التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ
٣٤
وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
٣٥
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٣٦
وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِي ٱلْغُرُفَاتِ آمِنُونَ
٣٧
وَٱلَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ
٣٨
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ
٣٩
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ
٤٠
قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ
٤١
فَٱلْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ
٤٢
وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ وَقَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ
٤٣
-سبأ

البحر المحيط

{ وما أرسلنا } الآية: هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مما مني به من قومه قريش، من الكفر والافتخار بالأموال والأولاد. وإن ما ذكروا من ذلك هو عادة المترفين مع أنبيائهم، فلا يهمنك أمرهم. و{ من نذير }: عام، أي تنذرهم بعذاب الله إن لم يوحدوه. و{ قال مترفوها }: جملة حالية، ونص على المترفين لأنهم أول المكذبين للرسل، لما شغلوا به من زخرفة الدنيا وما غلب على عقولهم منها، فقلوبهم أبداً مشغولة منهمكة بخلاف الفقراء. فإنهم خالون من مستلذات الدنيا، فقلوبهم أقبل للخير، ولذلك هم أتباع الأنبياء، كما جاء في حديث هرقل. وبما متعلق بكافرون، وبه متعلق بأرسلتم، وما عامة في ما جاءت به النذر من طلب الإيمان بالله وإفراده بالعبادة والأخبار بأنهم رسله إليهم، والبعث والجزاء على الأعمال. والظاهر أن الضمير في { وقالوا } عائد على المترفين؛ وقيل: عائد على قريش، ويدل عليه ما بعده من الخطاب في قوله: { قل }، لأن من تقدم من المترفين الهالكين لا يخاطبون، فلا يقول إلا الموجودون، وقوله: { وما أموالكم ولا أولادكم }؛ واحتجوا على رضا الله عنهم بإحسانه تعالى إليهم، فلو لم يتكرم عليهم ما بوسع علينا، وأما أنتم فلهوانكم عليه حرمكم أيها التابعون للرسل. ثم نقول: إن يعذبوا نفياً عاماً، لأن الأنبياء قد ينذرون بعذاب عاجل في الدنيا، أو آجل في الآخرة، فنفوا هم جميع ذلك. فإما أن يكونوا منكرين للآخرة، فقد نفوا تعذيبهم فيها، لأنها إذ لم تكن، فلا يكون فيها عذاب. وإما أن يكونوا مقرين بها حقيقة، أو على سبيل الفرض، فيقولون: كما أنعم علينا في الدنيا، ينعم علينا في الآخرة على حالة الدنيا قياساً فاسداً، فأبطل الله ذلك بأن الرزق فضل منه يقسم علينا في الآخرة على حالة الدنيا، كما شاء. { لمن يشاء }، فقد يوسع على العاصي ويضيق على الطائع، وقد يوسع عليهما، والوجود شاهد بذلك، فلا تقاس التوسعة في الدنيا، لأن ذلك في الآخرة إنما هو على الأعمال الصالحة. وقرأ الأعمش: ويقدر في الموضعين مشدداً؛ والجمهور: مخففاً، ومعناه: ويضيق مقابل يبسط.

{ ولكن أكثر الناس }: مثل هؤلاء الكفرة، { لا يعلمون } أن الرزق مصروف بالمشيئة، وليس دليلاً على الرضا ثم أخبر تعالى أن أموالهم وأولادهم التي افتخروا بها ليست بمقربة من الله، وإنما يقرب الإيمان والعمل الصالح. وقرأ الجمهور: { بالتي }، وجمع التكسير من العقلاء وغيرهم يجوز أن يعامل معاملة الواحدة المؤنثة. وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون التي هي التقوى، وهي المقربة عند الله زلفى وحدها، أي ليست أموالكم تلك الموضوعة للتقريب. انتهى. فجعل التي نعتاً لموصوف محذوف وهي التقوى. انتهى، ولا حاجة إلى تقدير هذا الموصوف. والظاهر أن التي راجع إلى الأموال والأولاد، وقاله الفراء. وقال أيضاً، هو والزجاج: حذف من الأول لدلالة الثاني عليه، والتقدير: { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى }. انتهى. ولا حاجة لتقدير هذا المحذوف، إذ يصح أن يكون التي لمجموع الأموال والأولاد. وقرأ الحسن: باللاتي جمعاً، وهو أيضاً راجع للأموال والأولاد. وقرىء بالذي، وزلفى مصدر، كالقربى، وانتصابه على المصدرية من المعنى، أي يقربكم. وقرأ الضحاك: زلفاً بفتح اللام وتنوين الفاء، جمع زلفة، وهي القربة.

{ إلا من آمن }: الظاهر أنه استثناء منقطع، وهو منصوب على الاستثناء، أي لكن من آمن؛ { وعمل صالحاً }، فإيمانه وعمله يقربانه. وقال الزجاج: هو بدل من الكاف والميم في تقربكم، وقال النحاس: وهذا غلط لأن الكاف والميم للمخاطب، فلا يجوز البدل، ولو جاز هذا لجاز: رأيتك زيداً؛ وقول أبي إسحاق هذا قول الفراء. انتهى. ومذهب الأخفش والكوفيين أنه يجوز أن يبدل من ضمير المخاطب والمتكلم، لكن البدل في الآية لا يصح. ألا ترى أنه لا يصح تفريغ الفعل الواقع صلة لما بعد إلا؟ لو قلت: مازيد بالذي يضرب إلا خالداً، لم يصح. وتخيل الزجاج أن الصلة، وإن كانت من حيث المعنى منفية، أنه يصح البدل، وليس بجائز إلا فيما يصح التفريغ له. وقد اتبعه الزمخشري فقال: إلا من آمن استثناء من كم في تقربكم، والمعنى: أن الأموال لا تقرب أحداً إلا المؤمن الصالح الذي ينفقها في سبيل الله؛ والأولاد لا تقرب أحداً إلا من علمهم الخير وفقههم في الدين ورشحهم للصلاح والطاعة. انتهى، وهو لا يجوز. كما ذكرنا، لا يجوز: ما زيد بالذي يخرج إلا أخوه، ولا مازيد بالذي يضرب إلا عمراً، ولا ما زيد بالذي يمر إلا ببكر. والتركيب الذي ركبه الزمخشري من قوله: لا يقرب أحداً إلا المؤمن، غير موافق للقرآن؛ ففي الذي ركبه يجوز ما قال، وفي لفظ القرآن لا يجوز. وأجاز الفراء أن تكون من في موضع رفع، وتقدير الكلام عنده ما هو المقرب { إلا من آمن }. انتهى. وقوله كلام لا يتحصل منه معنى، كأنه كان نائماً حين قال ذلك.

وقرأ الجمهور: { جزاء الضعف } على الإضافة، أضيف فيه المصدر إلى المفعول، وقدره الزمخشري مبنياً للمفعول الذي لم يسم فاعله، فقال: أن يجازو الضعف، والمصدر في كونه يبنى للمفعول الذي لم يسم فاعله فيه خلاف، والصحيح المنع، ويقدر هنا أن يجاوز الله بهم الضعف، أي يضاعف لهم حسناتهم، الحسنة بعشر أمثالها، وبأكثر إلى سبعمائة لمن يشاء. وقرأ قتادة: جزاء الضعف برفعهما؛ فالضعف بدل، ويعقوب في رواية بنصب جزاء ورفع الضعف، وحكى هذه القراءة الداني عن قتادة، وانتصب جزاء على الحال، كقولك: في الدار قائماً زيد. وقرأ الجمهور: { في الغرفات } جمعاً مضموم الراء؛ والحسن، وعاصم: بخلاف عنه؛ والأعمش، ومحمد بن كعب: بإسكانها؛ وبعض القراء: بفتحها؛ وابن وثاب، والأعمش، وطلحة، وحمزة: وأطلق في اختياره في الغرفة على التوحيد ساكنة الراء؛ وابن وثاب أيضاً: بفتحها على التوحيد. ولما ذكر جزاء من آمن، ذكر عقاب من كفر، ليظهر تباين الجزأين، وتقدم تفسير نظير هذه الكلمة. ولما كان افتخارهم بكثرة الأموال والأولاد، أخبروا أن ذلك على ما شاء الله كبر، وذلك المعنى تأكيد أن ذلك جار على ما شاء الله، إلا أن ذلك على حسب الاستحقاق، لا التكرمة، ولا الهوان. ومعنى { فهو يخلفه }: أي يأتي بالخلف والعوض منه، وكان لفظ من عباده مشعرة بالمؤمنين، وكذلك الخطاب في { وما أنفقتم }: يقصد هنا رزق المؤمنين، فليس مساق.

{ قل إن ربي يبسط }: مساق ما قيل للكفار، بل مساق الوعظ والتزهيد في الدنيا، والحض على النفقة في طاعة الله، وإخلاف ما أنفق، إما منجزاً في الدنيا، وإما مؤجلاً في الآخرة، وهو مشروط بقصد وجه الله. وقال مجاهد: من كان عنده من هذا المال ما يقيمه فليقتصد، وأن الرزق مقسوم، ولعل ما قسم له قليل، وهو ينفق نفقة الموسع عليه، فينفق جميع ما في يده، ثم يبقى طول عمره في فقر ولا يتأتى. { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه }: في الآخرة، ومعنى الآية: ما كان من خلف فهو منه. وجاء { الرازقين } جمعاً، وإن كان الرازق حقيقة هو الله وحده، لأنه يقال: الرجل يرزق عياله، والأمير جنده، والسيد عبده، والرازقون جمع بهذا الاعتبار، لكن أولئك يرزقون مما رزقهم الله، وملكهم فيه التصرف، ولله تعالى يرزق من خزائن لا تفنى، ومن إخراج من عدم إلى وجود.

{ ويوم يحشرهم جميعاً }: أي المكذبين، من تقدم ومن تأخر. وقرأ الجمهور: نحشرهم، نقول بالنون فيهما، وحفص بالياء، وتقدمت في الأنعام وخطاب الملائكة تقريع للكفار، وقد علم تعالى أن الملائكة منزهون برآء مما وجه عليهم من السؤال، وإنما ذلك على طريق توقيف الكفار، وقد علم سوء ما ارتبكوه من عبادة غير الله، وأن من عبدوه متبرىء منهم. و { هؤلاء } مبتدأ و، خبره { كانوا يعبدون }، و{ إياكم } مفعول { يعبدون }. ولما تقدم انفصل، وإنما قدم لأنه أبلغ في الخطاب، ولكون { يعبدون } فاصلة. فلو أتى بالضمير منفصلاً، كان التركيب يعبدونكم، ولم تكن فاصلة. واستدل بتقديم هذا المعمول على جواز تقديم خبر كان عليها إذا كان جملة، وهي مسألة خلاف، أجاز ذلك ابن السراج، ومنع ذلك قوم من النحويين، وكذلك منعوا توسطه إذا كان جملة. وقال ابن السراج: القياس جواز ذلك، ولم يسمع. ووجه الدلالة من الآية أن تقديم المعمول مؤذن بتقديم العامل، فكما جاز تقديم { إياكم }، جاز تقديم { يعبدون }، وهذه القاعدة ليست مطردة، والأولى منع ذلك إلى أن يدل على جوازه سماع من العرب. ولما أجابوا الله بدأوا بتنزيهه وبراءته من كل سوء، كما قال عيس عليه السلام: { سبحانك }، ثم انتسبوا إلى موالاته دون أولئك الكفرة، أي { أنت ولينا }، إذ لا موالاة بيننا وبينهم.

وفي قولهم: { بل كانوا يعبدون الجن }، إشعار لهم بما عبدوه، وإن لم يصرح به. لكن الإضراب ببل يدل عليه وذلك لأن المعبود إذ لم يكن راضياً بعبادة عابده مريداً لها، لم يكن ذلك العابد عابداً له حقيقة، فلذلك قالوا: { بل كانوا يعبدون الجن }، لأن أفعالهم القبيحة من وسوسة الشياطين وإغوائهم ومراداتهم عابدون لهم حقيقة، فلذلك قالوا: { بل كانوا يعبدون الجن }، إذ الشياطين راضون تلك الأفعال. وقيل: صورت لهم الشياطين صور قوم من الجن، وقالوا: هذه صور الملائكة فاعبدوها. وقيل: كانوا يدخلون في أجواف الأصنام إذا عبدت، فيعبدون بعبادتها. وقال ابن عطية: لم تنف الملائكة عبادة البشر اياها، وإنما أقرت أنها لم يكن لها في ذلك مشاركة. وعبادة البشر الجن هي فيما يقرون بطاعتهم إياهم، وسماعهم من وسوستهم وإغوائهم، فهذا نوع من العبادة. وقد يجوز أن يكون في الأمم الكافرة من عبد الجن، وفي القرآن آيات يظهر منها أن الجن عبدت، في سورة الأنعام وغيرها. انتهى. وإذا هم قد عبدوا الجن، فما وجه قولهم: أكثرهم مؤمنون، ولم يقولوا جميعهم، وقد أخبروا أنهم كانوا يعبدون الجن؟ والجواب أنهم لم يدعوا الإحاطة، إذ قد يكون في الكفار من لم يطلع الملائكة عليهم، أو أنهم حلموا على الأكثر بإيمانهم بالجن لأن الإيمان من عمل القلب، فلم يذكروا الاطلاع على جميع أعمال قلوبهم، لأن ذلك لله تعالى. ومعنى { مؤمنون }: مصدقون أنهم معبودوهم، وقيل: مصدقون أنهم بنات الله، وأنهم ملائكة، { { وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً } [الصافات: 158]. وأما من قال بأن الأكثر بمعنى الجميع، فلا يرد عليه شيء، لكنه ليس موضوع اللغة.

{ فاليوم }: هو يوم القيامة، والخطاب في { بعضكم }، قيل: للملائكة، لأنهم المخاطبون في قوله: { أهؤلاء إياكم }، ويكون ذلك تبكيتاً للكفار حين بين لهم أن من عبدوه لا ينفع ولا يضر، ويؤيده: { { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } [الأنبياء: 28]، ولأن بعده: { ونقول للذين ظلموا }، ولو كان الخطاب للكفار، لكان التركيب فذوقوا. وقيل: الخطاب للكفار، لأن ذكر اليوم يدل على حضورهم، ويكون قوله: ونقول، تأكيداً لبيان حالهم في الظلم. وقيل: هو خطاب من الله لمن عبد ومن عبد. وقوله: { نفعاً }، قيل: بالشفاعة، { ولا ضراً } بالتعذيب. وقيل هنا: { التي كنتم بها تكذبون }، وفي السجدة: { { الذي كنتم به تكذبون } [السجدة: 20] كل منهما، أي من العذاب ومن النار، لأنهم هنا لم يكونوا ملتبسين بالعذاب، بل ذلك أول مارأوا النار، إذ جاء عقيب الحشر، فوصفت لهم النار بأنها هي التي كنتم تكذبون بها. وأما الذي في السجدة، فهم ملابسو العذاب، متردّدون فيه لقوله: { { كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها } [السجدة: 20]، فوصف لهم العذاب الذي هم مباشروه، وهو العذاب المؤبد الذي أنكروه.

والإشارة بقوله: ما { ما هذا إلا رجل }، إلى تالي الآيات، المفهوم من قوله: { وإذا تتلى عليه }، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحكي تعالى مطاعنهم عند تلاوة القرآن عليهم، فبدأوا أولاً: بالطعن في التالي، فإنه يقدح في معبودات آلهتكم. ثانياً فيما جاء به الرسول من القرآن، بأنه كذب مختلق من عنده، وليس من عند الله. وثالثاً: بأن ما جاء به سحر واضح لما اشتمل على ما يوجب الاستمالة وتأثير النفوس له وإجابته. وطعنوا في الرسول، وفيما جاء به، وفي وصفه، واحتمل أن يكون ذلك صدر من مجموعهم، واحتمل أن تكون كل جملة منها قالها قوم غير من قال الجملة الأخرى. وفي قوله: { لما جاءهم } دليل على أنه حين جاءهم لم يفكروا فيه، بل بادروه بالإنكار ونسبته إلى السحر، ولم يكتفوا بقولهم، إنه سحر حتى وصفوه بأنه واضح لمن يتأمله. وقيل: إنكار القرآن والمعجزة كان متفقاً عليه من المشركين وأهل الكتاب، فقال تعالى: { وقال الذين كفروا للحق }، على وجه العموم.