التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ
١٧٠
-البقرة

التفسير

قوله تعالى:{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ... }
(قال) ابن عطية/: يعني كفار العرب، قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في اليهود وقال الطبري: الضمير في (لهم) عائد على النّاس في قوله
{ { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ
} وقال ابن عرفة: وهذا بناء على أن ذلك الخطاب خاص بكفار قريش.
وقال الزمخشري: الضمير للناس (وعدل) عن الخطاب إلى الغيبة التفاتا.
ورده ابن عرفة بوجهين:
- الأول: أنه يحتاج إلى تخصيص عموم الناس بكفار قريش.
- الوجه الثاني: أنّ الأول أمر وهذا خبر فيبعد فيه الالتفاف.
قوله تعالى: { قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }.
"بَلْ" هنا عاطفة، والإضراب (بها هنا) للانتقال لا للإبطال لأنه أي الإبطال: لا يشترط فيه أن يكون ما قبلها وما بعدها من لفظ متكلّم واحد حقيقة أو حكما، وليس هو كذلك هنا فإن المعنى قالوا: بل نتبع.
وقوله: { مَآ أَلْفَيْنَا } قال ابن عرفة: كان بعضهم يقول: إنما لم يقولوا ما وجدنا عليه آباءنا ولو كان المعنى واحدا لأن الوجدان يكون اتفاقيا على غفلة (من) غير (قصد) ومنه وجدان الضالة.
"وألفينا" يقتضي وجدان ما كان ثابتا دائما مستقرا.
قال ابن عطية: الآية دالة على ابطال التقليد، وأجمعت (الأمة) على إبطاله في العقائد. وحكى الأستاذ أبو اسحاق الإسفراييني الإجماع على جواز التقليد في العقائد.
وحكى المقترح في شرح الإرشاد ثلاثة طرق منهم من ينقل الإجماع (على الجواز ومنهم من ينقل الإجماع) على المنع، ومنهم من يحكي الخلاف بين الشيخ القاضي (أبي بكر الباقلاني) والأستاذ أبي إسحاق الإسفرائيني وتوقف ابن العربي، وأجمعوا على أنّ الفرض من أصول الدين معرفة الله تعالى على الجملة، وأما معرفة دقائق ذلك العلم والتبحر فيه ومعرفة الله بالدلائل القوية الدقيقة فهو فرض كفاية. قاله ابن التلمساني في شرح المعالم الدينية.
وقال الشيخ أبو عمرو بن الحاجب والآمدي: لا (تقليد) في العقليات كوجود الباري، وقال (الفخر) بجوازه، وقيل: النظر فيه حرام، ولنا الإجماع على وجوب ذلك والتقليد لا يحصل بجواز الكذب ولأنه كان يحصل بحدوث العالم ولأنه لو حصل لكان نظرا ولا دليل (عليه) قاله الشيخ ابن الحاجب.
قال ابن عرفة: وكان بعضهم يقول إن هذه الآية دليل على صحة ما يقول الأصوليون من أنّ الفعل في الإثبات قد يكون عاما مع القرينة لأن همزة الإنكار عليهم في حال عدم العقل تدل على أنهم قصدوا اتّباعهم مطلقا في حالة العقل و عدمه، أي أيَتّبعون إياهم، ولو كانوا لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئا وَلاَ يَهْتَدُونَ. وهذا نفي أخص، فالتأكيد بالمصدر دخل على المنفي، (فأكده) لأنه سابق على النفي. وإن جعلت شيئا مفعولا لم يحتج إلى هذا.
فإن قلت: ما أفاد قوله { وَلاَ يَهْتَدُونَ } مع أنّ نفي (العقل) عنهم يستلزم نفي الاهتداء؟
فالجواب: أن المراد لايعقلون (شيئا) من ذات أنفسهم ولو (نبّههم) غيرهم لما اهتدوا.