التفاسير

< >
عرض

كَذَّبَتْ عَادٌ ٱلْمُرْسَلِينَ
١٢٣
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ
١٢٤
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ
١٢٥
فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ
١٢٦
وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
١٢٧
أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ
١٢٨
وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ
١٢٩
وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ
١٣٠
فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ
١٣١
وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِيۤ أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ
١٣٢
أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ
١٣٣
وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
١٣٤
إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
١٣٥
قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ ٱلْوَاعِظِينَ
١٣٦
إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ
١٣٧
وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
١٣٨
فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ
١٣٩
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ
١٤٠
-الشعراء

البحر المحيط

كان أخاهم من النسب، وكان تاجراً جميلاً، أشبه الخلق بآدم عليه السلام، عاش أربعمائة سنة وأربعاً وستين سنة، وبينه وبين ثمود مائة سنة. وكانت منازل عاد ما بين عمان إلى حضرموت. أمرع البلاد، فجعلها الله مفاوز ورمالاً. أمرهم أولاً أمر به نوح قومه، ثم نعى عليهم من سوء أعمالهم مع كفرهم فقال: { أتبنون بكل ريع }؟ قال ابن عباس: هو رأس الزقاق. وقال مجاهد: فج بين جبلين. وقال عطاء: عيون فيها الماء. وقال ابن بحر: جبل. وقيل: الثنية الصغيرة. وقرأ الجمهور: ريع بكسر الراء، وابن أبي عبلة: بفتحها. قال ابن عباس: { آية }: علماً. وقال مجاهد: أبراج الحمام. وقال النقاش وغيره: القصور الطوال. وقيل: بيت عشار. وقيل: نادياً للتصلف. وقيل: أعلاماً طوالاً ليهتدوا بها في أسفارهم، عبثوا بها لأنهم كانوا يهتدون بالنجوم. وقيل: علامة يجتمع إليها من يعبث بالمار في الطريق. وفي قوله إنكار للبناء على صورة العبث، كما يفعل المترفون في الدنيا. والمصانع: جمع مصنعة. قيل: وهي البناء على الماء. وقيل: القصور المشيدة المحكمة. وقيل: الحصون. وقال قتادة: برك الماء. وقيل: بروج الحمام. وقيل: المنازل. واتخذ هنا بمعنى عمل، أي وتعملون مصانع، أي تبنون. وقال لبيد:

وتبقى جبـال بعـدنـا ومصـانع

{ لعلكم تخلدون }: الظاهر أن لعل على بابها من الرجاء، وكأنه تعليل للبناء والاتخاذ، أي الحامل لكم على ذلك هو الرجاء للخلود ولا خلود. وفي قراءة عبد الله: كي تخلدون، أو يكون المعنى يشبه حالكم حال من يخلد، فلذلك بنيتم واتخذتم. وقال ابن زيد: معناه الاستفهام على سبيل التوبيخ والهزء بهم، أي هل أنتم تخلدون: وكون لعل للاستفهام مذهب كوفي. وقال ابن عباس: المعنى كأنكم خالدون، وفي حرف أبي: كأنكم تخلدون. وقرىء: كأنكم خالدون. وقرأ الجمهور: تخلدون، مبنياً للفاعل؛ وقتادة: مبنياً للمفعول. ويقال: خلد الشيء وأخلده: غيره. وقرأ أبيّ، وعلقمة، وأبو العالية، مبنياً للمفعول مشدداً، كما قال الشاعر:

وهل ينعمن إلا سعيد مخلد قليل الهموم ما يبيت بأوجال

{ وإذا بطشتم }: أي أردتم البطش، وحمل على الإرادة لئلا يتحد الشرط وجوابه، كقوله:

متـى تبعثوهـا تبعثوهـا ذميمـة

أي متى أردتم بعثها. قال الحسن: بادروا تعذيب الناس من غير تثبت ولا فكر في العواقب. وقيل: المعنى أنكم كفار الغضب، لكم السطوات المفرطة والبوادر. فبناء الأبنية العالية تدل على حب العلو، واتخاذ المصانع رجاء الخلود يدل على البقاء، والجبارية تدل على التفرد بالعلو، وهذه صفات الإلهية، وهي ممتنعة الحصول للعبد. ودل ذلك على استيلاء حب الدنيا عليهم بحيث خرجوا عن حد العبودية، وحب الدنيا رأس كل خطيئة. ولما نبههم ووبخهم على أفعالهم القبيحة، أمرهم ثانياً بتقوى الله وطاعة نبيه. ثم أمرهم ثالثاً بالتقوى تنبيهاً لهم على إحسانه تعالى إليهم، وسبوغ نعمته عليهم. وأبرز صلة { الذي } متعلقة بعلمهم، تنبيهاً لهم وتحريضاً على الطاعة والتقوى، إذ شكر المحسن واجب، وطاعته متعينة، ومشيراً إليهم بأن من أمد بالإحسان هو قادر على سلبه، وعلى تعذيب من لم يتقه، إذ هذا الإمداد ليس من جهتكم، وإنما هو من تفضله تعالى عليكم بحيث أتبعكم إحسانه شيئاً بعد شيء. ولما أتى بذكر ما أمدهم به مجملاً محالاً على علمهم، أتى به مفصلاً. فبدأ بالأنعام، وهي التي تحصل بها الرئاسة في الدنيا، والقوة على من عاداهم، والغنى هو السبب في حصول الذرية غالباً لوجده. وبحصول القوة أيضاً بالبنين، فلذلك قرنهم بالأنعام، ولأنهم يستعينون بهم في حفظها والقيام عليها. واتبع ذلك بالبساتين والمياه المطردة، إذ الإمداد بذلك من إتمام النعمة.

{ وبأنعام }: ذهب بعض النحويين إلى أنه بدل من قوله: { بما تعلمون }، وأعيد العامل كقوله: { { اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم } [يس: 20 - 21]. والأكثرون لا يجعلون مثل هذا بدلاً وإنما هو عندهم من تكرار الجمل، وإن كان المعنى واحداً، ويسمى التتبيع، وإنما يجوز أن يعاد عندهم العامل إذا كان حرف جر دون ما يتعلق به، نحو: مررت بزيد بأخيك، ثم حذرهم عذاب الله، وأبرز ذلك في صورة الخوف لا على سبيل الجزم، إذ كان راجياً لإيمانهم، فكان من جوابهم أن قالوا: { سواء علينا } وعظك وعدمه، وجعلوا قوله وعظاً، إذ لم يعتقدوا صحة ما جاء به، وأنه كاذب فيما ادعاه، وقولهم ذلك على سبيل الاستخفاف وعدم المبالاة بما خوفهم به. وقرأ الجمهور: وعظت، بإظهار الظاء. وروي عن أبي عمرو، والكسائي، وعاصم: إدغام الظاء في التاء. وبالإدغام، قرأ ابن محيصن، والأعمش؛ إلا أن الأعمش زاد ضمير المفعول فقرأ: أوعظتنا. وينبغي أن يكون إخفاء، لأن الظاء مجهورة مطبقة، والتاء مهموسة منفتحة، فالظاء أقوى من التاء، والإدغام إنما يحسن في المتماثلين، أو في المتقاربين، إذا كان الأول أنقص من الثاني. وأما إدغام الأقوى في الأضعف، فلا يحسن. على أنه قد جاء من ذلك أشياء في القرآن بنقل الثقات، فوجب قبولها، وإن كان غيرها هو أفصح وأقيس.

وعادل { أوعظت } بقوله: { أم لم تكن من الواعظين }، وإن كان قد يعادله: أم لم تعظ. كما قال: { { سواء علينا أجزعنا أم صبرنا } [إبراهيم: 21] لأجل الفاصلة، كما عادلت في قوله: { { سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون } [الأعراف: 193] ولم يأت التركيب أم صمتم، وكثيراً ما يحسن مع الفواصل ما لا يحسن دونه. وقال الزمخشري: بينهما فرق، يعني بين ما جاء في الآية وهي: أم لم تعظ، قال: لأن المراد سواء علينا أفعلت هذا الفعل الذي هو الوعظ أم لم تكن أصلاً من أهله ومباشرته، فهو أبلغ في قلة اعتدادهم بوعظه من قولك: أم لم تعظ. ولما لم يبالوا بما أمرهم به، وبما ذكرهم من نعم الله وتخويفه الانتقام منهم، أجابوه بأن قالوا: { إن هذا إلا خلق الأولين }. وقرأ عبد الله، وعلقمة، والحسن، وأبو جعفر، وأبو عمرو، وابن كثير، والكسائي: خلق، بفتح الخاء وسكون اللام، فهو يحتمل أن يكون المعنى: إن هذا الذي تقوله وتدعيه إلا اختلاق الأولين من الكذبة قبلك، فأنت على مناهجهم. وروى علقمة عن عبد الله: إن هذا إلا اختلاق الأولين. ويحتمل أن يكون المعنى: ما هذه البنية التي نحن عليها إلا البنية التي عليها الأولون، حياة وموت ولا بعث ولا تعذيب. وقرأ باقي السبعة: خلق، بضمتين؛ وأبو قلابة، والأصمعي عن نافع: بضم الخاء وسكون اللام؛ وتحتمل هذه القراءة ذينك الاحتمالين اللذين في خلق.