التفاسير

< >
عرض

قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا
٩
وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا
١٠
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ
١١
إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا
١٢
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا
١٣
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا
١٤
-الشمس

لباب التأويل في معاني التنزيل

{ قد أفلح من زكاها } المعنى لقد أفلح من زكاها أي فازت وسعدت نفس زكاها الله أي أصلحها وطهرها من الذّنوب، ووفقها للطاعة. { وقد خاب من دساها } أي خابت وخسرت نفس أضلها الله تعالى، وأفسدها، وأصله من دس الشّيء إذا أخفاه فكأنه سبحانه وتعالى أقسم بأشرف مخلوقاته على فلاح من طهره، وزكاه، وخسارة من خذله، وأضله حتى لا يظن أحد أنه يتولى تطهير نفسه، أو إهلاكها بالمعصية من غير قدر متقدم وقضاء سابق (م) عن زيد بن أرقم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "اللّهم إني أعوذ بك من العجز، والكسل، والبخل، والهرم وعذاب القبر، اللّهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها، ومولاها، اللّهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها" .
قوله عز وجل { كذبت ثمود } وهم قوم صالح عليه الصّلاة والسّلام { بطغواها } أي بطغيانها وعدوانها، والمعنى أن الطغيان حملهم على التكذيب حتى كذبوا { إذا انبعث أشقاها } أي قام وأسرع وذلك أنهم لما كذبوا بالعذاب، وكذبوا صالحاً انبعث أشقى القوم وهو قدار بن سالف، وكان رجلاً أشقر أزرق العين قصيراً فعقر الناقة (ق) "عن عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وذكر الناقة، والذي عقرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا انبعث أشقاها انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في أهله مثل أبي زمعة" لفظ البخاري قوله عارم أي شديد ممتنع.
قوله تعالى: { فقال لهم رسول الله } يعني صالحاً عليه الصّلاة والسّلام { ناقة الله } أي ذروا ناقة الله وإنما قال لهم ذلك لما عرف منهم أنهم قد عزموا على عقرها وإنما أضافها إلى الله تعالى لشرفها كبيت الله. { وسقياها } أي وشربها ولا تتعرضوا للماء يوم شربها { فكذبوه } يعني صالحاً { فعقروها } يعني الناقة { فدمدم عليهم ربهم } أي فدمر عليهم ربهم وأهلكهم والدمدمة هلاك استئصال، وقيل دمدم أي أطبق عليهم العذاب طبقاً حتى لم ينفلت منهم أحد { بذنبهم } أي فعلنا ذلك بهم بسبب ذنبهم، وهو تكذيبهم صالحاً عليه الصّلاة والسّلام وعقرهم الناقة { فسواها } أي فسوى الدّمدمة عليهم جميعاً وعمهم بها، وقيل معناه فسوى بين الأمة وأنزل بصغيرهم، وكبيرهم، وغنيهم وفقيرهم العذاب، { ولا يخاف عقباها } أي لا يخاف الله تبعة من أحد في هلاكهم كذا قال ابن عباس: وقيل هو راجع إلى العاقر والمعنى لا يخاف العاقر عقبى ما قدم عليه من عقر الناقة، وقيل هو راجع إلى صالح عليه الصّلاة والسّلام والمعنى لا يخاف صالح عاقبة ما أنزل الله بهم من العذاب أن يؤذيه أحد بسبب ذلك والله أعلم.