التفاسير

< >
عرض

كَأَنَّهُ جِمَٰلَتٌ صُفْرٌ
٣٣
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
٣٤
هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ
٣٥
وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ
٣٦
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
٣٧
هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ جَمَعْنَٰكُمْ وَٱلأَوَّلِينَ
٣٨
فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ
٣٩
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
٤٠
إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ
٤١
وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ
٤٢
كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيـۤئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٤٣
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
٤٤
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
٤٥
كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ
٤٦
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
٤٧
وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ
٤٨
-المرسلات

لباب التأويل في معاني التنزيل

{ كأنه } يعني الشرر { جمالات } جمع الجمال، وقال ابن عباس: هي حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض حتى تكون كأوساط الجمال { صفر } جمع أصفر يعني أن لون ذلك الشرر أصفر وأنشد بعضهم:

دعتهم بأعلى صوتها ورمتهم بمثل الجمال الصفر نزاعة الشوى

وقيل الصفر هنا معناه الأسود لأنه جاء في الحديث أن شرر نار جهنم أسود كالقير، والعرب تسمى سود الإبل صفراً لأنه يشوب سوادها شيء من الصفرة، وقيل هي قطع النحاس، والمعنى أن هذا الشرر يرتفع كأنه شيء مجموع غليظ أصفر. { ويل يومئذ للمكذبين } قوله عز وجل: { هذا يوم لا ينطقون } يعني بحجة تنفعهم قيل هذا في بعض مواطن القيامة ومواقفها، وذلك لأن في بعضها يتكلمون وفي بعضها يختصمون، وفي بعضها يختم على أفواههم فلا ينطقون { ولا يؤذن لهم فيعتذرون } عطف على يؤذن واختير ذلك لأن رؤوس الآي بالنون فلو قال فيتعذروا لم يوافق الآيات، والعرب تستحب وفاق الفواصل كما تستحب وفاق القوافي، والقرآن نزل على ما تستحب العرب من موافقة المقاطع، والمعنى لا يكون إذن واعتذار قال الجنيدي: أي عذر لمن أعرض عن منعمه وكفر بأياديه ونعمه.
فإن قلت قد توهم أن لهم عذراً، ولكن قد منعوا من ذكره.
قلت ليس لهم عذر في الحقيقة لأنه قد تقدم الإعذار والإنذار في الدّنيا فلم يبق لهم عذر في الآخرة، ولكن ربما تخيلوا خيالاً فاسداً أن لهم عذراً فلم يؤذن لهم في ذلك العذر الفاسد { ويل يومئذ للمكذبين } يعني أنه لما تبين إنه لا عذر لهم، ولا حجة فيما أتوا به من الأعمال السيئة، ولا قدرة لهم على دفع العذاب عنهم لا جرم قال في حقهم { ويل يومئذ للمكذبين هذا يوم الفصل } يعني بين أهل الجنة وأهل النار، وقيل هو الفصل بين العباد في الحقوق والمحاكمات { جمعناكم والأولين } يعني مكذبي هذه الأمة والذين كذبوا أنبياءهم من الأمم الماضية. { فإن كان لكم كيد فكيدون } أي إن كانت لكم حيلة تحتالون بها لأنفسكم فاحتالوا وهم يعلمون أن الحيل يومئذ منقطعة لا تنفع وهذا في نهاية التوبيخ والتقريع فلهذا عقبة بقوله { ويل يومئذ للمكذبين } قوله عز وجل { إن المتقين } أي الذين اتقوا الشرك { في ظلال } جمع ظل وهو ظل الأشجار { وعيون } أي في ظلهم عيون ماء { وفواكه مما يشتهون } أي يتلذذون بها { كلوا واشربوا } أي ويقال لهم كلوا واشربوا، وهذا القول يحتمل أن يكون من جهة الله تعالى بلا واسطة، وما أعظمها من نعمة أو يكون من جهة الملائكة على سبيل الإكرام { هنيئاً } أي خالص اللّذة لا يشوبه تنغيص { بما كنتم تعملون } أي في الدنيا من الطاعات { إنا كذلك نجزي المحسنين } قيل المقصود منه تذكير الكفار ما فاتهم من النعم العظيمة، ليعلموا أنهم لو كانوا من المتقين المحسنين لفازوا بمثل ذلك الخير العظيم. فلما لم يفعلوا ذلك وقعوا في قوله. { ويل يومئذ للمكذبين } قوله عز وجل: { كلوا وتمتعوا قليلاً } يقول الكفار مكة كلوا وتمتعوا قليلاً في الدنيا إلى منتهى آجالكم، وهذا وإن كان ظاهر اللفظ أمراً إلا أنه في المعنى نهي بليغ وزجر عظيم { إنكم مجرمون } أي مشركون بالله مستحقون للعقاب لا جرم أتبعه بقوله { ويل يومئذ للمكذبين وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون } أي وإذا قيل لهم صلوا مع محمد وأصحابه لا يصلون فعبر عن الصلاة بلفظ الركوع لأنه ركن من أركانها وقال ابن عباس: إنما يقال لهم هذا يوم القيامة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون.