٣٧
فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ
٣٨
وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ
٣٩
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ
٤٠
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ
٤١
وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ
٤٢
تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٤٣
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ
٤٤
لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ
٤٥
-الحاقة

لباب التأويل في معاني التنزيل

{ فليس له اليوم هاهنا حميم } أي ليس له في الآخرة قريب ينفعه أو يشفع له { ولا طعام إلا من غسلين } يعني صديد أهل النار مأخوذ من الغسل كأنه غسالة جروحهم وقروحهم وقيل هو شجر يأكله أهل النار { لا يأكله إلا الخاطئون } أي الكافرون.
قوله عز وجل: { فلا أقسم } قيل إن لا صلة والمعنى أقسم. وقيل لا رد لكلام المشركين كأنه قال ليس الأمر كما يقول المشركون ثم قال تعالى أقسم وقيل لا هنا نافية للقسم على معنى أنه لا يحتاج إليه لوضوح الحق فيه كأنه قال لا أقسم على أن القرآن قول رسول كريم فكأنه لوضوحه استغنى عن القسم.
وقوله { بما تبصرون وما لا تبصرون } يعني بما ترون وتشاهدون وبما لا ترون وما لا تشاهدون أقسم بالأشياء كلها فيدخل فيه جميع المكونات والموجودات، وقيل أقسم بالدنيا والآخرة. وقيل بما تبصرون يعني على ظهر الأرض وما لا تبصرون أي ما في بطنها. وقيل بما تبصرون يعني الأجسام وما لا تبصرون يعني الأرواح. وقيل بما تبصرون يعني الإنس وما لا تبصرون يعني الملائكة والجن. وقيل بما تبصرون من النعم الظاهرة وما لا تبصرون من النعم الباطنة. وقيل بما تبصرون هو ما أظهره الله من مكنون غيبه لملائكته واللوح والقلم وجميع خلقه وما لا تبصرون هو ما استأثر الله بنعمه فلم يطلع عليه أحداً من خلقه، ثم ذكر المقسم عليه فقال تعالى { إنه } يعني للقرآن { لقول رسول كريم } يعني تلاوة رسول كريم وهو محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: الرسول هو جبريل عليه السلام فعلى هذا يكون المعنى إنه لرسالة رسول كريم والقول الأول أصح لأنهم لم يصفوا جبريل بالشعر والكهانة وإنما وصفوا بهما محمداً صلى الله عليه وسلم.
فإن قلت قد توجه هنا سؤال وهو أن جمهور الأمة وهم أهل السنة مجمعون على أن القرآن كلام الله فكيف يصح إضافته إلى الرسول.
قلت أما إضافته إلى الله تعالى فلأنه هو المتكلم به وأما إضافته إلى الرسول فلأنه هو المبلغ عن الله تعالى ما أوحي إليه ولهذا أكده بقوله { تنزيل من رب العالمين } ليزول هذا الإشكال. قال ابن قتيبة لم يرد أنه قول الرسول وإنما أراد أنه قول الرسول المبلغ عن الله تعالى. وفي الرسول ما يدل على ذلك فاكتفى به عن أن يقول عن الله تعالى وقوله تعالى: { وما هو بقول شاعر } يعني أن هذا القرآن ليس بقول رجل شاعر ولا هو من ضروب الشعر ولا تركيبه { قليلاً ما تؤمنون } أراد بالقليل عدم إيمانهم أصلاً. والمعنى أنكم لا تصدقون بأن القرآن من عند الله تعالى: { ولا بقول كاهن } أي وليس هو بقول رجل كاهن ولا هو من جنس الكهانة { قليلاً ما تذكرون } يعني لا تتذكرون البتة { تنزيل } أي هو تنزيل يعني القرآن، { من رب العالمين } وذلك أنه لما قال إنه لقول رسول كريم أتبعه بقوله تنزيل من رب العالمين ليزول هذا الإشكال.
قوله تعالى: { ولو تقول علينا } أي اختلق علينا محمد { بعض الأقاويل } يعني أتى بشيء من عند نفسه لم نقله نحن ولم نوجه إليه { لأخذنا منه باليمين } أي لأخذناه بالقوة والقدرة وانتقمنا منه باليمين أي بالحق. قال ابن عباس لأخذناه بالقوة والقدرة قال الشماخ يمدح عرابة ملك اليمن:

إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين

أي بالقوة فعبر عن القوة باليمين لأن قوة كل شيء في ميامنه. والمعنى لأخذنا منه اليمين أي سلبناه القوة فعلى هذا المعنى الباء زائدة. وقيل معنى الآية ذللناه وأهناه كفعل السلطان بمن يريد أن يهينه، يقول لبعض أعوانه خذ بيده فأقمه. وإنما خص اليمين بالذكر لأنه أشرف العضوين.