التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوۤاْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَىۤ أَن تَضَعُوۤاْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً
١٠٢
فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ إِنَّ ٱلصَّلَٰوةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَٰباً مَّوْقُوتاً
١٠٣
وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
١٠٤
إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً
١٠٥
وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً
١٠٦
وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً
١٠٧
يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً
١٠٨
هَٰأَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ جَٰدَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَمَن يُجَٰدِلُ ٱللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً
١٠٩
وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً
١١٠
وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
١١١
وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ ٱحْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً
١١٢
وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
١١٣
-النساء

غرائب القرآن و رغائب الفرقان

القراءات: { عن أسلحتكم وأمتعتكم } عباس بالاختلاس. { اطمأننتم } وبابه بغير همز: أبو عمرو ويزيد والأعشى والأصبهاني عن ورش وحمزة في الوقف. { بريا } بالتشديد: يزيد والشموتي وحمزة في الوقف.
الوقوف: { من ورائكم } ج. { وأسلحتهم } ط لانقطاع النظم مع اتصال المعنى. { واحدة } ط { أسلحتكم } ج { حذركم } ط { مهيناً } ه { وعلى جنوبكم } ط للابتداء باذا الشرطية مع الفاء. { الصلاة } ج لاحتمال فإن أو لأن { موقوتاً } ه { القوم } ط { كما تألمون } لا لاحتمال الواو الاستئناف أو الحال: { ما لا يرجون } ط { حكيمأً } ه { اراك الله } ط لأن ما بعد استئناف. { خصيماً } ه لا للعطف { واستغفر الله } ط { رحيماً } ه للآية مع العطف. { أنفسهم } ط { أثيماً } ه ج لاحتمال ما بعد الوصف. { من القول } ط { محيطاً } ه ط { وكيلاً } ه { رحيماً } ه { على نفسه } ط { حكيماً } ه { مبيناً } ه { يضلوك } ط { من شيء } ط { تعلم } ط { عظيماً } ه.
التفسير: قال أبو يوسف والحسن بن زياد: صلاة الخوف كانت خاصة للرسول صلى الله عليه وسلم / ولا تجوز لغيره لقوله تعالى: { وإذا كنت فيهم } ولأن تغيير هيئة الصلاة أمر على خلاف الدليل إلاّ أنا جوّزنا ذلك في حق النبي صلى الله عليه وسلم لفضيلة الصلاة خلفه فينبغي لغيره على المنع. وجمهور الفقهاء على أنها عامة لأن أئمة الأمة نواب عنه في كل عصر؛ ألا ترى أن قوله:
{ خذ من أموالهم صدقة } [التوبة:103] لم يوجب كون الرسول صلى الله عليه وسلم مخصوصاً به دون أئمة أمته؟ وذهب المزني إلى نسخ صلاة الخوف محتجاً بأنه صلى الله عليه وسلم لم يصلها في حرب الخندق، وأجيب بأن ذلك قبل نزول الآية. عن ابن عباس قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فلقي المشركين بعسفان، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر فرأوه يركع ويسجد هو وأصحابه قال بعضهم لبعض: كأن هذا فرصة لكم لو أغرتم عليهم ما علموا بكم حتى تواقعوهم. فقال قائل منهم: فإن لهم صلاة أخرى هي أحب إليهم من أهليهم وأموالهم فاستعدّوا حتى تغيروا عليهم فيها فأنزل الله عز وجل على نبيه: { وإذا كنت فيهم } إلى آخر الآية" أما شرح صلاة الخوف فهو أن الإمام يجعل القوم طائفتين ويصلي بإحداهما ركعة واحدة، ثم إذا فرغوا من الركعة سلموا منها ويذهبون إلى وجه العدو وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم الإمام ركعة أخرى ويسلم. وهذا مذهب من يرى صلاة الخوف ركعة فللإمام ركعتان وللقوم ركعة، وهذا مروي عن ابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد. وقال الحسن البصري: إن الإمام يصلي بتلك الطائفة ركعتين ويسلم، ثم تذهب تلك الطائفة إلى وجه العدّو وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي الإمام بهم مرة أخرى ركعتين كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ببطن نخل. وليس في هذه الصلاة إلاّ اقتداء مفترض بمتنفل، فإن الصلاة الثانية نافلة للإمام لا محالة. وفي جواز ذلك اختلاف بين العلماء. وقال الشافعي إن كان العدو في جهة القبلة صلى الإمام بجميع العسكر إلى الاعتدال عن ركوع الركعة الأولى، فإذا حان وقت السجدة حرست فرقة إما صف أو فرقة من صف إلى أن يفرغ الإمام وغير الحارسة من السجدتين، فإذا فرغ الإمام منهما سجدت الفرقة الحارسة ولحقت به حيث أمكنها، وإذا سجد الإمام الركعة الثانية حرست فرقة إما الفرقة الحارسة في الركعة الأولى أو الفرقة الأخرى وهذه أولى. فإذا فرغ الإمام من السجود سجدت الحارسة ولحقت بالإمام في التشهد ليسلم بهم وليس في هذه الصلاة إلاّ التخلف عن الإمام بأركان السجدتين والجلسة بينهما، واحتمل لحاجة الخوف وظهور العذر وبمثله صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان، وأما إن لم يكن العدوّ في وجه القبلة أو كانوا بحيث يمنعهم شيء من أبصار المسلمين صلى الإمام في الثنائية كالصبح أو الرباعية المقصورة بكل فرقة ركعة، وذلك أن ينحاز الإمام بفرقة إلى حيث لا تبلغهم سهام العدو فيصلي بهم ركعة، فإذا قام إلى الثانية انفردوا بها وسلموا وأخذوا مكان، إخوانهم في الصف، وانحاز الصف المقاتل إلى الإمام وهو ينتظر لهم واقتدوا به في / الثانية، فإذا جلس للتشهد قاموا وأتموا الثانية ولحقوا به قبل السلام وسلم بهم، وهذه صلاة ذات الرقاع رواه أبو داود والنسائي عن صالح عن سهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو حنيفة: ويروى عن ابن عمر وابن مسعود أن الطائفة الأولى يصلي بهم الإمام ركعة ويعودون إلى وجه العدو تأتي الطائفة الثانية فيصلي بهم بقية الصلاة وينصرفون إلى وجه العدو، ثم تعود الطائفة الأولى فيقضون بقية صلاتهم بغير قراءة وينصرفون إلى وجه العدو، ثم تعود الطائفة الثانية فيقضون بقية صلاتهم بقراءة. والفرق أن الطائفة الأولى أدركت أول الصلاة فهي في حكم من خلف الإمام، وأما الثانية فلم تدرك أول الصلاة والمسبوق فيما يقضي كالمنفرد في صلاته. ولا خلاف في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى بهذه الصلاة في أوقات مختلفة بحسب المصالح، وإنما وقع الاختلاف بين الفقهاء في أن الأفضل والأشد موافقة لظاهر الآية أيّ هذه الأقسام. فقال الواحدي: { ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا } يدل على أن الطائفة الأولى قد صلت عند إتيان الثانية كما هو مذهب الشافعي. وأما عند أبي حنيفة فالطائفة الثانية تأتي والأولى بعد في الصلاة وما فرغوا منها. وأيضاً قوله: { فليصلوا معك } ظاهرة يدل على أن جميع صلاة الطائفة الثانية مع الإمام. قال أصحاب أبي حنيفة: { فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم } يدل على أن الطائفة الأولى لم يفرغوا من الصلاة ولكنهم يصلون ركعة ثم يكونون من وراء الطائفة الثانية للحراسة. أجاب الواحدي بأن هذا إنما يلزم إذا جعلنا السجود والكون من ورائكم لطائفة واحدة، لكن السجود للأولى والكون من الوراء الذي بمعنى الحراسة للطائفة الثانية، أو معنى سجدوا صلوا وحينئذٍ لا يبقى إشكال وأيضاً الذي اختاره الشافعي أحوط لأمر الحرب فإنها أخف على الطائفتين جميعأ والحراسة خارج الصلاة أهون وليس فيها ما في غيرها من زيادة الذهاب والرجوع وكثرة الأفعال والاستدبار, وليس فيها إلاّ الانفراد عن الإمام في الركعة الثانية وذلك جائز على الأصح في الأمن أيضاً، وإلاّ انتظار الإمام بالطائفة الثانية مرتين وإن كانت الصلاة مغرباً فيصلي بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة ويجوز العكس. وإن كانت رباعية فيصلي بكل طائفة ركعتين، ويجوز أن يفرقهم أربع فرق إن مست الحاجة إليه بأن لا يكفي نصف المسلمين لعدوهم. واعلم أن الصلاة على الوجه المشروع ليست عزيمة بل لو صلى الإمام بطائفة وأمر غيره فيصلي بترك فضيلة الجماعة ويتنافسون في الاقتداء به فأمره الله تعالى بترتيبهم هكذا لتحوز إحدى الطائفتين فضيلة التكبير معه، والأخرى فضيلة التسليم معه. فالخطاب في قوله: { وإذا كنت } للنبي صلى الله عليه وسلم أي إذا كنت أيها النبي مع المؤمن في غزواتهم وخوفهم { فأقمت لهم / الصلاة } فاجعلهم طائفتين { فلتقم طائفة منهم معك } فصل بهم { وليأخذوا أسلحتهم } فإن كان الضمير لغير المصلين فلا كلام، وإن كان للمصلين فليأخذوا من السلاح ما لا يشغلهم عن الصلاة كالسيف والخنجر، ويحتمل أن يكون أمراً للفريقين بحمل السلاح لأن ذلك أقرب إلى الاحتياط. ثم قال للطائفة الثانية: { وليأخذوا حذرهم } فكأنه جعل الحذر والتيقظ آلة يستعملها الغازي. وفيه رحمة للخائف في الصلاة بأن يجعل بعض فكره في غير الصلاة. وإنما أمر هذه الطائفة بأخذ الحذر والأسلحة جميعاً لأن العدو قلما يتنبه في أول الصلاة لكون المسلمين في الصلاة بل يظنونهم قياماً للمحاربة، وأما في الركعة الثانية فيظهر لهم ذلك من ركوعهم وسجودهم الأولين فربما ينتهزون الفرصة في الهجوم عليهم كما ذكرنا في سبب النزول، فلا جرم خص الله تعالى هذا الموضع بزيادة تحذير { ميلة واحدة } شدة واحدة. ثم رخص لهم في وضع السلاح إذا أصابه بلل المطر فيسود وتفسد حدته وجدته أو يثقل على المرء إذا كان محشواً، وحين كان الرجل مريضاً فيشق عليه حمل السلاح ولكنه أعاد الأمر بأخذ الحذر لأن الغفلة عن كيد العدو لا تجوز بكل حال. قال بعض العلماء أخذ السلاح في صلاة الخوف سنة مؤكدة والأصح أنه واجب لأن ظاهر الأمر للوجوب، ولأن رفع الجناح عند العذر ينبىء عن وجود الجناح في غير ذلك الوقت لكن الشرط أن لا يحمل سلاحاً فحسب أن أمكنه، ولا يحمل الرمح إلاّ في طرف الصف. وبالجملة بحيث لا يتأذى به أحد وفي هذا دليل على أنه كان يجوز للنبي صلى الله عيله وسلم أن يأتي بصلاة الخوف على جهة يكون بها حاذراً غير غافل عن كيد العدو، فلا يكون شيء من الروايات الواردة فيها على خلاف نص القرآن وكما أن الآية دلت على وجوب الحذر عن العدو كذلك تدل على وجوب الحذر عن جميع المضار المظنون، وبهذا الطريق كان الإقدام على العلاج بالدواء والاحتراز عن الوباء في الجلوس تحت الجدار المائل واجباً. قالت المعتزلة: لو لم يكن العبد قادراً على الفعل والترك، وعلى جميع وجوه الحذر لم يكن للأمر بالحذر فائدة. والجواب أن لا ننكر الأسباب لكنا ندعي انتهاء الكل إلى مسببها ولهذا ختم الآية بقوله: { إن الله أعد للكافرين عذاباً مهيناً } ليعلموا أنه تعالى رتب على هذا الحذر كون الكفار مخذولين مقهورين وكان كما أخبر. أما قوله: { فإذا قضيتم الصلاة } ففيه قولان: الأول فإذا قضيتم صلاة الخوف فواظبوا على ذكر الله في جميع الأحوال فإن ما أنتم عليه من الخوف والحرب جدير بذكر الله وإظهار الخشوع واللجوء إليه. الثاني أن المراد بالذكر الصلاة أي صلوا قياماً حال اشتغالكم بالمسايفة والمقارعة، وقعوداً جاثين على الركب حال اشتغالكم بالرمي، وعلى جنوبكم مثخنين بالجراح. وأورد على هذا القول أن الذكر بمعنى الصلاة مجاز وأن المعنى يصير حينئذٍ: فإذا قضيتم الصلاة فصلوا وفيه بعد اللهم إلاّ أن يقال: المراد فإذا أردتم قضاء الصلاة فصلوا في شدّة / التحام القتال.
واعلم أن الآية مسبوقة بحكمين: أحدهما بيان القصر في صلاة المسافر والثاني بيان صلاة الخوف. فقوله: { فإذا اطمأننتم } يحتمل أن يراد به فإذا صرتم مقيمين فأقيموا الصلاة تامة من غير قصر ألبتة. ويحتمل أن يراد فإذا زال الخوف وحصل سكون القلب فأقيموا الصلاة التي كنتم تعرفونها من غير تغيير شيء من هيئاتها { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً } أي مكتوبة موقوتة محدودة بأوقات لا يجوز إخراجها عنها ولو في شدة الخوف، وفيه دليل للشافعي في إيجابه الصلاة على المحارب في حال المسايفة والاضطراب في المعركة إذا حضر وقتها. وعند أبي حنيفة هو معذور في تركها إلى أن يطمئن. وأوقات الصلاة الخمس مشهورة وقد يستدل عليها بقوله:
{ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } [البقرة:238] فإن الوسطى يجب أن تكون مغايرة للصلوات لئلا يلزم التكرار فهي زائدة على الثلاث، ولو كان الواجب أربعاً لم يوجد لها وسطى فإذاً أقلها خمس وسيجيء آيات أخر دالة على الأوقات الخمس كقوله: { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل } [هود:114] { أقم الصلاة لدلوك الشمس } [الإسراء:78] وسنشرحها إن شاء الله تعالى في مواضعها. قال المحققون: إن للإنسان خمس مراتب: سن النمو إلى تمام سن الشباب، وسن الوقوف وهو أن يبقى ذلك الشخص على صفة كماله من غير زيادة ولا نقصان، وسن الكهولة ويظهر فيها نقصان خفي في الإنسان، وسن الشيخوخة ويظهر فيها نقصانات جلية فيه إلى أن يموت ويهلك. وأما المرتبة الخامسة فهي أخباره وآثاره إلى أن يندرس وينطمس ويصير كأن لم يكن، وكذا الشمس إذا ظهر سلطانها من المشرق لا يزال يزداد ضياؤها إلى طلوع جرمها، ثم يزداد ارتفاعها شيئاً بعد شيء إلى أن يبلغ وسط السماء، ثم يظهر فيها نقصانات خفية من الانحطاط وضعف النور والحر إلى وقت العصر حين يصير ظل كل شيء مثله، ثم تظهر النقصانات الجلية إلى أن يصير في زمان لطيف ظل كل شيء مثليه، ثم أزيد إلى أن تغرب، ثم يبقى أثرها في أفق المغرب وهو الشفق، ثم ينمحي حتى يصير كأن الشمس لم توجد قط. فهذه الأحوال الخمس أمور عجيبة لا يقدر عليها إلاّ خالقها وخالق جميع الأشياء، وموافقة لأسنان الإنسان فلهذا تعينت أوقاتها للعبادة والإقبال على المعبود الحق تعالى جده. ثم عاد إلى الحث على الجهاد فقال: { ولا تهنوا في ابتغاء القوم } لا تضعفوا في طلب الكفار بالقتال والتعرض لهم بما يقلقهم. ثم ألزمهم الحجة بقوله: { إن تكونوا تألمون } والمعنى أن حصول الألم قدر مشترك بينكم وبينهم ولكم مع ذلك رجاء الثواب على الجهاد دونهم لأنهم ينكرون المعاد فأنتم أولى بالصبر على القتال / والحد فيه منهم، ويحتمل أن يراد بهذا الرجاء ما وعدهم الله من النصر والغلبة على سائر الأديان، أو يراد أنكم تعبدون الإله العالم القادر السميع البصير الذي يصح أن يرجى منه، وأنهم يعبدون الأصنام التي لا خيرهن يرجى ولا شرهن يخشى، ويروى أن هذا في بدر الصغرى كان بهم جراح فتواكلوا { وكان الله عليماً حكيماً } لا يكلفكم إلا ما فيه صلاح لكم في دينكم ودنياكم. ثم رجع إلى ما انجر منه الكلام وهو حديث المنافقين، وفيه أن الأحكام المذكورة كلها بإنزال الله تعالى وليس للرسول أن يحيد عن شيء منها طلباً لرضا قومه، وفيه أن كفر الكافر لا يبيح المساهلة في النظر له وإن كان يجوز الجهاد معه بل الواجب أن يحكم له وعليه بما أنزله تعالى على رسوله. قال أكثر المفسرين: "إن رجلاً من الأنصار - يقال له طعمة بن أبيرق أحد بني ظفر بن الحرث - سرق درعاً من جار له - يقال له قتادة بن النعمان - وجراباً فيه دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتى انتهى إلى الدار وفيها أثر الدقيق، ثم خبأها عند رجل من اليهود - يقال له زيد بن السمين - فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد عنده وحلف لهم والله ما أخذها وما له بها من علم فتركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودي فأخذوها فقال: دفعها إلي طعمة وشهد له ناس من اليهود. فقالت بنو ظفر: انطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلموه في ذلك وسألوه أن يجادل عن صاحبهم وقالوا: إنك إن لم تفعل هلك صاحبنا وافتضح وبرىء اليهودي. فَهَمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل وكان هواه صلى الله عليه وسلم معهم وأن يعاقب اليهودي. وقيل: همَّ أن يقطع يده فأنزل الله تعالى: { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق } الآيات إلى قوله: { ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً }" وفي الآية دليل على أن طعمة وقومه كانوا منافقين وإلا لما طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم نصرة الباطل وإلحاق السرقة باليهودي. قال أبو علي: قوله: { بما أراك الله } ليس منقولاً بالهمزة من رؤية البصر لأن حكم الحادثة لا يرى بالبصر ولا من رؤية القلب وإلا لاقتضى ثلاثة مفاعيل وليس في الآية إلا اثنان: أحدهما الكاف والآخر الضمير العائد المحذوف فهو إذن بمعنى الاعتقاد معناه بما علمك الله. وسمى ذلك العلم بالرؤية لأن العلم اليقيني المبرأ عن جهات الريب يكون جارياً مجرى الرؤية في القوة والظهور، وكان عمر يقول: لا يقولن أحدكم قضيت بما أراني الله فإن الله لم يجعل ذلك إلا لنبيه والرأي منا ظن وتكلف. قال بعض العلماء: في الآية دلالة على أنه ما كان يحكم إلا بالوحي والنص، وأن الاجتهاد ما كان جائزاً له صلى الله عليه وسلم وحينئذ يجب أن يكون حال الأمة كذلك لقوله: { فاتبعوه } } [الأنعام:153] وأجيب بأن العمل بالقياس عمل بالنص أيضاً وكأنه تعالى قال: مهما غلب على ظنك أن حكم الصورة المسكوت عنها مثل حكم الصورة المنصوص عليها بسبب أمر / جامع بين الصورتين، فاعلم أن تكليفي في حقك أن تعمل بموجب ذلك الظن. { ولا تكن للخائنين } أي لأجلهم يريد بني ظفر وهم قوم طعمة { خصيماً } مخاصماً وأصله من الخصم بالضم والسكون وهو ناحية الشيء وطرفه، وكأن كل واحد من الخصمين في ناحية من الحجة والدعوى. قال بعض الطاعنين في عصمة الأنبياء صلى الله عليه وسلم: لولا أن الرسول أراد أن يخاصم لأجل الخائن ويذب عنه لما ورد النهي عنه ولما أمر صلى الله عليه وسلم بالاستغفار. والجواب أن النهي عن الشي لا يقتضي كون المنهي مرتكباً للمنهي عنه، بل ثبت في الرواية أن قوم طعمة لما التمسوا منه صلى الله عليه وسلم أن يذب عن طعمة ويلحق السرقة باليهودي توقف وانتظر الوحي، ولعله أمر بالاستغفار لأنه مال طبعه إلى نصرة طعمة بسبب أنه كان في الظاهر من المسلمين وحسنات الأبرار سيئات المقربين، أو لعل القوم شهدوا بسرقة اليهودي وبراءة طعمة ولم يظهر للرسول صلى الله عليه وسلم ما يوجب القدح في شهادتهم، فهم بالقضاء على اليهودي وبراءة طعمة ولم يظهر للرسول صلى الله عليه وسلم ما يوجب القدح في شهادتهم, فهم بالقضاء على اليهودي فأطلعه الله تعالى على مصدوق الحال، أو لعل المراد واستغفر لأولئك الذين يذبون عن طعمة ثم قال: { ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } يعني طعمة ومن عاونه من قومه ممن علموا كونه سارقاً. والاختيان كالخيانة يقال: خانه واختانه، والعاصي خائن نفسه لأنه يحرم نفسه الثواب ويوصلها إلى العقاب { إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً } قال المفسرون: إن طعمة خان في الدرع وأثم في نسبة اليهودي إلى تلك السرقة. وإنما ورد البناآن على المبالغة والعموم ليتناول طعمة وكل من خان خيانة فلا تخاصم لخائن قط ولا تجادل عنه لأن الله لا يحبه. وأيضاً كان الله عالماً من طعمة بالإفراط في الخيانة وركوب الإثم. وروي أنه هرب إلى مكة وارتد ونقب حائطاً ليسرق أهله فسقط الحائط عليه فقتله، ومن كانت تلك خاتمة أمره لا يشك في حاله. وقالت العقلاء: إذا عثرت من رجل على سيئة فاعلم أن لها أخوات. وعن عمر أنه أمر بقطع يد سارق فجاءت أمه تبكي وتقول: هذه أول سرقة سرقها فاعف عنه. فقال: كذبت إن الله لا يؤاخذ عبده في أول مرة. وفي الآية دليل على أن من كان قليل الخيانة والإثم لم يكن في معرض السخط من الله. { يستخفون } يستترون من الناس حياء منهم وخوفاً من ضررهم { ولا يستخفون من الله } أي لا يستحيون منه لأن الاستخفاء لازم الاستحياء وهو معهم بالعلم والقدرة والرؤية وكفى هذا زاجراً للإنسان عن المعاصي { إذ يبيّتون } يدبرون { ما لا يرضى من القول } وهو تدبير طعمة أن يرمي بالدرع في دار زيد ليسرق دونه ويحلف ببراءته وتسمية التدبير وهو معنى في النفس قولاً ليس فيها إشكال عند القائلين بالكلام النفسي، وأما عند غيرهم فمجاز، أو لعلهم اجتمعوا في الليل ورتبوا كيفية المكر فسمى الله تعالى كلامهم ذلك بالقول المبيت الذي لا يرضاه الله، أو المراد بالقول الحلف الكاذب الذي حلف به بعد أن بيته { ها أنتم هؤلاء } ها للتنبيه في أنتم / وأولاء وهما مبتدأ وخبر وقوله: { جادلتم عنهم } جملة موضحة للأولى كما يقال للسخي: أنت حاتم تجود بمالك. أو المراد أنتم الذين جادلتم والخطاب لقوم مؤمنين كانوا يذبون عن طعمة وقومه لأنهم في الظاهر مسلمون. والمعنى: هبوا أنكم خاصمتم عن طعمة وقومه في الدنيا فمن الذي يخاصم عنهم في الآخرة إذا أخذهم الله بعذابه { أمن يكون عليهم وكيلاً } حافظاً ومحامياً عن عذاب الله. وهذا الاستفهام معطوف على الأول وكلاهما للإنكار والتقريع.
ثم أردف الوعيد بذكر التوبة فقال: { ومن يعمل سوءاً } قبيحاً متعدياً يسوء به غيره كما فعل طعمة بقتادة واليهودي { أو يظلم نفسه } بما يجازي به كالحلف الكاذب. وإنما خص ما يتعدى إلى الغير باسم السوء لأن إيصال الضرر إلى الغير سوء حاضر بخلاف الذي يعود وباله إلى فاعله فإن ذلك في الأكثر لا يكون ضرراً عاجلاً. لأن الإنسان لا يوصل الضرر إلى نفسه. وقد يستدل بإطلاق الآية على أن التوبة مقبولة عن جميع الذنوب وإن كان كفراً أو قتلاً عمداً أو غضباً للأموال، بل على أن مجرد الاستغفار كاف. وعن بعضهم أن الاستغفار لا ينفع مع الإصرار فلا بد من اقترانه بالتوبة { يجد الله غفور رحيماً } أي له فحذف هذا الرابط لدلالة الكلام عليه لأنه لا معنى للترغيب في الاستغفار إلا إذا كان المراد ذلك. وقيل: ومن يعمل سوءاً من ذنب دون الشرك أو يظلم نفسه بالشرك, وهذا بعث لطعمة على الاستغفار والتوبة لتلزمه الحجة مع العلم بما يكون منه, أو بعث لقومه لما فرط منهم من نصرته والذب عنه. { ومن يكسب إثماً } الكسب عبارة عما يفيد جر منفعة أو دفع مضرة ولذلك لم يجز وصف الباري تعالى بذلك. والمقصود منه ترغيب العاصي في الاستغفار وكأنه قال: الذنب الذي أتيت به إنما يعود وباله وضرره إليك لا إليّ فإني منزه عن النفع والضر، ولا تيأس من قبول التوبة. { وكان الله عليماً حكيماً } تقتضي حكمته أن يتجاوز عن التائب ما علمه منه { ومن يكسب خطيئة } صغيرة { وإثماً } كبيرة وقيل: الخطيئة الذنب القاصر على فاعله والإثم هو الذنب المتعدي إلى الغير كالظلم والقتل. وقيل: الخطيئة ما لا ينبغي فعله سواء كان بالعمد أو الخطأ، والإثم ما حصل بسبب العمد { ثم يرم به } أي بأحد المذكورين أو بالإثم أو بذلك الذنب لأن الخطيئة في معنى الذنب، أو بذلك الكسب { بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً } لأنه بكسب الإثم وبرمي البريء باهت فهو جامع بين الأمرين، فلا جرم يلحقه الذم في الدارين { ولولا فضل الله عليك ورحمته } ولولا أن خصك الله الفضل وهو النبوة وبالرحمة وهي العصمة { لهمت طائفة منهم } من بني ظفر أو طائفة من الناس والطائفة بنو ظفر { أن يضلوك } عن القضاء الحق والحكم العدل { وما يضلون إلا أنفسهم } بسبب تعاونهم على / الإثم والعدوان وشهادتهم بالزور والبهتان لأن وباله عليهم { وما يضرونك من شيء } لأنك إنما عملت بظاهر الحال وما أمرت الأنبياء إلا بالأحكام على الظواهر، أو هو وعد بإدامة العصمة له مما يريدون في الاستقبال من إيقاعه في الباطل. ثم أكد الوعيد بقوله: { وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة } أي إنه لما أمرك بتبليغ الشريعة إلى الخلق فكيف يليق بحكمته أن لا يعصمك عن الوقوع في الشبهات والضلالات؟ وعلى الأول يكون المراد أنه أوجب في الكتاب والحكمة بناء أحكام الشرع على الظاهر فكيف يضرك بناء الأمر عليه { وعلمك ما لم تكن تعلم } من أخبار الأولين. فيه معنيان: أحدهما أن يكون كما قال:
{ ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } [الشورى:52] أي أنزل الله عليك الكتاب والحكمة وأطلعك على أسرارها وأوقفك على حقائقهما مع أنك ما كنت قبل ذلك عالماً بشيء منهما، فكذلك يفعل بك في مستأنف إيامك حتى لا يقدر أحد من المنافقين على إضلالك. الثاني أن يكون المراد منها خفيات الأمور وضمائر القلوب أي علمك ما لم تكن تعلم من أخبار الأولين، فكذلك يعلمك من حيل المنافقين ووجوه مكايدهم ما تقدر على الاحتراز منهم { وكان فضل الله عليك عظيماً } فيه دليل ظاهر على شرف العلم حيث سماه عظيماً وسمى متاع الدنيا بأسرها قليلاً.
التأويل: الصلاة صورة جذبة الحق ومعراج العبد فلهذا فرضت في الخوف والأمن وشدة القتال والسفر والحضر والصحة المرض ليكون العبد مجذوب العناية على الدوام { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } أي أدمتها لهم لأن النظر إليك عبادة كما أن الصلاة عبادة، وكما أن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر فإنك تنهاهم عن الفحشاء والمنكر { فلتقم طائفة } هم الخواص { منهم } أي من عوامهم { معك } أي مع الله لأنك مع الله كقوله:
{ لا تحزن إنّ الله معنا } [التوبة:40] { وليأخذوا } يعني طائفة من بقية القوم { أسلحتهم } من الطاعات والعبادات دفعأً لعدو النفس والشيطان { فإذا سجدوا } يعني من معك ونزّلوا مقامات القرب { فليكونوا } أي هؤلاء القوم { من ورائكم } في المرتبة والمقام والمتابعة يحفظونكم باشتغالكم بالأمور الدنيوية لحوائجكم الضرورية للإنسان. { ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا معك } في الصحبة { فليصلوا معك } في الوصلة { وليأخذوا حذرهم } وهو آداب الطريقة { وأسلحتهم } وهي أركان الشريعة { ودّ الذين كفروا } هم عدوّ النفس وصفاتها { إن كان بكم أذى من مطر } يعني أشغال الدنيا وضروريات حوائج الإنسان يمطر عليكم في بعض الأوقات أن تضعوا أسحلة الطاعة والأركان ساعة فساعة { وخذوا حذركم } من التوجه إلى الحق ومراقبة الأحوال وحفظ القلب وحضوره مع الله وخلو السر / عن الالتفات لغير الله ورعاية التسليم والتفويض إلى الله والاستمداد من همم أعاظم الدين والالتجاء إلى ولاية النبوة { إنّ الله أعد } بهذه الأسباب { للكافرين } من كفار النفس والشيطان { عذاباً مهيناً فإذا قضيتم الصلاة } المكتوبة { فاذكروا الله } في جميع حالاتكم إنّ الصلاة كانت في الأزل { على المؤمنين كتاباً موقوتاً } مؤقتاً إلى الأبد كما أشار إليه بقوله: { إنا فتحنا لك } [الفتح:1] أي باباً من القدم إلى الحدوث { ليغفر لك الله } [الفتح:2] بما فتح عليك { ما تقدم } في الأزل { من ذنبك } [الفتح:2] بأن لم تكن مصلياً { وما تأخر } [الفتح:2] من ذنبك بأن لا تكون مصلياً { ويتم نعمته عليك } [الفتح:2] بأن يجعل سيئاتك وهي عدم صلاتك في الأزل أو الأبد مبدلة بالحسنات وهي الصلاة المقبولة من الأزل إلى الأبد { ويهديك صراطاً مستقيماً } من الأزل إلى الأبد ومن الأبد إلى الأزل { ولا تهنوا في ابتغاء القوم } النفس وصفاتها { أن تكونوا تألمون } في الجهاد بعناء الرياضات والعبادات فإنهم يألمون في طلب اللذات والشهوات { كما تألمون وترجون من الله } العواطف الأزلية والعوارف الأبدية { ما لا يرجون } لأنّ همم النفس الدنية لا تجاوز قصورها الدنية المجازية الفانية { بما أراك الله } حين أوحى إليك بلا واسطة ما أوحى وأراك آياته الكبرى.