التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٢٥
أَن لاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ
٢٦
فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ
٢٧
قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيۤ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ
٢٨
وَيٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّلاَقُواْ رَبِّهِمْ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ
٢٩
وَيٰقَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ
٣٠
وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِيۤ أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيْراً ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِيۤ أَنْفُسِهِمْ إِنِّيۤ إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ
٣١
قَالُواْ يٰنُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ
٣٢
قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱللَّهُ إِن شَآءَ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ
٣٣
وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٣٤
أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ
٣٥
وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ
٣٦
وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ
٣٧
وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ
٣٨
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ
٣٩
حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ
٤٠
وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
٤١
وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يٰبُنَيَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكَافِرِينَ
٤٢
قَالَ سَآوِيۤ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ ٱلْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ
٤٣
وَقِيلَ يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَآءَكِ وَيٰسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ ٱلْمَآءُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
٤٤
وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ
٤٥
قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ
٤٦
قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِيۤ أَكُن مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ
٤٧
قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ
٤٨
تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا فَٱصْبِرْ إِنَّ ٱلْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ
٤٩
-هود

غرائب القرآن و رغائب الفرقان

القراءات: { إني لكم } بكسر الهمزة: نافع وابن عامر وعاصم وحمزة. والآخرون بفتحها { بادىء } بالهمزة: أبو عمرو ونصير. { الرأي } بالياء: أبو عمرو غير شجاع ويزيد والأعشى والأصبهاني عن ورش وحمزة في الوقف { فعميت } مجهولاً مشدداً. حمزة وعلي وخلف وحفص. الباقون بضدهما { أنلزمكموها } باختلاس ضمة الميم: عباس { أجري إلا } بالفتح: أبو جعفر ونافع وابن عامر وأبو عمرو وحفص { ولكني أريكم } بالفتح حيث كان: أبو جعفر ونافع وأبو عمرو { نصحي إن } أبو جعفر ونافع وأبو عمرو { بأعيننا } مدغماً. حيث كان: عباس { من كل } بالتنوين حيث كان: حفص والمفضل { مجريها } بفتح الميم بالإِمالة: حمزة وعلي وخلف وحفص { مجريها } بالضم وبالإمالة: أبو عمرو. والباقون بالضم مفخماً. { يا بني } بفتح الياء: عاصم { اركب معنا } مظهراً: عاصم وحمزة { عمل } على أنه فعل غير بالنصب: علي وسهل ويعقوب. الآخرون { عمل } غير بالرفع فيهما { تسألن } بالنون المشددة المسكورة لإدغام النون المخففة في نون الوقاية بعد حذف ياء المتكلم في الحالين: ابن عامر وقالون: بإثبات الياء في الوصل: أبو جعفر ونافع غير قالون بفتح النون المشددة: ابن كثير { تسألني } بغير نون التأكيد وإثبات الياء في الحالين سهل ويعقوب الباقون بغير ياء في الحالين { إني أعظك } { إني أعوذ } بفتح الياء فيهما: أبو جعفر ونافع وابن عامر وأبو عمرو.
الوقوف: { مبين } ه لا { إلا الله } ط { أليم } ه { الرأي } ج { كاذبين } ه { فعيمت عليكم } ط { كارهون } ه { مالاً } ط { آمنوا } ط { تجهلون } ه { طردتهم } ط { تذكرون } ه { خيراً } ط { أنفسهم } ج { الظالمين } ه { الصادقين } ه { بمعجزين } ه { أن يغويكم } ط { ترجعون } ه ط { افتراه } ط { تجرمون } ه { يفعلون } ه ج للآية والعطف { ظلموا } ج لا حتمال التعليل. { مغرقون } ه { سخروا منه } ه { تسخرون } ه ط { تعلمون } ه لا لأن ما بعده مفعول { مقيم } ه { التنور } ه لا لأن ما بعده جواب "إذا" { ومن آمن } ط { قليل } 5 ط { ومرساها } ط { رحيم } ه { الكافرين } ه { من الماء } ط، { رحم } ج لاتفاق الجملتين مع اختلاف العامل. { المغرقين } ه { الظالمين } ه. { الحاكمين } ه { من أهلك } ج { علم } ط { الجاهلين } ه { علم } ط { الخاسرين } ه { معك } ط { أليم } ه { إليك } ج ط لاحتمال ما بعده الحال أو الاستئناف { هذا } ط وعلى قوله: { فاصبر } أحسن للابتداء بــ"أن" { للمتقين } ه. التفسير: لما أورد على الكفار أنواع الدلائل أكدها بالقصص على عادته من التفنن في الكلام والنقل من أسلوب إلى أسلوب في الموعظة فبدأ بقصة نوح. ومعنى { إني لكم } أي متلبساً بهذا الكلام وهو قوله: { إني لكم } فلما اتصل به الجار فتح ومن كسر فعلى إرادة القول. و{ أن لا تعبدوا } بدل من { إني لكم نذير } أي أرسلناه بأن لا تعبدوا { إلا الله } أو يكون "أن" مفسرة متعلقة بأرسلنا أو بنذير. ووصف اليوم بأليم لوقوع الألم فيه فيكون مجازاً. وكذا لو جعل الوصف للعذاب والجر بالجوار. ثم حكى أنه طعن أشراف قومه في نبوته من ثلاث جهات. الأولى أنه بشر مثلهم. الثانية أنه لم يتبعه إلا الأراذل يعنون أصحاب الحرف الخسيسة كالحياكة وغيرها قالوا: لو كنت صادقاً لاتبعك الأكياس من الناس والأشراف منهم. والأراذل جمع أرذل. وقيل: جمع الأرذال جمع رذل وهو الدون من كل شيء في منظره وحالاته. ومعنى { بادي الرأي } أول الرأي وهو نصب على الظرف أي اتبعوك في ابتداء حدوث الرأي من غير روية، أو معناه ظاهر الرأي من قولك بدا الشيء إذا ظهر، ومنه البادية للبرية لظهروها وبروزها للناظر. وهذا تفسير من قرأ بغير همز. وعلى هذا فالمراد أنهم اتبعوك في الظاهر وباطنهم بخلافه، أو اتبعوك وقت حدوث ظاهر رأيهم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. ويجوز أن يتعلق { بادي الرأي } بقوله: { أراذلنا } أي كونهم كذلك أمر ظاهر لكل من يراهم عياناً، ويتأكد هذا التأويل بما نقل عن مجاهد أنه قرأ { إلا الذين هم أراذلنا رأي العين } وإنما استرذلوا المؤمنين لاعتقادهم أن المزية عند الله سبحانه بالمال والجاه ولم يعلموا أن ذلك مبعد من الحق لا مقرب منه، وأن الأنبياء ما بعثوا إلا لترك الدنيا والإقبال على الآخرة فكيف يجعل قلة المال طعناً في النبوة وفي متابعة النبي. الشبهة الثالثة: { وما نرى لكم علينا من فضل } لا في العقل ولا في كيفية رعاية المصالح ولا في قوة الجدل { بل نظنكم كاذبين } خطاب لنوح ولمن آمن به بتبعيته، أو خطاب للأراذل كأنهم نسبوهم إلى الكذب في ادعاء الإيمان. ثم حكى ما أجاب به نوح قومه وهو أن حصول المساواة في صفة البشرية لا يمنع من حصول المفارقة في صفة النبوة وذلك قوله: { أرأيتم إن كنت على بينة } برهان { من ربي وآتاني } بإيتاء تلك البينة { رحمة } وعلى هذا البينة هي الرحمة، ويجوز أن يريد بالبينة المعجزة وبالرحمة النبوة وقيل بالعكس { فعيمت } خفيت أو أخفيت البينة أو كل من البينة والرحمة أي صارت مظلمة مشتبهة في عقولكم. والبينة توصف بالإبصار والعمى مجازاً باعتبار نتيجتها كما أن دليل القوم إن كان بصيراً اهتدوا وإن كان أعمى بقول خابطين متحيرين. ثم قال: { أنلزمكموها } أي أنكرهكم على قبول البينة { وأنتم لها كارهون } والمراد أنا لا نقدر على إيصال حقيقة البينة إليك. وإنما يقدر على ذلك من هو قادر على الإيجاد والإعدام وتغيير الأحوال وتبديل الأخلاق. ثم ذكر أنه لا يطلب على تبليغ الرسالة مالاً حتى يتفاوت الحال بسبب كون المجيب غنياً أو فقيراً { وما أنا بطارد الذين آمنوا } عن ابن جريج أنهم قالوا: إن أحببت يا نوح أن نتبعك فاطردهم فإنا لا نرضى بمشاركتهم، فلم يبذل ملتمسهم وعلل ذلك بقوله { إنهم ملاقو ربهم } فيعاقب من يطردهم أو يلاقونه فيجازيهم على ما في قلوبهم من الإيمان الصحيح أو النفاق بزعمكم، أو المراد أنهم متقدون لقاء ربهم { ولكني أراكم قوماً تجهلون } لقاء ربكم وأنهم خير منكم، أو قوماً تسفهون حيث تسمون المؤمنين أراذل.
ثم أكد عدم طردهم بقوله: { ويا قوم من ينصرني من الله } من يمنعني من عقابه { إن طردتهم } لأن العقل والشرع توافقا على أنه لا بد من تعظيم المؤمن البر المتقي ومن إهانة الكافر الفاجر فكيف يليق بنبي الله أن يقلب هذه القضية. سؤال: إن كان طرد المؤمن لطلب مرضاة الكافر معصية فكيف فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نهي عنه بقوله: { ولا تطرد الذين يدعون ربهم }؟ الجواب أنه لم يكن ذلك طرداً مطلقاً وإنما عين لأجلهم أوقاتاً مخصوصة، ولأشراف قريش أوقاتاً أخرى فعوتب على ذلك القدر. احتجت المعتزلة بالآية على عدم الشفاعة للفاسق إذ لو كانت جائزة لكانت في حق نوح أولى، فلم يقل من الذي يخلصني من عذابه. وأجيب بأنه مخصوص بآيات العفو. ثم ذكر أنه كما لا يسألهم مالاً فإنه لا يدعي أن عنده خزائن الله حتى يجحدوا أن له فضلاً عليهم من هذه الجهة. { ولا أعلم الغيب } حتى أصل به إلى ما أريده لنفسي ولأتباعي وأطلع على الضمائر { ولا أقول إني ملك } أتعظم بذلك عليكم بل طريقي الخضوع والتواضع وعدم الاستنكاف عن مخالطة الفقراء وقد مر في "الأنعام" سائر ما يتعلق بالآية. ومعنى { تزدري } تعيب وتحقر والازدراء افتعال من زرى عليه إذا عابه. وفي قوله تعالى { الله أعلم بما في أنفسهم } دلالة على أنهم كانوا ينسبون اتباعه مع الفقر والذلة الى النفاق { إني إذا } أي إن قلت شيئاً من ذلك كنت من الظالمين لنفسي. أو إن قلت إن الله لن يؤتيهم خيراً مع أنه لا وقوف لي على باطنهم. ثم إن قومه وصفوه بكثرة الجدال قائلين { يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا } قال أهل المعاني: أردت جدالنا وشرعت فيه فأكثرته كقوله: جاد لي فلان فأكثر. لم ترد أنه أعطى عطيتين أقل فأكثر بل تريد أن الوصف مقارن للموصوف. وفي الآية دلالة على أن الجدال في تقرير دلائل التوحيد من دأب أكابر الأنبياء. ثم استعجلوا العذاب الذي كان يتوعدهم به فأجاب نبي الله بأن ذلك ليس إليّ وإنما هو بمشيئة الله وإرادته ولا يعجزه عن ذلك أحد. وقوله: { ولا ينفعكم نصحي } كقول القائل لامرأته: أنت طالق إن دخلت الدار إن أكلت الخبز لم يقع الطلاق إلا إذا دخل الدار فأكل الخبز. ولهذا قال الفقهاء: المؤخر في اللفظ مقدم في المعنى فكأنه قيل: { إن كان الله يريد أن يغويكم } فإن أردت أن أنصح لكم لم ينفعكم نصحي. واحتجاج الأشاعرة بالآية ظاهر. وأجابت المعتزلة بأنه لا يلزم من فرض أمر وقوعه، ولعل نوحاً إنما قال ذلك ليبين لهم أنه تعالى بنى أمر التكليف على الاختيار وإلا لم يكن للنصح فائدة، ولو تشبث الخصم بالجبر لزم إفحام النبي. ومن الجائز أن يراد بالإغواء التعذيب من غوى الفصيل إذا بشم فهلك، أو يراد به الخيبة كقوله:
{ فسوف يلقون غياً } [مريم: 59] أي خيبة من خير الآخرة، أو يراد به منع الألطاف وقد تقدم أمثال ذلك مراراً. ثم أشار إلى المبدإ والمعاد بقوله: { هو ربكم وإليه ترجعون } ثم أنكر الله سبحانه عليهم قولهم إنما ادعاء نوح أنه أوحي إليه مفترى فقال: { أم يقولون افتراه } فأمره بأن يجيب بكلام منصف وهو قوله: { قل إن افتريته فعليّ إجرامي } أي عقاب إثمي وهو الافتراء. { وأنا بريء مما تجرمون } أي من إجرامكم وهو إسناد الافتراء إليّ وههنا إضمار كأنه قيل: لكني ما افتريته فالإجرام وعقابه عليكم وأنا بريء منه. وأكثر المفسرين على أن هذه الآية من تمام قصة نوح. وعن مقاتل أنها من قصة محمد صلى الله عليه وسلم وقعت في أثناء قصة نوح.
قوله سبحانه: { وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن } إقناط له من إيمانهم الذي كان يتوقعه منهم بدليل قوله: { إلا من قد آمن } فإن "قد" للتوقع. وقوله: { فلا تبتئس } تسلية له أي لا تحزن بما فعلوه من تكذيبك وإيذائك فقد حان وقت الانتقام منهم. قال أكثر المعتزلة: إنه لا يجوز أن ينزل الله عذاب الاستئصال على قوم يعلم أن فيهم من يؤمن أو في أولادهم من يؤمن بدليل دعاء نوح
{ رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً } [نوح: 26] إلى قوله: { { إلا فاجراً كفاراً } [نوح: 27] علل الإهلاك بمجموع الأمرين فدل ذلك على أنهما لو لم يحصلا لم يجز الإهلاك. وذهب كثير منهم إلى الجواز، فليس كل خبر معلوم بواجب الوقوع نعم كلما يقع يجب أن يكون على الوجه الأصلح. ومذهب الأشاعرة في هذا المعنى ظاهر فله أن يفعل في ملكه ما شاء. ثم عرفه وجه إهلاكهم وألهمه وجه خلاص من آمن فقال: { واصنع الفلك } وهو أمر إيجاب على الأظهر لأنه لا سبيل إلى صون روحه عن الهلاك في الطوفان إلا بذلك، وصون النفس واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وقيل: أمر إباحة كمن أمر أن يتخذ الإنسان لنفسه داراً يسكنها. والإنصاف أن الأمر ظاهره الوجوب وإن قطعنا النظر عن فائدته وغايته. وقوله: { بأعيننا ووحينا } في موضع الحال أي متلبساً بذلك. والسبب فيه أن إقدامه على صنعة السفينة مشروط بأمرين: أحدهما أن لا يمنعه أعداؤه عن ذلك العمل وأشار إليه بقوله: { بأعيننا } وليست العين بمعنى الجارحة لأنه منزه عن الجوارح والأعضاء فالمراد بها الحفظ والحياطة والكلاءة لأن العين آلة الحفظ والحراسة. والثاني أن يكون عالماً بكيفية تركيب الأخشاب ونحتها. عن ابن عباس: لم يعلم كيف صنعة الفلك فأوحى الله تعالى إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر. وقيل: المراد عين الملك الذي كان يعرّفه كيفية اتخاذ السفينة. ثم قال: { ولا تخاطبني في الذين ظلموا } أي في شأنهم. وقيل: علل عدم الخطاب بقوله: { إنهم مغرقون } أي إنهم محكوم عليهم بالإغراق وقد جف القلم عليهم بذلك فلا فائدة للشفاعة. وقيل: لا تخاطبني في تعجيل عقابهم فإنهم يغرقون في الوقت المعين لذلك فلا فائدة في الاستعجال فلكل أمة أجل. وقيل: المراد بالذين ظلموا امرأته واعلة وكنعان ابنه. ثم حكى الحال الماضية بقوله: { ويصنع الفلك } والحال أنه { كلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه } يحتمل أن يكون هذا جواباً لـ"كلما" وقوله: { قال إن تسخروا } استئناف على تقدير سؤال سائل كأنه قيل: ماذا قال نوح حينئذٍ؟ ويحتمل أن يكون { سخروا } بدلاً من { مر } أو صفة لــ{ ملأ } و { قال } جواب { قيل } كانوا يقولون: يا نوح كنت نبياً فصرت نجاراً، ولو كنت صادقاً في دعواك لكان إلهك يغنيك عن هذا العمل الشاق. وقيل: إنهم ما رأوا السفينة قبل ذلك فكانوا يتعجبون ويسخرون. وقيل: إنها كانت كبيرة وكان يصنعها في مفازة بعيدة عن الماء فكانوا يقولون هذا من باب الجنون. وقيل: طالت مدته وكان ينذرهم الغرق في الدنيا والحرق في الآخرة وليس منه عين ولا أثر فغلب على ظنونهم كونه كاذباً فيسخرون منه فأجابهم بقوله: { إن تسخروا منا } في الحال { فإنا نسخر منكم } في المستقبل إذا وقع عليكم الغرق في الدنيا والحرق في الآخرة. أو إن حكمتم علينا بالجهل فيما نصنع فإنا نحكم عليكم بالجهل فيما أنتم عليه من الكفر والتعرض لسخط الله، أو إن تستجهلونا فإنا نستجهلكم في استجهالكم لأنكم لا تستجهلون إلا عن الجهل بحقيقة الأمر. والبناء على ظاهر الحال كما هو عادة الأغمار. وسمي جزاء السخرية سخرية كقوله: { وجزاء سيئة سيئة مثلها } [الشورى: 40] ثم هددهم بقوله: { فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه } في الدنيا وهو عذاب الغرق { ويحل عليه عذاب مقيم } في الآخرة لازم لزوم الدين الحال للغريم. و"من" موصولة أو استفهامية وقد مر في "الأنعام". روي أن نوحاً عليه السلام اتخذ السفينة في سنتين وكان طولها ثلثمائة ذراع وعرضها خمسين ذراعاً وارتفاعها ثلاثين. وكانت من خشب الساج، وجعل لها ثلاثة بطون: الأسفل للوحوش والسباع والهوام، والأوسط للدواب والأنعام، والأعلى للناس ولما يحتاجون إليه من الزاد وحمل معه جسد آدم. وقال الحسن: كان طولها ألفاً ومائتي ذراع وعرضها ستمائة.
قوله: { حتى إذا جاء أمرنا } هي غاية لقوله: { ويصنع الفلك } أي كان يصنعها إلى أن جاء وقت الأمر بالإهلاك. { وفار التنور } أي نبع الماء من بشدة وسرعة تشبيهاً بغليان القدر. والتنور هي التي يختبز فيها فقيل: هو مما استوى فيه العربي والعجمي. وقيل: معرب لأنه لا يعرف في كلام العرب نون قبل راء. عن ابن عباس والحسن ومجاهد: هو تنور نوح. وقيل: كان لآدم وحواء حتى صار لنوح وموضعه بناحية الكوفة قاله مجاهد والشعبي. وعن علي رضي الله عنه أنه في مسجد الكوفة وقد صلى فيه سبعون نبياً. وقيل: بالشام بموضع يقال له عين وردة قاله مقاتل. وقيل: بالهند. روي أن امرأته كانت تخبز فأخبرته بخروج الماء من ذلك التنور فاشتغل في تلك الحال بوضع الأشياء في السفينة وكان الله تعالى جعل هذه الحالة علامة لواقعة الطوفان. ويروى عن علي رضي الله عنه أيضاً أن المراد بالتنور وجه الأرض لقوله:
{ وفجرنا الأرض عيوناً } [القمر: 12] وعنه أيضاً كرم الله وجهه أن معنى { فار التنور } طلع الصبح. وقيل: معناه اشتد الأمر كما يقال حمي الوطيس. والمراد إذا رأيت الأمر يشتد والماء يكثر فاركب في السفينة وذلك قوله { قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين } والزوجان شيئان يكون أحدهما ذكراً والآخر أنثى. فمن قرأ بالإضافة فمعناه احمل من كل صنفين بهذا الوصف اثنين، ومن قرأ بالتنوين. فالمراد حمل من كل شيء زوجين. واثنين للتأكيد ولا يبعد أن يكون النبات داخلاً فيه لاحتياج الناس إليه { وأهلك } معطوف على مفعول { احمل } وكذا { من آمن } وقوله { إلا من سبق عليه القول } قال الضحاك: أراد ابنه وامرأته قدر الله لهما الكفر إذا علم منهما ذلك. ثم قال { وما آمن معه إلا قليل } أي نفر قليل: عن مقاتل أنهم ثمانون وبهم سموا قرية الثمانين بناحة الموصل لأنهم لما خرجوا من السفينة بنوها. وقيل: اثنان وسبعون رجلاً وامرأة، وأولاد نوح: سام وحام ويافث ونساؤهم. فالجميع ثمانية وسبعون نصفهم رجال ونصفهم نساء. وعن محمد بن إسحق كانوا عشرة، وعن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا ثمانية، نوح وأهله وبنوه الثلاثة ونساؤهم. وقيل في بعض الروايات: إن إبليس دخل معه السفينة وفيه بعد لأنه جسم ناري فلا يؤثر الغرق فيه.
قوله سبحانه وتعالى حكاية عن نوح وأهله { وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرسيها } الآية. فيه أبحاث الأول: أن الركوب متعد بنفسه يقال: ركبت الدابة والبحر والسفينة أي علوتها. فما الفائدة في زيادة لفظة "في"؟ قال الواحدي: فائدته أن يعلم أنه أمرهم بأن يكونوا في جوف الفلك لا على ظهره. الثاني قوله: { بسم الله } إما أن تتعلق بقوله: { اركبوا } حالاً من الواو أي مسمين الله، أو قائلين باسم الله { ومجريها ومرسيها } مصدران حذف منهما الوقت المضاف كقولهم: جئتك خفوق النجم ومقدم الحاج، أو يراد مكان الإجراء والإرساء أو زمانها. وانتصابهما بما في بسم الله من معنى الفعل، أو بالقول المقدر. وعلى التقادير يكون مجموع قوله: { وقال اركبوا } إلى قوله: { ومرساها } كلاماً واحداً. وإما أن يكون { باسم الله مجريها ومرساها } كلاماً آخر من مبتدإ وخبر أي باسم الله إجراؤها وإرساؤها. يروى أنه كان إذا أراد أن تجري قال بسم الله فجرت، وإذا أراد أن ترسو قال بسم الله فرست. ويجوز أن يقحم الاسم كقوله: تم اسم السلام عليكما، ويراد بالله إجراؤها وإرساؤها، وكان نوح أمرهم بالركوب أوّلاً ثم أخبرهم بأن إجراءها وإرساءها بذكر اسم الله أو بأمره وقدرته. وجوز في الكشاف أن تكون هذه الجملة في موضع الحال من ضمير الفلك ولا تكون جملة مستأنفة ولكن فضلة من تتمة الكلام الأول كأنه قال اركبوا فيها مقدرين أن إجراءها وإرساءها باسم لله تعالى.يقال: رسا الشيء يرسو إذا ثبت، وأرساه غيره. يروى أنها سارت لأول يوم من رجب أو لعشر مضين منه فسارت ستة أشهر ثم استوت على الجودي يوم العاشر من المحرم. ويروى أنها مرت بالبيت وطافت به سبعاً فأعتقها الله من الغرق. البحث الثالث قوله: { إن ربي لغفور رحيم } كيف ناسب مقام الإهلاك وإظهار العزة؟ والجواب كان القوم اعتقدوا أنهم نجوا ببركة إيمانهم وعملهم، فنبههم الله تعالى بهذا الذكر على أن الإنسان في كل حال من أحواله لا ينفك عن ظلمات الخطأ والزلل فيحتاج إلى مغفرة الله ورحمته. وفي الآية إشارة إلى أن العاقل إذ ركب في سفينة الفكر ينبغي أن يكون قد برىء من حوله وقوته وقطع النظر عن الأسباب وربط قلبه وعلق همته بفضل واهب العقل فيقول بلسان الحال بسم الله مجريها ومرسيها حتى تصل سفينة فكره إلى ساحل الإيقان، وتتخلص عن أمواج الشبه والظنون والأوهام.
قال في الكشاف: { وهي تجري بهم } متصل بمحذوف كأنه قيل: فركبوا فيها يقولون باسم الله وهي تجري بهم وهم فيها { في موج كالجبال } في التراكم والارتفاع، فلعل الأمواج أحاطت بالسفينة من الجوانب فصارت كأنها في داخل تلك الأمواج. واختلف المفسرون في قوله: { ونادى نوح ابنه } فالأكثرون على أنه ابن له في الحقيقة لئلا يلزم صرف الكلام عن الحقيقة الى المجاز من غير ضرورة، ولا استبعاد في كون ولد النبي كافراً كعكسه. واعترض عل هذا القول بأنه كيف ناداه مع كفره وقد قال:
{ رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً } [نوح: 26] وأجيب بأنه كان منافقاً وظن نوح أنه مؤمن أو ظن أنه كافر إلا أنه توقع منه الإيمان عند مشاهدة العذاب بدليل قوله: { ولا تكن مع الكافرين } أو لعل شفقة الأبوة حملته على ذلك النداء. وعن محمد بن علي الباقر والحسن البصري أنه كان ابن امرأته ويؤيده ما روي أن علياً رضي الله عنه قرأ { ونادى نوح ابنها } ويؤكد هذا الظن قوله: { إن ابني من أهلي } دون أن يقول "إنه مني" وقيل: إنه ولد على فراشه لغير رشده وإليه الإشارة بقوله تعالى { { فخانتاهما } [التحريم: 10] ورد هذا القول بأنه يجب صون منصب الأنبياء عن مثل هذه الفضيحة لقوله: { الخبيثات للخبيثين } [النور: 26] وفسر ابن عباس تلك الخيانة بأن امرأة نوح كانت تقول زوجي مجنون. وامرأة لوط دلت الناس على ضيفه. وقوله: { وكان في معزل } هو مفعل من عزله عنه إذا نحاه أو أبعده أي كان في مكان عزل فيه نفسه عن أبيه وعن السفينة وعمن فيها، أو كان في معزل عن دين أبيه. وقيل في معزل عن الكفار ولهذا ظن نوح أنه يريد مفارقة الكفرة، ولكن قوله: { ولا تكن مع الكافرين } لا يساعد هذا القول. وقوله { يا بني } بكسر الياء لأجل الاكتفاء به عن ياء الإضافة، وبفتحها اكتفاء به عن الألف المبدلة من الياء، ويجوز أن يكون الياء والألف ساقطتين من اللفظ فقط لالتقاء الساكنين. ثم حكى إصرار ابنه على الكفر بأن قال { سآوي إلى جبل } فأجاب نوح بأنه { لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم } واعترض عليه بأن معنى { من رحم } منرحمه الله وهو معصوم فكيف يصح استثناؤه من العاصم؟ وأجيب بأن "من" فاعلة في المعنى لا مفعول، والمراد نوح لأنه سبب الرحمة والنجاة كما أضيف الإحياء إلى عيسى عليه السلام، أو الرحيم الذي مر ذكره في قوله: { إن ربي لغفور رحيم } وهو عاصم لا معصوم، أو هو استثناء مفرغ والتقدير لا عاصم اليوم لأحد من أمر الله إلا لمن رحم، أو العاصم بمعنى ذو العصمة كلابن وتامر. وذو العصمة المعصوم أو المضاف محذوف والتقدير لا عاصم قط إلا مكان من رحمهم الله ونجاهم يعني السفينة، أو هو استثناء منقطع كأنه قيل: ولكن منرحمه الله فهو المعصوم { وحال بينهما الموج } أي بسبب هذه الحيلولة خرج من أن يخاطبه نوح فصار من جملة الغرقى.
وقوله سبحانه: { وقيل يأرض } الآية. مما اختص بمزيد البلاغة حتى صارت متداولة بين علماء المعاني فتكلموا فيها وفي وجوه محاسنها فلا علينا أن نورد ههنا بعض ما استفدنا منهم فنقول: النظر فيها من أربع جهات: من جهة علم البيان، ومن جهة علم المعاني، ومن جهتي الفصاحتين المعنوية واللفظية. أما من جهة علم البيان وهو النظر فيما فيها من المجاز والاستعارة والكناية وما يتصل بها. فالقول فيه أنه عز سلطانه أراد أن يبين معنى أردنا أن نرد ما انفجر من الأرض إلى بطنها فارتد، وأن نقطع طوفان السماء فانقطع، وأن نغيض الماء النازل من السماء فغاض، وأن نقضي أمر نوح وهو إنجاؤه وإغراق قومه كما وعدناه فقضي، وأن تستوي السفينة على الجودي - وهو جبل بقرب الموصل - فاستوت، وأبقينا الظلمة غرقى، فبنى الكلام على تشبيه الأرض والسماء بالمأمور الذي لا يتأتى منه - لكمال هيبته - العصيان، وعلى تشبيه تكوين المراد بالأمر الجزم النافذ في تكوّن المقصود تصويراً لاقتداره، وأن السماء والأرض مع عظم جرمهما تابعتان لإرادته إيجاداً وإعداماً وتغييراً وتصريفاً كأنهما عقلاء مميزون قد أحاطا علماً يوجب الامتثال والإذعان لخالقهما، فاستعمل { قيل } بدل "أريد" مجازاً إطلاقاً للمسبب على السبب، فإن صدور القول إنما يكون بعد إرادته. وجعل قرينة المجاز الخطاب للجماد بقوله: { يا أرض ابلعي ماءَك ويا سماء } والخطابان أيضاً على سبيل الاستعارة للشبه المذكور وهو كون السماء والأرض كالمأمورين المنقادين. وأيضاً استعار لغور الماء في الأرض البلع الذي هو إعمال القوة الجاذبة في الطعوم للشبه بين الغور والبلع وهو الذهاب إلى مقر خفيّ. ووجعل قرينة الاستعارة نسبه الفعل إلى المفعول، وفي جعل الماء مكان الغذاء أيضاً استعارة لأنه شبه الماء بالغذاء لتقوى الأرض بالماء في الإنبات للزروع والأشجار تقوّي الآكل بالطعام، وجعل قرينة الاستعارة لفظة { ابلعي } لكونها موضوعة للاستعمال في الغذاء دون الماء. ثم أمر الجماد على سبيل الاستعارة للشبه المقدم ذكره وخاطب في الأمر دون أن يقول ليبلع ترشيحاً لاستعارة النداء إذ كونه مخاطباً من صفات الحي كما أن كونه منادى من صفاته ثم قال { ماءك } بإضافة الماء إلى الأرض على سبيل المجاز تشبيهاً لاتصال الماء بالأرض باتصال الملك بالمالك. واختار ضمير الخطاب دون أن يقول "ليبلع ماؤها" لأجل الترشيح المذكور. ثم اختار مستعيراً لاحتباس المطر الإقلاع الذي هو ترك الفاعل الفعل للشبه بينهما في عدم ما كان ثم أمر على سبيل الاستعارة وخاطب في الأمر لمثل ما تقدم في { ابلعي } من ترشيح استعارة النداء. ثم قال { وغيض الماء } غاض الماء قل ونضب، وغاضه الله يتعدى ولا يتعدى { وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعداً } فلم يصرح بالفاعل سلوكاً لسبيل الكناية لأن هذه الأمور لا تتأتى إلا من قدير قهار فلا مجال لذهاب الوهم إلى غيره، ومثله في صدر الآية ليستدل من ذكر الفعل وهو اللازم على الفاعل وهو الملزوم وهذا شأن الكناية، ثم ختم الكلام بالتعريض لأنه ينبىء عن الظلم المطلق وعن علة قيام الطوفان.
وأما النظر فيها من جهة علم المعاني وهو النظر في فائدة كل كلمة منها، وجهة كل تقديم وتأخير فيما بين جملها، فذلك أنه اختير "يا" للنداء لأنها أكثر استعمالاً ولدلالتها على تبعيد المنادى الذي يستدعيه مقام العزة والهيبة، ولهذا لم يقل " يا أرضي" بالإضافة تهاوناً بالمنادى، ولم يقل "يا أيتها الأرض" للاختصار مع الاحتراز عن تكلف التنبيه لمن ليس من شأنه التنبيه. واختير لفظ الأرض والسماء لكثرة دورانهما مع قصد المطابقة، واختير { ابلعي } على { ابتلعي } لكونه أخصر ولمجيء حظ التجانس بينه وبين { أقلعي } أوفر. وقيل: { ماءك } بلفظ المفرد لما في الجمع من الاستكثار المتأتي عنه مقام العزة والاقتدار، وكذا في إفراد الأرض والسماء. ولم يحذف مفعول { ابلعي } لئلا يلزم تعميم الابتلاع لكل ما على الأرض. ولما علم اختصاص الفعل فيه اقتصر عليه فحذف من { أقلعي } حذراً من التطويل. وإنما لم يقل "ابلعي ماءك فبلعت" لأن عدم تخلف المأمور به عن أمر الآمر المطاع معلوم. واختير { غيض } على غيض المشددة للاختصار ولمثل هذا عرف الماء والأمر دون أن يقال ماء الطوفان، أو أمر نوح للاستغناء عن الإضافة بالتعريف العهدي ولم يقل سويت لتناسب أول القصة وهي تجري بهم من بناء الفعل للفاعل، ولأن { استوت } أخصر لسقوط همزة الوصل. ثم قيل: { بعداً للقوم } دون أن يقال "ليبعد القوم من بعد" بالكسر يبعد بالفتح إذا هلك، للتأكيد مع الاختصار ودلالة "لام" الملك على أن البعد حق لهم. وقول القائل "بعداً له" من المصادر التي لا يستعمل إظهار فعلها. ثم أطلق الظلم ليتناول ظلم أنفسهم وظلمهم غيرهم. وأما ترتيب الجمل فقدم النداء على الأمر ليتمكن الأمر الوارد عقيب النداء كما في نداء الحي، وقدم نداء الأرض لابتداء الطوفان منها بدليل قوله: { وفار التنور } ثم بين نتيجة البلع والإقلاع بقوله: { وغيض الماء } ثم ذكر مقصود القصة وهو قوله { وقضي الأمر } أي أنجز الموعود من إهلاك الكفرة وإنجاء المؤمنين. ثم بين حال استقرار السفينة بقوله: { واستوت على الجودي } وكان جبلاً منخفضاً فكان استواء السفينة عليه دليلاً على انقطاع مادة الماء. ثم ختمت القصة بما ختمت من التعريض. قيل: كيف يليق بحكمة الله تغريق الأطفال بسبب إجرام الكفار؟ وأجيب على أصول الأشاعرة بأنه لا يسأل عما يفعل، وعلى أصول المعتزلة بأنه يعوض الأطفال والحيوانات كما في ذبحها واستعمالها في الأعمال الشاقة. وقد روى جمع من المفسرين أنه سبحانه أعقم أرحام نسائهم قبل الغرق بأربعين سنة فلم يغرق إلا من بلغ أربعين. وهذا مع تكلفه لا يتمشى في الجواب عن إهلاك سائر الحيوانات. والظاهر أن القائل في قوله: { وقيل بعداً } هو الله تعالى لتناسب صدر الآية، ويحتمل أن يكون القائل نوحاً وأصحابه لأن الغالب ممن يسلم من الأمر الهائل بسبب اجتماع القوم الظلمة أنه يقول مثل هذا الكلام، ولأنه جارٍ مجرى الدعاء عليهم فجعله من كلام البشر أليق.
وأما النظر في الآية من جهة الفصاحة المعنوية فهي أنها كما ترى نظم للمعاني لطيف، وتأدية المراد بأبلغ وجه وأتمه. وأما من جهة الفصاحة اللفظية فهي كالعسل في الحلاوة، وكالنسيم في الرقة عذبة على العذبات سلسة على الأسلات، ولعل ما تركنا من لطائف هذه الآية بل كل آية أكثر مما نذكر والله تعالى أعلم بمراده من كلامه. { ونادى نوح ربه } أي أراد أن يدعوه { فقال رب إن ابني من أهلي } بعض سواء كان من صلبه أو رببياً له { وإن وعدك } أي كل ما تعد به { الحق } الثابت الذي لا شك في إنجازه وقد وعدتني أن تنجي أهلي { وأنت أحكم الحاكمين } أعلمهم وأعدلهم لأنه لا فضل لحاكم على غيره إلا بالعلم والعدل، ويجوز أن يكون الحاكم بمعنى ذي الحكمة كدارع. { قال يا نوح إنه ليس من أهلك } أي من أهلك دينك أو من أهلك الذين وعدتهم الإنجاء معك. ثم صرح بأن العبرة بقرابة الدين والعمل الصالح لا بقرابة النسب فقال: { إنه عمل غير صالح } من قرأ على لفظ الفعل فمعناه أنه عمل عملاً غير صالح وهو الإشراك والتكذيب، ومن قرأ على لفظ الاسم فللمبالغة كما يقال: فلان كرم وجود إذا غلب عليه الكرم والجود وفي قوله: { غير صالح } دون أن يقول "فاسد" تعريض بل تصريح بأنه إنما نجا من نجا بالصلاح، ويحتمل على هذه القراءة أن يعود الضمير في { إنه } إلى سؤال نوح أي إن نداءك هذا المتضمن لسؤال إنجاء ابنك عمل غير صالح. وقيل: المراد أن هذا الابن ولد زنا وقد عرفت سقوطه. ثم نهاه عن مثل هذا السؤال ووبخه عليه بقوله: { فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين } قال المحققون: الظاهر أن ابنه كان منافقاً فلذلك اشتبه أمره على نوح، وحمله شفقة الأبوة أوّلاً على دعوته إلى ركوب السفينة، فلما حال بينهما الموج لجأ إلى الله في خلاصه من الغرق، فعوتب على ذلك لأنه لما وعده الله إنجاءه أهله واستثنى منهم من سبق عليه القول كان عليه أن يتوكل على الله حق توكله ويعلم أن كل من كان من أهله مؤمناً فإنه يخلص من الغرق لا محالة. ولما لم يصبر إلى تبين الحال توجه إليه العتاب على ترك الأولى فلذلك تنبه ورجع إلى الله قائلاً { رب إني أعوذ بك أن أسألك } فيما يستقبل من الزمان { ما ليس لي به علم } تأدباً بآدابك واتعاظاً بعظتك. { وألا تغفر لي } ما فرط مني من الخطأ في باب الاجتهاد، أو من قلة الصبر على ما يجب عليه الصبر، وهذا التضرع مثل تضرع أبيه وأبينا آدم في قوله:
{ ربنا ظلمنا } [الأعراف: 23] الآية. فلذلك عفى عنه.
{ وقيل يا نوح اهبط } أي من السفينة بعد استوائها على الجبل، أو انزل من الجبل إلى الفضاء ملتبساً { بسلام منا } بسلامة من التهديد والوعيد بل من جميع الآفات والمخافات، لأنه لما خرج من السفينة كان خائفاً من عدم المأكول والملبوس وسائر جهات الحاجات لأنه لم يبق في الأرض شيء يمكن أن ينتفع به من النبات والحيوانات. وقيل: أي مسلماً عليك مكرماً. والبركات الخيرات النامية الثابتة، وفسروها في هذا المقام بأنه وعد له بأن جميع أهل الأرض من الأشخاص الإنسانية يكون من نسله إما لأنه لم يكن في السفينة إلا من هو ذريته، وإما لأنه لما خرج من السفينة مات من لم يكن من أهله وبقي النسل والتوالد في ذرّيته، دليله قوله سبحانه
{ وجعلنا ذريته هم الباقين } [الصافات: 77] فنوح آدم الأصغر. وقيل: لما وعده السلامة من الآفات وعده أن موجبات السلامة والراحة تكون في التزايذ والثبات لا عليك وحدك بل { وعلى أمم ممن معك } إن كان "من" للبيان فالمراد الأمم الذين كانوا معه في السفينة لأنهم كانوا جماعات، أو هم أصل الأمم التي انشعبت منه. وإن كان لابتداء الغاية فالمعنى على أمم ناشئة ممن معك إلى آخر الدهر. وهذا شأن الأمة المؤمنة ثم ذكر حال الأمة الكافرة المتوالدة فقال: { وأمم } وهو رفع على الابتداء والخبر محذوف أي وممن معك أمم { سنمتعهم } في الدنيا { ثم يمسهم } في الآخرة { منا عذاب أليم } عن ابن زيد: هبطوا والله عنهم راض، ثم أخرج منهم نسلاً منهم من رحم ومنهم من عذب، وخصص بعضهم الأمم الممتعة بقوم هود وصالح ولوط وشعيب و { تلك } إشارة إلى قصة نوح وهو مبتدأ والجمل بعدها أخبار. وقوله { ولا قومك } للمبالغة كقول القائل: لا تعرف هذه المسألة لا أنت ولا قومك ولا أهل بلدك. والمراد تفاصيل القصة وإلا فمجملها أشهر من أن يخفى. ومعنى { من قبل هذا } أي من قبل هذا الإيحاء أو العلم الذي كسبته بالوحي، أو من قبل هذا الوقت وكأن هذه القصة أعيدت في هذه السورة تثبيتاً للنبي صلى الله عليه وسلم على إنذار قومه ولذلك ختمت بقوله: { فاصبر } كما صبر نوح و { إن العاقبة } الحميدة { للمتقين }.
التأويل: { ما نراك إلا بشراً مثلنا } أي مخلوقاً محتاجاً مثلنا. وفيه أن النفس بنظرها السفلي ترى الروح العلوي سفلياً فلهذا تنظر إلى النبي ولا ترى نبوته الحميدة، بل تراه بنظر الكذب والسحر والجنون { إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي } والأراذل من اتباع الروح البدن والجوارح الظاهرة، فإن الغالب على الخلق أن البدن يقبل دعوة الروح ويستعمل الجوارح بالأفعال الشرعية، ولكن النفس الأمارة تكون على كفرها ولا تخلي البدن أن يشتغل بالأعمال الشرعية الدينية إلا لغرض فاسد ومصلحة دنيوية كما هو المعتاد لأكثر الخلق. { وما أنا بطارد الذين آمنوا } من طبع النفس أن تتأذى من استعمال البدن وجوارحه في التكاليف الشرعية فتقول للروح: إن ترد أن أومن بك وأتخلق بأخلاقك فأمتع البدن وجوارحه في التكاليف { من ينصرني من الله } من يمنعني من قهره إن منعت البدن من الطاعة، فاقتصر على مجرد إيمان النفس وتخلقها بأخلاق الروح كما هو معتقد أهل الفلسفة والإباحة يقولون: إن أصل العبودية معرفة الربوبية وجمعية الباطن والتحلي بالأخلاق الحميدة. { أفلا تذكرون } أن جميعة الباطن ونوره من نتائج استعمال الشرع في الظاهر؟ فالنور في الشرع والظلمة في الطبع، وإنما بعث الأنبياء ليخرجوا الخلق من ظلمات الطبع إلى نور الشرع { لن يؤتيهم الله خيراً } أي استعداداً لتحصيل الدرجات العلوية وإنهم مخلوقون من السفليات الله أعلم بما في نفس كل جارحة من استعداد تحصيل الكمال { وأنا بريء مما تجرمون } من التكذيب. وفيه أن ذنوب النفس لا تؤثر في صفاء الروح ولا يتكدر بها ما كان الروح متبرئاً من ذنوب النفس متأسفاً على معاملات النفس وتتبع هواها. { وأوحي إلى نوح } الروح { أنه لن يؤمن من قومك } وهم القلب وصفاته والسر والنفس وصفاتها والبدن وجوارحه { إلا من قد آمن } من خواص العباد وهم القلب وصفاتها والسر وصفات النفس والبدن وجوارحه. فأما النفس فإنها لا تؤمن أبداً اللهم إلا نفوس الأنبياء وخواص الأولياء فإنها تسلم أحياناً دون الإيمان { فلا تبتئس بما كانوا يفعلون } لأن أعمال الشر لنفوس السعداء كالجسد للإكسير ينقلب ذهباً مقبولاً عند طرح الروح عليها، فكذلك تنقلب أعمال الشر خيراً عند طرح التوبة عليها { أولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } ولا تبتئس على نفوس الأشقياء لأن أعمالها حجة الله على شقاوتهم، وبتلك السلاسل يسحبون في النار على وجوههم { واصنع الفلك } اتخذ يا نوح الروح سفينة الشريعة بنظرنا لا بنظرك فإن نظرك تبع الحواس يبصر ظاهرها ويغفل عن أسرارها { ولا تخاطبني في الذين ظلموا } فإن الظلم من شيم النفوس { إنهم مغرقون } في بحر الدنيا وشهواتها. { وكلما مر عليه ملأ } هم النفس وهواها وصفاتها { يسخرون } من استعمال أركان الشريعة إذ لم يفهموا حقائقها { حتى إذا جاء أمرنا } وهو حد البلوغ والركوب في سفينة الشريعة { وفار } ماء الشهوة من تنور القالب { قلنا احمل } في سفينة الشريعة من كل صفة وزوجها: كالشهوة وزوجها العفة. والحرص وزوجها القناعة، والبخل وزوجها السخاء، والغضب وزوجه الحلم، وكذا الحقد مع السلامة، والعداوة مع المحبة، والكبر مع التواضع، والتأني مع العجلة { وأهلك } وهم صفات الروح لا النفس { ومن آمن } وهم القلب والسر. وفي قوله تعالى: { وقال اركبوا فيها باسم الله } إشارة إلى أن من ركب سفينة الشرع بالطبع وتقليد الآباء والمعلمين لم يحصل له النجاة الحقيقية كما ركب إبليس بالطبع في سفينة نوح وإنما النجاة لمن ركب بأمر الله وذكره مجراها من الله ومرساها إلى الله كقوله:
{ وأن إلى ربك المنتهى } [النجم: 42] { في موج } من الفتن { كالجبال ونادى نوح } الروح { ابنه } كنعان النفس المتولد بينه وبين القالب { وكان في معزل } من معرفة الله وطلبه { سآوي إلى جبل } العقل { يعصمني من الماء } الفتن { لا عاصم اليوم } أي إذا نبع ماء الشهوات من أرض البشرية ونزل ماء ملاذ الدنيا وزينتها من سماء القضاء فلا يتخلص منه إلا من يرحمه الله بالاعتصام بسفينة الشريعة { ابلعي } ماء شهواتك { اقلعي } عن إنزال مطر الآفات { وغيض } ماء الفتن ببركة الشرع { وقضي الأمر } ما كان مقدراً من طوفان الفتن للابتلاء والتربية، { واستوت } سفينة الشريعة { على الجودي } وهو مقام التمكين بعد مقامات التلوين { وإن وعدك الحق } وهو ما وعد نوح الروح عند إهباطه إلى العالم السفلي من الرجوع إلى العالم العلوي: { إنه ليس من أهلك } وكان للروح أربعة بنين: ثلاثة من المؤمنين وهم القلب والسر والعقل، وواحد كافر وهو النفس. فنفى عن النفس أهلية الدين والملة لأنها خلقت للأمارية { اهبط } من سفينة الشريعة عند مفارقة الجسد والخلاص من طوفان الفتن { وأمم سنمتعهم } هم النفوس متعت بالحظوظ الدنيوية { ثم يمسهم } في الآخرة عذاب البعد عن المألوفات، { فاصبر } على تربية الروح و النفس { إن العاقبة } لمن اتقى طوفان فتن الدنيا والنفس والهوى.