غرائب القرآن و رغائب الفرقان
القراءات: { فكهين } مقصوراً: يزيد { وأتبعناهم } من باب الأفعال: أبو عمرو
{ وذريتهم } على التوحيد مرفوعاً { ذرياتهم } على الجمع: أبو جعفر ونافع. وقرأ
أبو عمرو على الجمع فيهما منصوباً. وقرأ { ذريتهم } ابن عامر وسهل ويعقوب على الجمع
أيضاً ولكن برفع الأول. الباقون: على التوحيد فيهما الأول مرفوعاً والثاني منصوباً
{ ألتناهم } بكسر اللام ثلاثياً. ابن كثير { لؤلؤ } بتليين الهمزة الأولى: شجاع ويزيد
وأبو بكر وحماد وحمزة في الوقف كما مر في الحج { أنه هو البر } بفتح الهمزة: أبو جعفر
ونافع وعلي { أنا كنا ندعوه } { لأنه } { المسيطرون } بالسين: ابن كثير في رواية. وابن
عامر والآخرون: بالصاد. وقرأ حمزة في رواية بإشمام الراء { يصعقون } مبنياً للمفعول:
ابن عامر وعاصم { وإدبار النجوم } بالفتح: زيد عن يعقوب.
الوقوف: { والطور } ه لا { مسطور } ه لا { منشور } ه لا { المعمور } ه لا
{ المرفوع } ه لا { المسجور } ه لا { لواقع } ه لا { من دافع } ه لا { موراً } ه لا
{ سيراً } ط { للمكذبين } ه لا { يلعبون } ه م { دعا } ط لأن التقدير يقال لهم هذه النار
{ تكذبون } ه { لا تبصرون } ه { تصبروا } ه لاختلاف الجملتين مع اتفاق المعنى
{ عليكم } ط { تعملون } ه { ونعيم } ه لا { آتاهم ربهم } ج لاحتمال العطف واتضاح
وجه الحال أي وقد وقاهم { الجحيم } ه { تعملون } ه لا { مصفوفة } ج { عين } ه
{ شيء } ه { رهين } ه { يشتهون } ه { ولا تأثيم } ه { مكنون } ه { يتساءلون } ه
{ مشفقين } ه { السموم } ه ط لمن قرأ { إنه } بالكسر { الرحيم } ه { مجنون } ه لأن "أم"
ابتداء استفهام وتوبيخ { المنون } ه { المتربصين } ه ط لما قلنا { طاغون } ه ج لاحتمال
ابتداء الاستفهام والجواب بقوله بل { لا يؤمنون } ه ج للآية مع الفاء { صادقين } ه ط
{ الخالقون } ه ط { والأرض } ج لأن "بل" للإضراب مع العطف { لا يوقنون } ه { المسيطرون } ه ط { فيه } ج لتناهي الاستفهام مع فاء التعقيب { مبين } ه ط { البنون } ه
ط { مثقلون } ه { يكتبون } ط { كيداً } ط { المكيدون } ه ط والضابط فيما تقدم أن كلما
وصل "أم" فهو للجواب وما قطع فهو بمعنى ألف الاستفهام { غير الله } ط { يشركون } ه
{ مركوم } ه { يصعقون } ه لا لأن { يوم } بدل ما تقدمه { ينصرون } ه ط { لا يعلمون }
ه { تقوم } ه لا { النجوم } ه.
التفسير: لما ختم السورة المتقدمة بوقوع اليوم الموعود أقسم على ذلك بالطور وهو
الجبل الذي مر ذكره مراراً في قصة موسى. والكتاب المسطور التوراة ظاهراً لأنه هو
المناسب للطور. وقيل: اللوح المحفوظ. وقيل: صحيفة الأعمال. والرق الصحيفة أو
الجلد الذي يكتب عليه. والمنشور خلاف المطوي كقوله { ونخرج له يوم القيامة كتاباً
يلقاه منشوراً } [الإسراء: 13] وقيل: هو القرآن ونكر لأنه كتاب مخصوص من بين جنس
الكتب { والبيت المعمور } الكعبة أو الضراح في السماء السابعة سمي معموراً لكثرة زواره
من الحجاج أو الملائكة { والسقف المرفوع } السماء { والبحر المسجور } المملوء أو
الموقد من قوله { وإذا البحار سجرت } [الأنفطار: 3] وقد سبق في "المؤمن" في قوله { ثم
في النار يسجرون } [الآية: 72] عن جبير بن مطعم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكلمه في الأساري
فألفيته في صلاة الفجر يقرأ سورة { والطور } فلما بلغ { إن عذاب ربك لواقع } أسلمت
خوفاً من أن ينزل العذاب { يوم تمور } تضطرب وتجيء وتذهب وقد يقال: المور تحرك
في تموج كحركة الزئبق ونحوه. قلت: لأهل التأويل أن يقولوا: الطور القوة العقلية،
وكتاب مسطور هي الجلايا القدسية والمعارف الإلهية الثابتة فيها كالحرف في الرق،
والبيت المعمور بيت القلب، والسقف المرفوع الرأس، والبحر المسجور الدماغ المملوء
من الخيالات والأوهام. { إن عذاب ربك } بالحرمان عن الإكرام لازدحام ظلم الآثام لواقع
يوم القيامة الصغرى إذ تمور سماء الأرواح حين قطع العلائق وحيلولة العوائق موراً،
وتسير جبال النفوس الحيوانية الأمارة التي أثقلت ظهر صاحبها لانتهاء سيرانها وانقضاء
سلطانها سيراً. والدع الدفع العنيف. قال المفسرون: إن خزنة النار يغلون أيديهم إلى
أعناقهم ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم ويدفعونهم إلى النار دفعاً على وجوههم وزجاً في
أقفيتهم. والاستفهام في قوله { أفسحر } للتقريع والتهكم، والفاء مؤكد له أي كنتم تقولون
للوحي إنه سحر فهذا أيضاً سحر { أم أنتم لا تبصرون } هذا المخبر عنه في الآخرة كما كنتم لا تصدقون الخبر عنه في الدنيا. وقوله { فاصبروا أو لا تصبروا } كقوله { سواء علينا
لا تصدقون الخبر عنه في الدنيا. وقوله { فاصبروا أو لا تصبروا } كقوله { { سواء علينا
أجزعنا أم صبرنا } [إبراهيم: 21] ثم علل الاستواء بقوله { إنما تجزون } يعني أن الجزاء لا
بد من حصوله فلا مزية للصبر على عدمه. قوله { ووقاهم } معطوف على متعلق قوله { في
جنات } أي استقروا في جنات ونعيم ووقاهم العذاب. وجوز أن يعطف على { آتاهم } على
أن "ما" مصدرية أي فاكهين بالإيتاء والوقاية { كلوا } على إرادة القول أي يقال لهم كلوا
{ واشربوا } أكلاً وشرباً { هنيئاً } أو طعاماً وشراباً هنيئاً لا تنغيص فيه. وقد مر في أول
"النساء". وجوز جار الله أن يكون صفة في معنى المصدر القائم مقام الفعل أي هنأكم الأكل
والشرب بسبب ما عملتم، أو الباء مزيدة أي هنأكم جزاء ما عملتم. قوله { والذين آمنوا }
ظاهره أنه مبتدأ خبره { ألحقنا } قال جار الله: هو معطوف على { حور عين } أي قرناهم
بحور عين والذين آمنوا من رفقائهم وجلسائهم وأتبعناهم ذرياتهم كي يجتمع لهم أنواع
السرور بملاعبة الحور وبمؤانسة الإخوان المؤمنين وباجتماع أولادهم ونسلهم بهم. وقوله
{ بإيمان } أي بسبب إيمان عظيم رفيع المحل وهو إيمان الآباء. { ألحقنا } بدرجاتهم
{ ذريتهم } ويجوز أن يراد إيمان الذرية الداني المحل كما جاء في الحديث " إن الله يرفع
ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه لتقر بهم عينه ثم تلا هذه الآية" { وما ألتناهم } أي وما
نقصنا من ثوابهم شيئاً بعطية الأبناء ولا بسبب غيرها ولكن وفرنا عليهم جميع ما ذكرنا
تفضلاً وإحساناً. ثم بين أن الجزاء بمقدار العمل فقال { كل امرىء بما كسب رهين } أي
مرهون. قال جار الله: كأن نفس العبد رهن عند الله بالعمل الصالح الذي هو مطالب به كما
يرهن الرجل عبده بدين عليه. فإن عمل صالحاً فكها وخلصها وإلا أوبقها. وقيل: هذا
يعود إلى الكفار. والرهين المرهون المأخوذ المحبس على أمر يؤدي عنه. وقيل: بمعنى
راهن وهو المقيم أي كل إنسان مقيم في جزاء ما يقدم. { وأمددناهم } وزدناهم وقتاً بعد
وقت { يتنازعون } يتعاطون هم وقرناؤهم { لا لغو فيها } أي لا حديث باطل في أثناء
شربها. ونفى اللغو لانتفاء الغول الذي هو من تعاكسيه { ولا تأثيم } أي لا يفعلون ما
ينسب صاحبه إلى الإثم لو فعله في دار التكليف، وإنما يتكلمون بالكلام الحسن المفيد
وذلك أنهم حكماء علماء. والغلمان الخدام المختصمون بهم، واللؤلؤ المكنون المستور في
الصدف أو في الدرج وذلك أنه أصفى وأرطب وأثمن. وقيل لقتادة: هذا هو الخادم فكيف
المخدوم؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفس بيده إن فضل المخدوم على الخادم
كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب" وعنه صلى الله عليه وسلم " إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينادي
الخادم من خدامه فيجيب ألف ببابه لبيك لبيك" { يتساءلون } يتحادثون { مشفقين } أرقاء
القلوب من خشية الله وعذاب السموم عذاب النار لأنها تدخل المسام ومنه الريح السموم
{ من قبل } أي في الدنيا { فذكر } فأثبت على ما أنت عليه من التذكير والدعوة العامة { فما
أنت بنعمة ربك } أي بسبب حمد الله وإنعامه عليك { بكاهن } كما يزعمون { ولا مجنون }
فلعله كان لهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوال، فبعضهم ينسبونه إلى الكهانة نظراً إلى إخباره عن
المغيبات، وبعضهم يرمونه بالجنون حيث لا يسمعون منه ما يوافق هواهم ويطابق مغزاهم،
وبعضهم يرون أن تأثير كلامه فيهم من باب التخييل لا الإعجاز كما قال { أم يقولون شاعر
نتربص به ريب المنون } وهو ما يقلق النفوس ويزعجها من حوادث الدهر، وقيل: المنون
الموت "فعول" من منه إذا قطعه لأن الموت قطوع ولذلك سمي شعوب. وقد قالوا: ننتظر
به نوائب الزمان فيهلك كما هلك الشعراء قبله. والأحلام العقول وكانت قريش يدعون
أنهم أهل النهي والأحلام. وكون الأحلام أمرتهم مجاز لأدائها إلى تلك الأقوال الفاسدة،
وفيه تقريع وتوبيخ إذ لو كان لهم عقل لميزوا بين الحق والباطل والمعجز وغيره { تقوَّله }
اختلقه من تلقاء نفسه { بل لا يؤمنون } جحوداً وعناداً وقد صح عندهم إعجاز القرآن وإلا
{ فليأتوا بحديث مثله }.
ثم وبخهم على إنكار الصانع بقوله { أم خلقوا من غير شيء } من غير خالق { أم هم
الخالقون } أنفسهم. وقيل: أخلقوا من أجل لا شيء من جزاء وحساب. والأول أقوى
لقوله { أم خلقوا السموات والأرض } ثم احتج عليهم بالأنفس ثم بالآفاق ثم قال { بل لا
يوقنون } وذلك أنه حكى عنهم { ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله }
[لقمان: 25] فتبين أنهم في هذا الاعتراف شاكون إذ لو عرفوه حق معرفته لم يثبتوا له نداً
ولم يحسدوا من اختاره للرسالة كما وبخهم عليه بقوله { أم عندهم خزائن ربك } حتى
يختاروا للنبوة من أرادوه { أم هم المسيطرون } المسلطون الغالبون حتى يدبروا أمر العالم
على حسب مشيئتهم { أم لهم سلم يستمعون } الوحي صاعدين { فيه } إلى السماء عالمين
بالمحق والمبطل ومن له العاقبة. والمغرم أن يلتزم الإنسان ما ليس عليه { أم عندهم
الغيب } المحفوظ في اللوح { فهم يكتبون } ما فيه من أحوال المبدأ والنبوة والمعاد
فيحكمون بحسبها { أم يريدون كيداً } وهو كيدهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة وفي غيرها
{ فالذين كفروا } اللام لهؤلاء أو للجنس فيشملهم { هم المكيدون } المغلوبون الذين يعود
وبال الكيد عليهم فقتلوا ببدر وأظهر الله دين الإسلام. ثم صرح بالمقصود الكلي فوبخهم
على إشراكهم ونزه نفسه عن ذلك بقوله { سبحان الله } ثم أجاب عن بعض مقترحهم وهو
قولهم { أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً } والمراد أنهم لفرط عنادهم لا يفيد معهم
شيء من الدلائل فلو أسقطنا عليهم قطعة من السماء لقالوا هذا سحاب مركوم بعضه فوق
بعض. ومعنى يصعقون يموتون وذلك عند النفخة الأولى. قوله { عذاباً دون ذلك } أي
قبل يوم القيامة وهو القتل ببدر القحط سبع سنين وعذاب القبر { فأصبر لحكم ربك }
بإمهالهم وتبليغ الرسالة { فإنك } محفوظ { بأعيننا } وهو مجاز عن الكلاءة التامة والجمع
للتعظيم والمبالغة و { حين تقوم } أي من أي مكان قمت أو من منامك. وإدبار النجوم
بالكسر غروبها آخر الليل وهو بالحقيقة تلاشي نورها في ضوء الصبح، وبالفتح أعقابها.
والمعنى مثل ما قلنا. وقيل: التسبيح التهجد. ومن الليل صلاة العشاءين، وإدبار النجوم
صلاة الفجر. أمره بالإقبال على طاعته بعد الفراغ عن دعوة الأمة فليس له شأن إلا هذين.