المقرّن: المشدود في القرن، وهو الحبل. الصفد: الغل، والقيد يقال: صفده صفداً قيده، والاسم الصفد، وفي التكثير صفده مشدداً. قال الشاعر:وأبقـى بــالملــوك مصفــدينــا
وأصفدته: أعطيته. وقيل: صفد وأصفد معاً في القيد والإعطاء. قال الشاعر:فلـم أعرض أبيت اللعـن بالصفـد
أي: بالعطاء. وسمي العطاء صفداً لأنه يقيده ويعبد. السربال: القميص، يقال: سربلته فتسربل. القطران: ما يحلب من شجر الابهل فيطبخ، وتهنأ به الإبل الجربى، فيحرق الجرب بحره وحدته، وهو أقبل الأشياء اشتعالاً، ويقال فيه قطران بوزن سكران، وقطران بوزن سرحان.{ وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال. فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام. يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار. وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد. سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار. ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب. هـذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إلـه واحد وليذكر أولوا الألباب }: الظاهر أنّ الضمير في مكروا عائد على المخاطبين في قوله:
{ أو لم تكونوا أقسمتم من قبل } [إبراهيم: 44] أي مكروا بالشرك بالله، وتكذيب الرسل. وقيل: الضمير عائد على قوم الرسول كقوله: { وأنذر الناس } [إبراهيم: 44] أي: وقد مكر قومك يا محمد، وهو الذي في قوله: { { وإذ يمكر بك الذين كفروا } [الأنفال: 30] الآية ومعنى مكرهم أي: المكر العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم، والظاهر أنّ هذا إخبار من الله لنبيه بما صدر منهم في الدنيا، وليس مقولاً في الآخرة. وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون مما يقال يوم القيامة للظلمة الذين سكن في منازلهم. وعند الله مكرهم أي: علم مكرهم فهو مطلع عليه، فلا ينفذ لهم فيه قصداً، ولا يبلغهم فيه أملاً أو جزاء مكرهم، وهو عذابه لهم. والظاهر إضافة مكر وهو المصدر إلى الفاعل، كما هو مضاف في الأول إليه كأنه قيل: وعند الله ما مكروا أي مكرهم. وقال الزمخشري: أو يكون مضافاً إلى المفعول على معنى: وعند الله مكرهم الذي يمكرهم به، وهو عذابهم الذي يستحقونه، يأتيهم به من حيث لا يشعرون ولا يحتسبون انتهى. وهذا لا يصح إلا إن كان مكر يتعدى بنفسه كما قال هو، إذ قدر يمكرهم به، والمحفوظ أنّ مكر لا يتعدى إلى مفعول به بنفسه. قال تعالى: { { وإذ يمكر بك الذين كفروا } [الأنفال: 30] وتقول: زيد ممكور به، ولا يحفظ زيد ممكور بسبب كذا. وقرأ الجمهور: وإن كان بالنون. وقرأ عمرو، وعلي، وعبد الله، وأبيّ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو إسحاق السبيعي، وزيد بن علي: وإن كاد بدال مكان النون لتزول بفتح اللام الأولى ورفع الثانية، وروي كذلك عن ابن عباس. وقرأ ابن عباس، ومجاهد، وابن وثاب، والكسائي كذلك، إلا أنهم قرأُوا وإن كان بالنون، فعلى هاتين القراءتين تكون إنْ هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة، وذلك على مذهب البصريين. وأما على مذهب الكوفيين فإن نافية، واللام بمعنى إلا. فمن قرأ كاد بالدال فالمعنى: أنه يقرب زوال الجبال بمكرهم، ولا يقع الزوال. وعلى قراءة كان بالنون، يكون زوال الجبال قد وقع، ويكون في ذلك تعظيم مكرهم وشدته، وهو بحيث يزول منه الجبال وتنقطع عن أماكنها. ويحتمل أن يكون معنى لتزول ليقرب زوالها، فيصير المعنى كمعنى قراءة كاد. ويؤيد هذا التأويل ما ذكره أبو حاتم من أنّ في قراءة أبيّ: ولولا كلمة الله لزال من مكرهم الجبال، وينبغي أن تحمل هذه القراءة على التفسير لمخالفتها لسواد المصحف المجمع عليه. وقرأ الجمهور وباقي السبعة: وإن كان بالنون مكرهم لتزول بكسر اللام، ونصب الأخيرة. ورويت هذه القراءة عن علي، واختلف في تخريجها. فعن الحسن وجماعة أنّ إنْ نافية، وكان تامة، والمعنى: وتحقير مكرهم، وأنه ما كان لتزول منه الشرائع والنبوات وأقدار الله التي هي كالجبال في ثبوتها وقوتها، ويؤيد هذا التأويل ما روي عن ابن مسعود أنه قرأ: وما كان بما النافية: لكنّ هذا التأويل، وما روي عن ابن مسعود من قراءة وما بالنفي، يعارض ما تقدم من القراءات، لأنّ فيها تعظيم مكرهم، وفي هذا تحقيره. ويحتمل على تقدير أنها نافية أن تكون كان ناقصة، واللام لام الجحود، وخبر كان على الخلاف الذي بين البصريين والكوفيين: أهو محذوف؟ أو هو الفعل الذي دخلت عليه اللام؟ وعلى أنّ إنْ نافية وكان ناقصة، واللام في لتزول متعلقة بفعل في موضع خبر كان، خرجه الحوفي.
وقال الزمخشري: وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال، وإن عظم مكرهم وتتابع في الشدة بضرب زوال الجبال منه مثلاً لتفاقمه وشدته أي: وإن كان مكرهم مستوٍ لإزالة الجبال معداً لذلك. وقال ابن عطية: ويحتمل عندي هذه القراءة أن تكون بمعنى تعظيم مكرهم أي: وإن كان شديداً بما يفعل ليذهب به عظام الأمور انتهى. وعلى تخريج هذين تكون إن هي المخففة من الثقيلة، وكان هي الناقصة. وعلى هذا التخريج تتفق معاني القراءات أو تتقارب، وعلى تخريج النفي تتعارض كما ذكرنا. وقرىء لتزول بفتح اللام الأولى ونصب الثانية، وذلك على لغة من فتح لام كي. والذي يظهر أنّ زوال الجبال مجاز ضرب مثلاً لمكر قريش، وعظمه والجبال لا تزول، وهذا من باب الغلو والإيغال والمبالغة في ذم مكرهم. وأما ما روي أن جبلاً زال بحلف امرأة اتهمها زوجها وكان ذلك الجبل من حلف عليه كاذباً مات، فحملها للحلف، فمكرت بأن رمت نفسها عن الدابة وكانت وعدت من اتهمت به أن يكون في المكان الذي وقعت فيه عن الدابة، فأركبها زوجها وذلك الرجل، وحلفت على الجبل أنها ما مسها غيرهما، فنزلت سالمة، وأصبح الجبل قد اندك، وكانت المرأة من عدنان. وما روي من قصة النمرود أو بخت نصّر، واتخاذ الأنسر وصعودهما عليها إلى قرب السماء في قصة طويلة. وما تأول بعضهم أنه عبر بالجبال عن الإسلام، والقرآن لثبوته ورسوخه، وعبر بمكرهم عن اختلافهم فيه من قولهم: هذا سحر هذا شعر هذا إفك، فأقوال ينبو عنها ظاهر اللفظ، وبعيد جداً قصة الأنسر. والنهي عن الحسبان كهو في قوله:
{ ولا تحسبن الله غافلاً } [إبراهيم: 42] وأطلق الحسبان على الأمر المتحقق هنا كما قال الشاعر:فلا تحسبن أني أضل منيتي فكل امرىء كأس الحِمام يذوق
وهذا الوعد كقوله تعالى: { { إنا لننصر رسلنا } [غافر: 51] { { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي } [المجادلة: 21] وقرأ الجمهور بإضافة مخلف إلى وعده، ونصب رسله. واختلف في إعرابه فقال الجمهور. الفراء، وقطرب، والحوفي، والزمخشري، وابن عطية، وأبو البقاء: إنه مما أضيف فيه اسم الفاعل إلى المفعول الثاني كقولهم: هذا معطي درهم زيداً، لما كان يتعدى إلى اثنين جازت إضافته إلى كل واحد منهما، فينتصب ما تأخر. وأنشد بعضهم نظيراً له قول الشاعر:ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه وسائره باد إلى الشمس أجمع
وقال أبو البقاء: هو قريب من قولهم: يا سارق الليلة أهل الدار. وقال الفراء وقطرب: لما تعدى الفعل إليهما جميعاً لم يبال بالتقديم والتأخير. وقال الزمخشري: (فإن قلت): هلا قيل مخلف رسله وعده، ولم قدم المفعول الثاني على الأول؟ (قلت): قدم الوعد ليعلم أنه لا يخلف الوعد أصلاً لقوله: { { إن الله لا يخلف الميعاد } [آل عمران: 9] ثم قال: رسله، ليؤذن أنه إذا لم يخلف وعده أحداً، وليس من شأنه إخلاف المواعيد، كيف يخلفه رسله الذين هم خيرته وصفوته؟ انتهى. وهو جواب على طريقة الاعتزال في أنّ وعد الله واقع لا محالة، فمن وعده بالنار من العصاة لا يجوز أن يغفر له أصلاً. ومذهب أهل السنة أنّ كل ما وعد من العذاب للعصاة المؤمنين هو مشروط إنفاذه بالمشيئة. وقيل: مخلف هنا متعد إلى واحد كقوله: { لا يخلف الميعاد } [آل عمران: 9] فأضيف إليه، وانتصب رسله بوعده إذ هو مصدر ينحل بحرف مصدري والفعل كأنه قال: مخلف ما وعد رسله، وما مصدرية، لا بمعنى الذي. وقرأت فرقة: مخلف وعده رسله بنصب وعده، وإضافة مخلف إلى رسله، ففصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول، وهو كقراءة. قتل أولادهم شركائهم، وتقدم الكلام عليه مشبعاً في الأنعام. وهذه القراءة تؤيد إعراب الجمهور في القراءة الأولى، وأنه مما تعدى فيه مخلف إلى مفعولين. إنّ الله عزيز لا يمتنع عليه شيء ولا يغالب ذو انتقام من الكفرة لا يعفو عنهم. والتبديل يكون في الذات أي: تزول ذات وتجيء أخرى. ومنه: { { بدلناهم جلوداً غيرها } } [النساء: 56] { { وبدلناهم بجنتيهم جنتين } [سبأ: 16] ويكون في الصفات كقولك: بدلت الحلقة خاتماً، فالذات لم تفقد لكنها انتقلت من شكل إلى شكل. واختلفوا في التبديل هنا، أهو في الذات، أو في الصفات، فقال ابن عباس: تمد كما يمد الأديم، وتزال عنها جبالها وآكامها وشجرها، وجميع ما فيها حتى تصير مستوية لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، وتبدل السموات بتكوير شمسها، وانتثار كواكبها، وانشقاقها، وخسوف قمرها. وقال ابن مسعود: تبدل الأرض بأرض كالفضة نقية لم يسفك فيها دم، ولم يعمل فيها خطيئة. وقال على تلك الأرض من فضة والجنة من ذهب. وقال محمد بن كعب وابن جبير: هي أرض من خبز يأكل منها المؤمنون من تحت أقدامهم، وجاء هذا مرفوعاً. وقيل: تصير ناراً والجنة من ورائها ترى أكوابها وكواعبها. وقال أبي: تصير السموات حقاباً. وقيل: تبديلها طيها. وقيل: مرة كالمهل، ومرة وردة كالدهان، قاله ابن الأنباري. وقيل: بانشقاقها فلا تظل. وفي الحديث: "إنّ الله يبدل الأرض بأرض عفراء بيضاء كأنها قرصة نقي" وفي كتاب الزمخشري وعن علي: تبدل أرضاً من فضة، وسموات من ذهب. وعن الضحاك: أرضاً من فضة بيضاء كالصحائف. وعن ابن عباس: هي تلك الأرض وإنما تغير، وأنشد:وما الناس بالناس الذين عهدتهم ولا الدار بالدار التي كنت تعلم
قال ابن عطية: وسمعت من أبي رضي الله عنه روى أن التبديل يقع في الأرض، ولكنْ تبدل لكل فريق بما يقتضيه حاله، فالمؤمن يكون على خبز يأكل منه بحسب حاجته إليه، وفريق يكونون على فضة إن صح السند بها، وفريق الكفرة يكونون على نار ونحو هذا، وكله واقع تحت قدرة الله تعالى. وفي الحديث: "المؤمنون وقت التبديل في ظل العرش، وفيه أنهم ذلك الوقت على الصراط" وقال أبو عبد الله الرازي: المراد من تبديل الأرض والسموات هو أنه تعالى يجعل الأرض جهنم، ويجعل السموات الجنة، والدليل عليه قوله تعالى: { كلا إن كتاب الفجار لفي سجين } [المطففين: 7] وقوله: { { كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين } [المطففين: 18] انتهى. وكلامه هذا يدل على أنّ الجنة والنار غير مخلوقتين، وظاهر القرآن والحديث أنهما قد خلقتا، وصح في الحديث أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع عليهما، ولا يمكن أن يطلع عليهما حقيقة إلا بعد خلقهما. وبرزوا: أي ظهروا. وألا يواريهم بناء ولا حصن، وانتصاب يوم على أنه بدل من يوم يأتيهم قاله الزمخشري، أو معمولا لمخلف وعده. وإن وما بعدها اعتراض قاله الحوفي. وقال أبو البقاء: لا يجوز أن يكون ظرفاً فالمخلف ولا لوعده، لأنّ ما قبل أنْ لا يعمل فيما بعدها، ولكن جوز أن يلحق من معنى الكلام ما يعمل في الظرف أي: لا يخلف وعده يوم تبدل انتهى. وإذا كان إن وما بعدها اعتراضاً، لم يبال أنه فصلاً بين العامل والمعمول، أو معمولاً لانتقام قاله: الزمخشري، والحوفي، وأبو البقاء، أولاً ذكر قاله أبو البقاء. وقرىء: نبدل بالنون الأرض بالنصب، والسموات معطوف على الأرض، وثم محذوف أي: غير السموات، حذف لدلالة ما قبله عليه. والظاهر استئناف. وبرزوا. وقال أبو البقاء يجوز أن يكون حالاً من الأرض، وقد معه مزادة. ومعنى لله: لحكم الله، أو لموعوده من الجنة والنار. وقرأ زيد بن علي: وبرزوا بضم الباء وكسر الراء مشددة جعله مبنياً للمفعول على سبيل التكثير بالنسبة إلى العالم وكثرتهم، لا بالنسبة إلى تكرير الفعل. وجيء بهذين الوصفين وهما: الواحد وهو الواحد الذي لا يشركه أحد في ألوهيته، ونبه به على أنّ آلهتهم في ذلك اليوم لا تنفع. والقهار وهو الغالب لكل شيء، وهذا نظير قوله تعالى:
{ لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } [غافر: 16] وترى المجرمين يومئذ يوم إذ تبدل، وبرزوا مقرنين مشدودين في القرن أي: مقرون بعضهم مع بعض في القيود والأغلال، أو مع شياطينهم، كل كافر مع شيطانه في غل أو تقرن أيديهم إلى أرجلهم مغللين. والظاهر تعلق في الأصفاد بقوله: مقرنين أي: يقرنون في الأصفاد. ويجوز أن يكون في موضع الصفة لمقرنين، وفي موضع الحال، فيتعلق بمحذوف كأنه قيل: مستقرين في الأصفاد. وقال الحسن: ما في جهنم واد، ولا مفازة، ولا قيد، ولا سلسلة، إلا اسم صاحبه مكتوب عليه. وقرأ علي، وأبو هريرة، وابن عباس، وعكرمة، وابن جبير، وابن سيرين، والحسن، بخلاف عنه. وسنان بن سلمة بن المحنق، وزيد بن علي، وقتادة، وأبو صالح، والكلبي، وعيسى الهمداني، وعمرو بن فائد، وعمرو بن عبيد من قطر بفتح القاف وكسر الطاء وتنوين الراء، أنّ اسم فاعل من أني صفة لقطر. قيل: وهو القصدير، وقيل: النحاس. وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: ليس بالقطران، ولكنه النحاس يصير بلونه. والآني الذائب الحار الذي قد تناهى حره. قال الحسن: قد سعرت عليه جهنم منذ خلقت، فتناهى حره. وقال ابن عباس: أي آن أن يعذبوا به يعني: حان تعذيبهم به. وقال الزمخشري: ومن شأنه. أي: القطران، أن يسرع فيه اشتعال النار، وقد يستسرج به، وهو أسود اللون منتن الريح، فيطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم كالسرابيل وهي القمص، لتجتمع عليهم الأربع: لذع القطران وحرقته، وإسراع النار في جلودهم، واللون الوحش، ونتن الريح. على أنّ التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين. وكل ما وعده الله، أو أوعد به في الآخرة، فبينه وبين ما يشاهده من جنسه ما لا يقادر قدره، وكأنه ما عندنا منه إلا الأسامي والمسميات ثمة، فبكرمه الواسع نعوذ من سخطه ونسأله التوفيق فيما ينجينا من عذابه انتهى. وقرأ عمر بن الخطاب، وعليّ بن أبي طالب: من قطران بفتح القاف وإسكان الطاء، وهو في شعر أبي النجم قال: لبسنه القطران والمسوحا. وقرأ الجمهور: وتغشى وجوههم بالنصب، وقرىء بالرفع، فالأول على نحو قوله:
{ { والليل إذا يغشى } [الليل: 1] فهي على حقيقة الغشيان، والثانية على التجوز، جعل ورود الوجه على النار غشياناً. وقرىء: وتغشى وجوههم بمعنى تتغشى، وخص الوجوه هنا. وفي قوله: { أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة } [الزمر: 24] { { يوم يسحبون في النار على وجوههم } [القمر: 48] لأن الوجه أعز موضع في ظاهر البدن وأشرفه كالقلب في باطنه، ولذلك قال: { تطلع على الأفئدة } [الهمزة: 7] وليجزي متعلق بمحذوف تقديره: يفعل بالمجرمين ما يفعل، ليجزي كل نفس أي: مجرمة بما كسبت، أو كل نفس من مجرمة ومطيعة: لأنه إذا عاقبت المجرمين لإجرامهم علم أنه يثيب المطيعين لطاعتهم، قاله الزمخشري. ويظهر أنها تتعلق بقوله: وبرزوا أي: الخلق كلهم، ويكون كل نفس عاماً أي: مطيعة ومجرمة، والجملة من قوله: وترى، معترضة. وقال ابن عطية: اللام متعلقة بفعل مضمر تقديره: فعل هذا، أو أنفذ هذا العقاب على المجرمين ليجزي في ذلك المسيء على إساءته انتهى. والإشارة بهذا إلى ما ذكر به تعالى من قوله: { ولا تحسبن الله غافلاً } [إبراهيم: 42] إلى قوله: { { سريع الحساب } [إبراهيم: 51] وقيل: الإشارة إلى القرآن، وقيل: إلى السورة. ومعنى بلاغ كفاية في الوعظ والتذكير، ولينذروا به. قال الماوردي: الواو زائدة، وعن المبرد: هو عطف مفرد أي: هذا بلاغ وإنذار انتهى. وهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب. وقيل: هو محمول على المعنى أي: ليبلغوا ولينذروا. وقيل: اللام لام الأمر. قال بعضهم: وهو حسن لولا قوله: وليذكر، فإنه منصوب لا غير انتهى. ولا يخدش ذلك، إذ يكون وليذكر ليس معطوفاً على الأمر، بل يضمر له فعل يتعلق به. وقال ابن عطية: المعنى هذا بلاغ للناس، وهو لينذروا به انتهى. فجعله في موضع رفع خبراً لهو المحذوفة. وقال الزمخشري: ولينذروا معطوف على محذوف أي: لينصحوا ولينذروا به بهذا البلاغ انتهى. وقرأ مجاهد، وحميد: بتاء مضمومة وكسر الذال، كان البلاغ العموم، والإنذار للمخاطبين. وقرأ يحيـى بن عمارة: الذراع عن أبيه، وأحمد بن زيد بن أسيد السلمي: ولينذروا بفتح الياء والذال، مضارع نذر بالشيء إذا علم به فاستعد له. قالوا: ولم يعرف لهذا الفعل مصدر، فهو مثل عسى وغيره مما استعمل من الأفعال ولم يعرف له أصل. وليعلموا لأنهم إذا خافوا ما أنذروا به دعاهم ذلك إلى النظر، فيتوصلون إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة، إذ الخشية أصل الخير. وليذكر أي: يتعظ ويراجع نفسه بما سمع من المواعظ. وأسند التذكر والاتعاظ إلى من له لب، لأنهم هم الذين يجدي فيهم التذكر. وقيل: هي في أبي بكر الصديق. وناسب مختتم هذه السورة مفتتحها، وكثيراً ما جاء في سور القرآن، حتى أنّ بعضهم زعم أن قوله: ولينذروا به معطوف على قوله: لتخرج الناس.