التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
٨
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَاجَوْاْ بِٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٩
إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١٠
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
١١
-المجادلة

البحر المحيط

نزلت { ألم تر } في اليهود والمنافقين. كانوا يتناجون دون المؤمنين، وينظرون إليهم ويتغامزون بأعينهم عليهم، موهمين المؤمنين من أقربائهم أنهم أصابهم شر، فلا يزالون كذلك حتى يقدم أقرباؤهم. فلما كثر ذلك منهم، شكا المؤمنون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهم أن لا يتناجوا دون المؤمنين، فلم ينتهوا، فنزلت، قاله ابن عباس. وقال مجاهد: نزلت في اليهود. وقال ابن السائب: في المنافقين. وقرأ الجمهور: { ويتناجون }؛ وحمزة وطلحة والأعمش ويحيـى بن وثاب ورويس: وينتجون مضارع انتجى. { بما لم يحيك به الله }: كانوا يقولون: السام عليك، وهو الموت؛ فيرد عليهم: وعليكم. وتحية الله لأنبيائه: { وسلام على عباده الذين اصطفى } [النمل: 59] { لولا يعذبنا الله بما نقول }: أي إن كان نبياً، فما له لا يدعو علينا حتى نعذب بما نقول؟ فقال تعالى: { حسبهم جهنم }.

ثم نهى المؤمنين أن يكون تناجيهم مثل تناجي الكفار، وبدأ بالإثم لعمومه، ثم بالعدوان لعظمته في النفوس، إذ هي ظلامات العباد. ثم ترقى إلى ما هو أعظم، وهو معصية الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي هذا طعن على المنافقين، إذ كان تناجيهم في ذلك. وقرأ الجمهور: { فلا تتناجوا }، وأدغم ابن محيصن التاء في التاء. وقرأ الكوفيون والأعمش وأبو حيوة ورويس: فلا تنتجوا مضارع انتجى؛ والجمهور: بضم عين العدوان؛ وأبو حيوة بكسرها حيث وقع؛ والضحاك: ومعصيات الرسول على الجمع. والجمهور: على الإفراد. وقرأ عبد الله: إذا انتجيتم فلا تنتجوا. وأل في { إنما النجوى } للعهد في نجوى الكفار { بالإثم والعدوان }، وكونها { من الشيطان }، لأنه هو الذي يزينها لهم، فكأنها منه.

{ ليحزن الذين آمنوا }: كانوا يوهمون المؤمنين أن غزاتهم غلبوا وأن أقاربهم قتلوا. { وليس }: أي التناجي أو الشيطان أو الحزن، { بضارهم }: أي المؤمنين، { إلا بإذن الله }: أي بمشيئته، فيقضي بالقتل أو الغلبة. وقال ابن زيد: هي نجوى قوم من المسلمين يقصدون مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس لهم حاجة ولا ضرورة. يريدون التبجح بذلك، فيظن المسلمون أن ذلك في أخبار بعد وقاصداً نحوه. وقال عطية العوفي: نزلت في المناجاة التي يراها المؤمن في النوم تسوءه، فكأنه نجوى يناجي بها. انتهى. ولا يناسب هذا القول ما قبل الآية ولا ما بعدها، وتقدمت القراءتان في نحو: { ليحزن }. وقرىء: بفتح الياء والزاي، فيكون { الذين } فاعلاً، وفي القراءتين مفعولاً.

ولما نهى تعالى المؤمنين عن ما هو سبب للتباغض والتنافر، أمرهم بما هو سبب للتواد والتقارب، فقال: { يا أيها الذين آمنوا } الآية. قال مجاهد وقتادة والضحاك: كانوا يتنافسون في مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم، فأمروا أن يفسح بعضهم لبعض. وقال ابن عباس: المراد مجالس القتال إذا اصطفوا للحرب. وقال الحسن ويزيد بن أبي حبيب: كان الصحابة يتشاحون على الصف الأول، فلا يوسع بعضهم لبعض رغبة في الشهادة، فنزلت. وقرأ الجمهور: { تفسحوا }؛ وداود بن أبي هند وقتادة وعيسى: تفاسحوا. والجمهور: في المجلس؛ وعاصم وقتادة وعيسى: { في المجـالس }. وقرىء: في المجلس بفتح اللام، وهو الجلوس، أي توسعوا في جلوسكم ولا تتضايقوا فيه. والظاهر أن الحكم مطرد في المجالس التي للطاعات، وإن كان السبب مجلس الرسول. وقيل: الآية مخصوصة بمجلس الرسول عليه الصلاة والسلام، وكذا مجالس العلم؛ ويؤيده قراءة من قرأ { في المجالس }، ويتأول الجمع على أن لكل أحد مجلساً في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم. وانجزم { يفسح الله } على جواب الأمر في رحمته، أو في منازلكم في الجنة، أو في قبوركم، أو في قلوبكم، أو في الدنيا والآخرة، أقوال.

{ وإذا قيل انشزوا }: أي انهضوا في المجلس للتفسح، لأن مريد التوسعة على الوارد يرتفع إلى فوق فيتسع الموضع. أمروا أولاً بالتفسح، ثم ثانياً بامتثال الأمر فيه إذا ائتمروا. وقال الحسن وقتادة والضحاك: معناه: إذا دعوا إلى قتال وصلاة أو طاعة نهضوا. وقيل: إذا دعوا إلى القيام عن مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم نهضوا، إذ كان عليه الصلاة والسلام أحياناً يؤثر الانفراد في أمر الإسلام. وقرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج وابن عامر ونافع وحفص: بضم السين في اللفظين؛ والحسن والأعمش وطلحة وباقي السبعة: بكسرها. والظاهر أن قوله: { والذين أوتوا العلم } معطوف على { الذين آمنوا }، والعطف مشعر بالتغاير، وهو من عطف الصفات، والمعنى: يرفع الله المؤمنين العلماء درجات، فالوصفان لذات واحدة. وقال ابن مسعود وغيره: تم الكلام عند قوله: { منكم }، وانتصب { والذين أوتوا العلم } بفعل مضمر تقديره: ويخص الذين أوتوا العلم درجات، فللمؤمنين رفع، وللعلماء درجات.

وقرأ عياش عن أبي عمرو خبير: بما يعملون بالياء من تحت، والجمهور بالتاء.