التفاسير

< >
عرض

إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ
٤
فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ
٥
خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ
٦
يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ
٧
إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ
٨
يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ
٩
-الطارق

لباب التأويل في معاني التنزيل

{ إن كل نفس لما عليها حافظ }، يعني أن كل نفس عليها حافظ من ربها يحفظ عملها ويحصي عليها ما تكسب من خير أو شر، قال ابن عباس: هم الحفظة من الملائكة، وقيل حافظ من الله تعالى يحفظها، ويحفظ قولها، وفعلها، حتى يدفعها ويسلمها إلى المقادير، ثم يحل عنها، وقيل يحفظها من المهالك والمعاطب إلا ما قدر لها.
قوله عزّ وجلّ: { فلينظر الإنسان } يعني نظر تفكر واعتبار { مم خلق } أي من أيّ شيءٍ خلقه ربه، ثم بيّن ذلك فقال تعالى: { خلق من ماء } يعني من مني { دافق }، أي مدفوق مصبوب في الرحم، وأراد به ماء الرجل، وماء المرأة، لأن الولد مخلوق منهما وإنما جعله واحداً لامتزاجهما { يخرج } يعني ذلك الماء وهو المني، { من بين الصلب والترائب } يعني صلب الرجل، وترائب المرأة، وهي عظام الصدر والنحر. قال ابن عباس: هي موضع القلادة من الصدر، وعنه أنها بين ثديي المرأة، قيل إن المني، يخرج من جميع أعضاء الإنسان، وأكثر ما يخرج من الدماغ، فينصب في عرق في ظهر الرجل، وينزل في عروق كثيرة من مقدم بدن المرأة، وهي الترائب، فلهذا السبب خصَّ الله تعالى، هذين العضوين بالذكر { إنه على رجعه لقادر } يعني إن الله تعالى قادر على أن يرد النطفة في الإحليل، وقيل قادر على رد الماء في الصلب الذي خرج منه، وقيل قادر على رد الإنسان ماء كما كان من قبل، وقيل معناه إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصبا ومن الصبا، إلى النطفة وقيل إنَّه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج لقادر، وقيل معناه إن الذي قدر على خلق الإنسان ابتداء قادر على إعادته حياً بعد موته، وهو أهون عليه، وهذا القول هو الأصح، والأولى بمعنى الآية لقوله تعالى بعده { يوم تبلى السرائر } وذلك يوم القيامة. قيل معناه تظهر الخبايا. وقيل معنى تبلى تختبر، وقيل السرائر هي فرائض الأعمال كالصوم، والصلاة، والوضوء، والغسل من الجنابة، فكل هذه سرائر بين العبد وبين ربّه عزّ وجلّ وذلك لأن العبد قد يقول صليت ولم يصلِّ، وصمت ولم يصم، واغتسلت ولم يغتسل، فإذا كان يوم القيامة يختبر حتى يظهر من أداها ومن ضيعها. قال عبد الله بن عمر: يبدي الله تعالى يوم القيامة كل سر، فيكون زيناً في وجوه وشيناً في وجوه، يعني من أدى الفرائض كما أمر كان وجهه مشرقاً، مستنيراً يوم القيامة، ومن ضيعها أو انتقص منها كان وجهه أغبر.