التفاسير

< >
عرض

وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً
١
فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً
٢
فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً
٣
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً
٤
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً
٥
إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ
٦
وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ
٧
وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ
٨
أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ
٩
وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ
١٠
إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ
١١
-العاديات

غرائب القرآن و رغائب الفرقان

القراءات { والعاديات ضبحاً } بالإدغام: أبو عمر وغير عباس { فالمغيرات صبحاً } أبو عمرو غير عباس وخلاد عن حمزة.
الوقوف: { ضبحا } ه لا { قدحا } ه لا { صبحا } ه لا { نقعاً } ه لا { جمعاً } ه لا { لكنود } ه ج لأن ما بعده يصلح عطفاً واستئنافاً { لشهيد } ه لذلك { لشديد } ه ط { القبور } لا { الصدور } ه لا { لخبير } ه.
التفسير: إنه سبحانه ذكر في هذه السورة رداءة ما عليه جبلة الإنسان من قلة الشكر والصبر والحرص على المال بحيث يكاد يشغله عن تحصيل الكمال الحقيقي، وعن المعاد الذي إليه مآل حال العباد، فأقسم على ذلك بالأمور والتي هي مركوزة في خزانة خيالهم ولا تكاد تخلو في الأغلب عن الخطور ببالهم. وفي تفسيرها قولان مرويان: الأول أن العاديات هي الإبل. يروى عن ابن عباس أنه قال: بينا أنا جالس في الحجر إذ جاء رجل فسألني عن { العاديات ضبحاً } ففسرتها بالخيل فذهب إلى علي رضي الله عنه وهو بجنب سقاية زمزم فسأله وذكر له ما قلت فقال: ادعه لي فلما وقفت على رأسه قال: تفتي الناس بما لا علم لك به والله إن كانت لأول غزوة في الإسلام يعني بدراً وما كان معنا إلا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد. { والعاديات ضبحاً } الإبل تعدو من عرفة إلى مزدلفة ومن المزدلفة إلى منى، والضبح على هذا مستعار لأن أصل استعماله في الخيل وهو صوت أنفاسها إذا عدون وهذا الصوت غير الصهيل وغير الحمحمة، وانتصابه على " يضبحن ضبحاً " أو بالعاديات لأن العدو لا يخلو عن الضبح، أو على الحال. وهكذا القول في { الموريات قدحاً } لأن الإبل قلما توري أخفافها. يقال: قدح فاورى وقدح فأصلد { فالمغيرات } أي المسرعات يندفعون صبيحة يوم النحر مسرعين إلى منى { فأثرن } من الإثارة أي هيجن وهو حكاية الماضي أو هو نحو
{ ونادى } [الأعراف: 48] { وسيق } [الزمر: 72] { به } أو بالعدو أو بذلك الوقت { نقعاً } غباراً { فوسطن } أي توسطن { به } بذلك الوقت أو بالعدو أو متلبسة بالنقع { جمعاً } وهو المزدلفة لاجتماع الحاج بها. القول الثاني عن مجاهد وقتادة والضحاك وأكثر المحققين أن العاديات الخيل، ويروى ذلك مرفوعاً.قال الكلبي: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى ناس من كنانة فمكثت ما شاء الله أن تمكث لا يأتيه منهم خبر، فتخوف عليها فنزل جبرائيل بخبر مسيرها. وعلى هذا فاللام في { العاديات } للعهد. ويحتمل أن يكون للجنس ويدخل خيل السرية فيها دخولاً أولياً. وقوله { فالمغيرات } على هذا يكون من أغار على العدو إذا شن عليهم الغارة والجمع جماعة الغزاة أو الكفرة. وقيل: الإيراء عبارة عن شبيب نيران الحرب وإيقادها كقوله { كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله } [المائدة: 64] وقيل: هي نيران الغزاة بالليل لحاجة طعامهم أو غيره. وعن عكرمة: هي الأسنة. وقيل: هي المنجحات في الأمور فيحتمل أن تكون الخيل أو الإبل لأنه وجد بها المقصود من الغزو والحج. ويحتمل أن يراد جماعة الغزاة أنفسهم. يقال للمنجح يف حاجته ورى زنده. وفي إقسام الله تعالى بالإبل دلالة على عظم شأنهن وكثرة منافعهن ديناً ودنيا كما قال { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } [الغاشية: 17] { وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون } [يس: 72] كذا في الإقسام في بالخيل وذلك مشاهد من عدوها وكرها وفرها بحسب مشيئة الراكب ولأمر ما قال صلى الله عليه وسلم " الخيل معقود بنواصيها الخير" وقالت العقلاء: ظهرها حرز وبطنها كنز. قال الواحدي: أصل الكنود منع الحق والخير بهذا فسر ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك وقتادة الكنود قالوا: ومنه سمي الرجل المشهور بكندة لأنه كند أباه ففارقه. وعن الكلبي: الكنود بلسان كندة العاصي، وبلسان بني مالك البخيل، وبلسان مضر وربيعة الكفور، وروى أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن الكنود الكفور الذي يمنع رفده، ويأكل وحده، ويضرب عبده " وفي تقديم الظرف مزيد تقريع يعني أنه لنعمة ربه خصوصاً لشديد الكفران فكيف نعمة غيره مثل الأبوين ونحوهما؟ وقال الحسن: الكنود اللوام لربه بعد المحن والمصائب وينسى النعم والراحات، والأكثرون على أن الإنسان هو الكافر لقوله بعد ذلك { أفلا يعلم } ويحتمل أن يراد أن جسن الإنس مفطور على ذلك إلا من عصمه الله بلطه وتوفيقه { أفلا يعلم } يجوز أن يكون توبيخاً على أنه لا يعمل بعلمه. والضمير في قوله { وإنه على ذلك } أما أن يعود إلى الرب وهو أقرب فيكون كالوعيد من حيث إن الله يحصى عليه أعماله، وإما أن يعود إلى الإنسان أي أنه على كنوده { لشهيد } لا يقدر أن يجحده لظهور أماراتها عليه، وقد يرجح هذا الوجه بأن الضمير في قوله { وإنه لحب الخير } للإنسان فناسب أن يكون الأول له أيضاً لئلا ينخرم النسق. والخير المال كقوله { إن ترك خيراً } [البقرة: 180] والشديد البخيل الممسك يريد إنه لأجل حب المال لبخيل وقيل: الشديد القوي أي إنه لأجل إيثار الدنيا وطلب ما فيها مطيق قوي، ولأجل عبادة ربه عاجز ضعيف. أو إنه لحب الخيرات الحقيقية غير ميسر منبسط ولكنه شديد منقبض. وقال الفراء: إنه لحب الخير لشديد الحب أي أنه يحب المال ويحب كونه محباً له فاكتفى بالحب الأول من الثاني. وقال قطرب: اللام بمنزلة قولك " إنه لزيد ضروب ". والتقدير إنه شديد حب الخير. ثم وبخه وخوفه بالعلم التام الأزلي الأبدي الشامل لأحوال مبدأ الإنسان ومعاده { وبعثر } مثل بحثر كما مر في "انفطرت " وإنما لم يقل من في القبور بل قال { ما في القبور } بحكم التغليب فإن أكثر ما في الأرض ليسوا مكلفين، والذين هم مكلفون يجوز أن يكونوا حال البعثرة أمواتاً غير عقلاء ويصيروا أحياء بعد البعثرة، قال أبو عبيدة { وحصل ما في الصدور } أي ميز ما فيها فلكل واحد من الواجب والمندوب والمباح والمكروه والمحظور حكم خاص. وقيل: معناه جمع ما في الصدور في الصحف أي أظهر محصلاً مجموعاً. وقيل: يكشف ما في البواطن من الأخبار وما في الأستار من الأسرار ويندرج فيه أعمال الجوارح تبعاً. وإنما لم يقل ما في القلوب لأن القلب مطية الروح وهو بالطبع محب لمعرفة اله تعالى إنما المنازع في هذا الباب هو النفس ومحلها ما يقرب من الصدر، وإنما جمع الضمير في قوله { إن ربهم بهم } حملاً على معنى الإنسان. ومعنى تقييد العلم بذلك الزمان حيث قال { يومئذ } وهو عالم بأحوالهم أزلاً وأبداً التوبيخ وكأنه تعالى قال: إن من لم يكن عالماً في الأزل فإنه يصير بعد الاختبار عالماً، فالذي هو عالم في الأزل كيف لا يكون خبيراً بهم في الأبد؟ ويجوز أن يكون سبب التقييد هو أن ذلك وقت المجازاة على حسب العلم بالأعمال والأقوال والأحوال وإليه المصير والمآب.