{ أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى } نزلت في أبي جهل وذلك أنه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصّلاة (م) عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم، فقيل نعم فقال واللاّت والعزّى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، ولأعفرن وجهه في التراب قال فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته قال فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، فقيل له ما لك قال إن بيني وبينه خندقاً من نار وهولاً وأجنحة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً" فأنزل الله هذه الآية، لا أدري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه كلا إن الإنسان ليطغى إلى قوله كلا لا تطعه قال: وأمره بما أمره به زاد في رواية، فليدع ناديه يعني قومه (خ) عن ابن عباس قال "قال أبو جهل لئن رأيت محمداً يصلي عند البيت لأطأن على عنقه. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لو فعله لأخذته الملائكة" زاد التّرمذي عياناً ومعنى أرأيت تعجباً للمخاطب وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وفائدة التنكير في قوله عبداً تدل على أنه كامل العبودية، والمعنى أرأيت الذي ينهى أشد الخلق عبودية عن العبودية، وهذا دأبه وعادته، وقيل إن هذا الوعيد يلزم لكل من ينهى عن الصلاة عن طاعة الله تعالى، ولا يلزم منه عدم جواز المنع من الصّلاة في الدّار المغصوبة، وفي الأوقات المكروهة لأنه قد ورد النهي عن ذلك في الأحاديث الصّحيحة، ولا يلزم من ذلك أيضاً عدم جواز منع المولى عبده، والرجل زوجته عن قيام الليل، وصوم التّطوع والاعتكاف لأن ذلك استيفاء مصلحة إلا أن يأذن فيه المولى أو الزوج { أرأيت إن كان على الهدى } يعني العبد المنهي وهو النبي صلى الله عليه وسلم { أو أمر بالتقوى } يعني في الإخلاص والوحيد { أرأيت إن كذب } يعني أبا جهل { وتولى } أي عن الإيمان وتقدير نظم الآية أرأيت الذي ينهي عبداً إذا صلى وهو على الهدى آمر بالتّقوى والنّاهي مكذب متول عن الإيمان أي أعجب من هذا { ألم يعلم } يعني أبا جهل { بأن الله يرى } يعني يرى ذلك الفعل فيجازيه به، وفيه وعيد شديد وتهديد عظيم { كلا } أي لا يعلم ذلك أبو جهل { لئن لم ينته } يعني عن إيذاء محمد صلى الله عليه وسلم وعن تكذيبه { لنسفعاً بالناصية } أي لنأخذن بناصيته فلنجرنه إلى النّار، يقال سفعت بالشيء إذا أخذته وجذبته جذباً شديداً والناصية شعر مقدم الرأس والسفع الضرب أي لنضربن وجهه في النار، ولنسودن وجهه ولنذلنه ثم قال على البدل { ناصية كاذبة خاطئة } أي صاحبها كاذب خاطىء.
قال ابن عباس: لما نهى أبو جهل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة انتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو جهل: أتنتهرني فوالله لأملأن عليك هذا الوادي إن شئت خيلاً جرداً، ورجالاً مرداً وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فجاءه أبو جهل فقال: ألم أنهك عن هذا؟ فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فزبره فقال أبو جهل إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني فأنزل الله تعالى { فليدع ناديه سندع الزبانية } قال ابن عباس: والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله أخرجه التّرمذي، وقال حديث حسن غريب صحيح، ومعنى فليدع ناديه أي عشيرته وقومه فلينتصر بهم، وأصل النادي المجلس الذي يجمع الناس، ولا يسمى نادياً ما لم يكن فيه أهله { سندع الزبانية } يعني الملائكة الغلاظ الشداد قال ابن عباس: يريد زبانية جهنم سموا بذلك لأنهم يدفعون أهل النّار إليها بشدة مأخوذ من الزّبن وهو الدفع { كلا } أي ليس الأمر على ما هو عليه أبو جهل { لا تطعه } أي في ترك الصّلاة { واسجد } يعني صل لله { واقترب } أي من الله (م) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء" وهذه السّجدة من عزائم سجود التلاوة عند الشّافعي فيسن للقارىء، والمستمع أن يسجد عند قراءتها يدل عليه ما روي "عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في اقرأ باسم ربك وإذا السماء انشقت" أخرجه مسلم والله سبحانه وتعالى أعلم.