التفاسير

< >
عرض

قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
١
ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ
٢
وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
٣
فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٤
إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ
٥
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوۤاْ أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
٦
أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٧
أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
٨
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَاجَوْاْ بِٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٩
إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١٠
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
١١
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٢
ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
١٣
أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
١٤
أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٥
ٱتَّخَذْوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ
١٦
لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
١٧
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ
١٨
ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ
١٩
إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلأَذَلِّينَ
٢٠
كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ
٢١
لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٢٢
-المجادلة

غرائب القرآن و رغائب الفرقان

القراءات { يظاهرون } من المظاهرة: عاصم { يظهرون } بتشديد الظاء والهاء من الظهر وأصله " يتظهرون " أدغمت التاء في الظاء: أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو وسهل ويعقوب. والباقون { يظاهرون } بتشديد الظاء ويزادة الألف من التظاهر وأصله " يتظاهرون" { ما هن أمهاتهم } بالرفع: المفضل. الآخرون: بكسر التاء على إعمال " ما " عمل ليس هذه هي الفصحى { ما تكون } بتاء التأنيث: يزيد وهو ظاهر. الآخرون: على التذكير بناء على أن التقدير ما يقع شيء من نجوى. { ولا أكثر } بالرفع: يعقوب إما على الابتداء كقولك " لا حول ولا قوة" أو للعطف على محل { من نجوى } الباقون: بالنصب على أن " لا " لنفي الجنس أو على أنهما مجروران عطفاً على { نجوى } كأنه قيل: ما يكون من أدنى ولا أكثر إلا هو معهم. أو عطفاً على العدد والتقدير: ما يكون من نجوى أكثر من ذلك { وتتناجوا } على باب الافتعال: حمزة ورويس { ولا تتناجوا } من الافتعال أيضاً. رويس. { المجالس } على الجمع: عاصم { انشزوا } بضم الشين فيهما: أبو جعفر ونافع وأبن عامر وعاصم غير يحيى وحماد والهراز. الآخرون: بالكسر فيهما وهما لغتان مثل { يعرشون } و { يعرشون } { ورسلي } بفتح الياء: أبو جعفر ونافع وابن عامر { عشيراتهم } على الجمع: الشموني { كتب } مجهولاً الإيمان بالرفع: المفضل.
الوقوف: { تحاوركما } ط { بصير } ه { ما هن أمهاتهم } ط { ولدنهم } ط { وزوراً } ط { غفور } ه { يتماسا } ط { به } ط { خبير } ه { يتماسا } ج { مسكيناً } ط { ورسوله } ط { الله } ط { أليم } ه { بينات } ق { مهين } ه ط لاحتمال تعلق الظرف بما قبله وكونه مفعولاً لاذكر { عملوا } ط { ونسوه } ط { شهيد } ه { وما في الأرض } ه { كانوا } ج لأن " ثم " للعطف أو لترتيب الاخبار { القيامة } ط { عليم } ه { الرسول } ز لعطف الجملتين المتفقتين معنى مع أن { جاؤك } فعل ماض لفظاً { به الله } لا لأن ما بعده حال أو عطف على { جاؤك } لمستقبل معنى { نقول } ط { جهنم } ط لاحتمال الحال وكونه مستأنفاً { يصلونها } ج { المصير } ه { والتقوى } ج { تحشرون } ه { بإذن الله } ط { المؤمنون } ه { يفسح الله لكم } ج لابتداء شرط آخر مع العطف { منكم } لا للعطف { درجات } ط { خبير } ه { صدقة } ط { وأطهر } ط { رحيم } ه { صدقات } ط لتناهي الاستفهام إلى الشرط { ورسوله } ط { تعملون } ه { عيلهم } ط لتناهي الاستفهام إلى الإخبار { منهم } لا بناء على أن ما بعده حاله والعامل معنى الفعل في الجار أي وهم يحلفون قاله السجاوندي ولا يبعد عندي أن يكون مستأنفاً فيحسن الوقف. { يعلمون } ه { شديداً } ط { يعملون } ه { مهين } ه { شيئاً } ط { النار } ط { خالدون } ه { على شيء } ط { الكاذبون } ه { ذكر الله } ط { أولئك حزب الشيطان } ط { الخاسرون } ه ه { الأذلين } ه { رسلي } ط { عزيز } ه { عشيرتهم } ط { بروح منه } ط للعدول عن الماضي إلى المستقبل { فيها } ط { عنه } ط { أولئك حزب الله } ط { المفلحون } ه.
التفسير: عن عائشة قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد كلمت المجادلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جانب البيت وأنا عنده لا أسمع وقد سمع الله لها. وعن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلت عليه أكرمها وقال: قد سمع الله لها أي أجاب وهي خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت أخي عبادة. ورآها وهي تصلي وكانت حسنة الجسم فلما سلمت راودها فأبت فغضب وكان به حدة فظاهر منها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أوساً تزوّجني وأنا شابة مرغوب فيّ، فلما كبر سني ونثرت بطني أي كثر منه ولدي جعلني منه كأمه. وفي رواية أنها قالت: إن لي صبية صغاراً إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إليّ جاعوا. فقال صلى الله عليه وسلم لها: ما عندي في أمرك شيء. وروي أنه قال لها مراراً: حرمت عليه. وهي تقول: أشكو إلى الله فاقتي ووجدي فنزلت. ومعنى { في زوجها } في شأنه ومعنى " قد" في { قد سمع الله } التوقع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمجادلة كانا يتوقعان أن يسمع الله عز وجل مجادلتها وشكواها وينزل في شأنها ما يفرج عنها. والتحاور التراجع في الكلام وفي الآية دلالة على أن من انقطع رجاؤه عن الخلق كفاه الله همه.
"يروى أنه صلى الله عليه وسلم أرسل إلى زوجها وقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: الشيطان، فهل من رخصة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم وقرأ عليه الآيات الأربع وقال صلى الله عليه وسلم له: هل تستطيع العتق؟ فقال: لا والله. فقال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟ فقال: لا والله يا رسول الله إلا أن تعينني منك بصدقة فأعانه بخمسة عشر صاعاً وأخرج أوس من عنده مثله فتصدق به على ستين" . وعلم أن الظهار كان من أشد طلاق الجاهلية لأنه في التحريم غاية فإن كان شرعاً متقدماً فالآية ناسخة له ولا سيما فيمن روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: حرمت عليه. وإن كان عادة الجاهلية فلا نسخ لأن النسخ لا يوجد إلا في الشرائع. ثم إنه سبحانه وبخ العرب أوّلاً بقوله { الذين يُظاهِرُونَ منكم } ثم بين الحكم العام في الآية الثانية ولهذا لم يورد لفظة منكم ونحن نبني تفسير الآية على أبحاث الأول في معنى الظهار وهو عبارة عن قول الرجل لامرأته "أنت عليّ كظهر أمي" فاشتقاقه من الظهر. وقال صاحب النظم: ليس الظهر بذلك أولى في هذا المطلوب من سائر الأعضاء التي هي موضع التلذذ فهو مأخوذ من ظهر إذا علا وغلب وبه سمي المركوب ظهراً لأن راكبه يعلوه، وكذلك امرأة الرجل مركبه وظهر له. والدليل على صحة هذا المعنى أن العرب تقول في الطلاق: نزلت عن امرأتي أي طلقتها. وفي لفظ الظهار إضمار والتقدير: ظهرك عليّ أي علوي وركوبي عليك حرام علي كعلو أمي. ثم لا مناقشة بين العلماء في الصلات فلو قال: أنت معي أو عندي أو مني أو لي كظهر أمي صح ظهاره. وكذا لو ترك الصلات كلها وقال: أنت كظهر أمي كما أن قوله "أنت طالق" صريح وإن لم يقل "مني" أما إذا شبهها بغير الظهر فذهب الشافعي إلى أن ذلك العضو إن كان مشعراً بالإكرام كقوله أنت علي كروح أمي أو عين أمي صح ظهاره إن أراد الظهار لا الإكرام وإلا فلا. وإن لم ينو شيئاً ففيه قولان، وإن لم يكن مشعراً بالكرامة كقوله أنت كرجل أمي أو كيدها أو بطنها ففي الجديد ظهار، وفي القديم لا، وقد يرجح هذا البراءة الأصلية. وقال أبو حنيفة: إن شبهها بعضو من الأم يحل له النظر إليه كاليد أو الرأس لم يكن ظهاراً، وإن شبهها بعضو يحرم النظر إليه كالبطن والفخذ كان ظهاراً. وفي التشبيه بالمحرمات الأخر من النسب أو الرضاع سوى الأم في الجديد وعليه أبو حنيفة أنه ظهار لعموم قوله { يظاهرون } ومن قصره على الأم احتج بقوله بعده { ما هنّ أمهاتهم } وبأن حرمة الأم أشد.
البحث الثاني في المظاهر وفيه مسائل: الأولى: قال الشافعي: كل من صح طلاقه صح ظهاره وإن كان خصياً أو مجبوباً، ويتفرع عليه أن ظهار الذمي صحيح. حجة الشافعي عموم قوله تعالى { والذين يظاهرون } وأيضاً تأثير الظهار في التحريم والذمي أهل لذلك بدليل صحة طلاقه. وأيضاً إيجاب الكفارة للزجر عن هذا الفعل الذي هو منكر من القول وزور وهذا المعنى قائم في حق الذمي. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يصح ظهاره. واحتج أبو بكر الرازي لهما بأن قوله { والذين يظاهرون منكم } خطاب للمؤمنين. وأيضاً من لوازم الظهار تصحيح وجوب الصوم على العائد العاجز عن الإعتاق وإيجاب الصوم على الذمي ممتنع لأنه مع الكفر باطل، وبعد الإسلام غير لازم لأنه يجب ما قبله. وأجيب عن الأول بأن قوله { منكم } خطاب للحاضرين فلم قلتم: إنه يختص بالمؤمنين؟ على أن التخصيص بالذكر عندكم لا يدل على نفي ما عداه. وأيضاً العام عندكم إذا أورد بعد الخاص كان ناسخاً للخاص. وعن الثاني أن من لوازم الظهار أيضاً أنه حين عجز عن الصوم اكتفي منه بالإطعام فهو ههنا إن تحقق العجز وجب أن يكتفي فيه بالإطعام، وإن لم يتحقق العجز زال السؤال. وأيضاً الصوم بدل عن الإعتاق والبدل أضعف عن المبدل. ثم إن العبد عاجز عن الإعتاق مع أنه يصح ظهاره بالاتفاق فإذا كان فوات أقوى اللازمين لا يوجب منع الظهار ففوات الأضعف كيف يمنع؟ وقال القاضي حسين من أصحاب الشافعي في الجواب: نقول للذمي إن أردت الخلاص من التحريم فأسلم وصم قوله الإسلام يجب ما قبله. قلنا: إنه عام والتكفير خاص والخاص مقدّم على العام. الثانية قال مالك وأبو حنيفة والشافعي: لا يصح ظهار المرأة من زوجها وهو ظاهر ولو قال شهراً فقد قال أبو حنيفة والشافعي: بطل ظهاره بمضي المدة وكان قبل ذلك صحيحاً لام روي أن سلمة بن صخر ظاهر من امرأته حتى ينسلخ رمضان ثم وطئها في المدة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحرير رقبة. وأما بطلان ظهاره بعد المدة فلمقتضى اللفظ كما في الأيمان. فإذا مضت المدة حل الوطء لارتفاع الظهار وبقيت الكفارة في ذمته. وقال مالك وابن أبى ليلى: هو مظاهر أبداً.
البحث الثالث في المظاهر عنها. ويصح الظهار عن الصغيرة والمجنونة والأمة المتزوّجة والذمية والرتقاء والحائض والنفساء، ولا يصح عن الأجنبية سواء أطلق أو علق بالنكاح فقال "إذا نكحتك فأنت عليّ كظهر أمي". ويصح عن الرجعية ولا يصح عن الأمة وأم الولد عند أبي حنيفة والشافعي لأن قوله تعالى { والذين يظاهرون من نسائهم } يتناول الحرائر دون الاماء كما في قوله
{ أو نسائهن } [النور: 31] بدليل أنه عطف عليه قوله { { أو ما ملكت أيمانهن } [النور: 31] وقال مالك والأوزاعي: يصح لأن قوله { من نسائهم } يشمل ملك اليمين لغة. وفي الآية سؤال وهو أن المظاهر شبّه الزوجة بالأم ولم يقل إنها أم فيكف أنكر الله عليه بقوله { ما هن أمهاتهم } وحكم بأنه منكر وزور؟ والجواب أن قوله " أنت عليّ كظهر أمي " إن كان إخباراً فهو كذب لأن الزوجة حلال والأم حرام وتشبيه المحللة بالمحرمة في وصف الحل والحرمة كذب، وإن كان إنشاء كان معناه أن الشرع جعله سبباً في حصول الحرمة، ولما لم يرد الشرع بهذا السبب كان الحكم به كذباً وزوراً ولهذا أوجب الله سبحانه الكفارة على صاحب القول بعد العود. سؤال آخر قوله تعالى { إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم } ظاهره يقتضي أنه لا أم إلا الوالدة لكنه قال في موضع آخر { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم } [النساء: 23] وقال { { وأزواجه أمهاتهم } [الأحزاب: 6] أجاب في الكشاف بأنه يريد أن الأمهات على الحقيقة إنما هن الوالدات وغيرهن ملحقات بهن لدخولهن في حكمهن بسبب الإرضاع، أو لكونها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أبو الأمة. وأما الزوجات فلسن من أحد القبيلين وكان قول المظاهر منكراً لمخالفة الحقيقة وزوراً لعدم موافقة الشرع. قوله { ثم يعودون لما قالوا } قال الفراء: لا فرق في اللغة بين قولك عاد لما قال وإلى ما قال وفيما قال. وقال أبو علي الفارسي: كلمة إلى واللام يتعاقبان قال الله تعالى { الحمد لله الذي هدانا لهذا } [الأعراف: 43] وقال { فاهدوهم إلى صراط الجحيم } } [الصافات: 23] وقال أهل اللغة: إذا قال قائل عاد لما فعل جاز أن يريد أنه فعله مرة أخرى وهذا ظاهر، وجاز أن يريد أن نقض ما فعل لأن التصرف في الشيء بالإعدام لا يمكن إلا بالعودة إليه، وإلى هذا ذهب أكثر المجتهدين إلا أن الشافعي قال: معنى العود لما قالوا السكوت عن الطلاق قعد الظهار زماناً يمكنه أن يطلقها فيه، وذلك أنه لما ظاهر فقد قصد التحريم فإن وصل ذلك بالطلاق فقد تمم ما شرع فيه من إيقاع التحريم ولا كفارة عليه، فإذا سكت عن الطلاق دل على أنه ندم على ما ابتدأه من التحريم فحينئذ تجب عليه الكفارة. واعترض أبو بكر الرازي في أحكام القرآن عليه من وجهين: الأول أنه تعالى قال { ثم يعودون } وكلمة " ثم " تقتضي التراخي. وعلى قول الشافعي يكون المظاهر عائداً عقيب القول بلا تراخ وهذا خلاف مفهوم الآية. الثاني أنه شبهها بالأم والأم لا يحرم إمساكها فلا يكون إمساك الزوجة نقضاً لما قال. وأجيب عن الأول بأنه يوجب أن لا يتمكن المظاهر من العود إليها بهذا التفسير عقيب فراغه من التلفظ بلفظ الظهار حتى يحصل التراخي مع أن الأمة مجمعة على أن له ذلك. والتحقيق أن العبرة بالحكم ونحن لا نحكم بالعود ما لم ينقض زمان يمكنه أن يطلقها فيه فقد تأخر كونه عائداً عن كونه مظاهراً بهذا القدر من الزمان وهذا يكفي في العمل بمقتضى كلمة " ثم ". وعن الثاني أن المراد إمساكها على سبيل الزوجية واللفظ محتمل لهذا وإمساك الأم بهذا الوجه محرم. وقال أبو حنيفة: معناه استباحة الوطء والملامسة والنظر إليها بالشهوة، وذلك أنه لام شبهها بالأم في حرمة هذه الأشياء ثم قصد استباحتها كان مناقضاً لقوله " أنت عليّ كظهر أمي". وقال مالك: العود إليها عبارة عن العزم على جماعها، وضعف بأن العزم على جماعها لا يناقض كونها محرمة إنما المناقض لكونها محرمة هو القصد إلى استحلال جماعها فيرجع إلى قول أبي حنيفة. ولا يرد عليه إلا أنه خص وجه التشبيه من غير دليل، والذي ذكره الشافعي أعم وأقل ما يطلق عليه اسم العود فكان أولى. وعن طاوس والحسن أن العود إليها عبارة عن جماعها وخطىء لقوله { فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا } وإذا كان التكفير قبل الجماع والتكفير لا يثبت إلا بعد العود فالعود غير الجماع. وأما الاحتمال الأول وهو أن العود لما فعل هو فعلة مرة أخرى ففيه أيضاً وجوه: الأول: قول الثوري: إن العود هو الإتيان بالظهار في الإسلام وزيف بأنه يرجع حاصل المعنى إلى قوله { والذين } كانوا { يظاهرون من نسائهم } في الجاهلية { ثم يعودون لما قالوا } في الإسلام { فكفارته } كذا وكذا وهذا إضمار من غير دليل مع أنه خلاف الأصل. الثاني قال أبو العالية: إذا كرر لفظ الظهار فهو عود وإلا فلا. وضعف بحديث أوس وحديث سلمة بن صخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لزمهما الكفارة مع أنهما لم يكررا الظهار. الثالثة: قال أبو مسلم الأصفهاني: العود هو أن يحلف على ما قال أوّلاً من لفظ الظهار فإذا لم يحلف لم تلزمه الكفارة قياساً على ما لو قال في بعض الأطعمة " إنه حرام عليّ كلحم الآدمي " فإنه لا يلزمه الكفارة إلا إذا حلف عليه. ورد بأن الكفارة قد تجب بالإجماع في المناسك ولا يمين. وعندي أن هذا الرد مردود لأنه لا يلزم من وجوب الكفارة في الصورتين من غير يمين وجوبها في كل صورة بلا يمين. نعم يرد على أبي مسلم أن تفسير العود بالحلف إثبات اللغة بالقياس، ولا يخفى أن العود لما قالوا على هذا الاحتمال ظاهر لأنه أريد بالقول اللفظ. وأما الاحتمال الآخر فيحتاج إلى تأويل القول بالمقول فيه وهو ما حرموه على أنفسهم بلفظ الظهار كما مر في قوله { ونرثه ما يقول } [مريم: 81] أي المال والواو للحال.
مسائل: الأولى: الجديد وأبو حنيفة أن الظهار يحرم جميع جهات الاستمتاعات لأن قوله سبحانه { من قبل أن يتماسا } يعم جميع ضروب المس من المس بيد وغيرها.
"وروى عكرمة أن رجلاً ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يكفر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال: اعتزلها حتى تكفِّر" . الثانية: اختلفوا فيمن ظاهر مراراً فقال أبو حنيفة والشافعي: لكل ظهار كفّارة إلا أن يكون في مجلس واحد وأراد التكرار للتأكيد. وقال مالك: من ظاهر من امرأته في مجالس متفرقة فليس عليه إلا كفّارة واحدة. وحجتهما أنه تعالى رتب الكفّارة على التلفظ بكلمة الظهار والمعلول يتكرر بتكرر العلة، ويتفرع عليه أنه لو كانت تحته أربع نسوة وقال لهن: أنتن عليّ كظهر أمي لزمه أربع كفارات لأن الحكم يتكرر ويتعدّد المحل. حجته أنه رتب الكفارة على مطلق الظهار والمطلق شامل للمتعدد، ونوقض باليمين فإن الكفارة لازمة في كل يمين. الثالثة: دلت على إيجاب الكفارة قبل التماس فإن جامع قبل أن يكفر لم يجب عليه إلا كفارة واحدة وهو قول أكثر أهل العلم كمالك وأبي حنيفة والشافعي وسفيان وأحمد وإسحق، لأن سلمة بن صخر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ظاهرت من امرأتي ثم أبصرت خلخالها في ليلة قمراء فواقعتها. فقال عليه الصلاة والسلام: استغفر ربك ولا تعد حتى تكفّر. وقال بعضهم ومنهم بعد الرحمن بن مهدي: إذا واقعها قبل أن يكفر فعليه كفارتان. الرابعة: لا ينبغي للمرأة أن تدع الزوج يقربها حتى يكفّر فإن تهاون حال الإمام بينهما ويجبره على التكفير وإن كان بالضرب حتى يوفيها حقها من الجماع. قال الفقهاء: ولا شيء من الكفارات يجبر عليه ويحبس إلا كفارة الظهار لأن ترك التكفير إضرار بالمرأة وامتناع من إيفاء حقها. الخامسة: قد ذكرنا أن الاستمتاعات محرمة عليه إلى أن يكفّر وذلك صريح في تحرير الربة وفي الصيام والآن نقول: إن التكفير بالإطعام أيضاً كذلك وإن لم يتعرض للتماس في قوله { فإطعام ستين مسكيناً } حملاً للمطلق على المقيد عند اتحاد الواقعة، وللأقل وهو صورة واحدة على الأكثر وهذه من فصاحات القرآن. السادسة: مذهب أبي حنيفة أن هذه الرقبة تجزي وإن كانت كافرة لإطلاق الآية. وقال الشافعي: لا بد أن تكون مؤمنة قياساً على كفارة القتل. والجامع أن الإعتاق إنعام والمؤمن أولى به، ولأن المشركين نجس وكل نجس خبيث بالإجماع. وقال الله تعالى { ولا تيمموا الخبيث } [البقرة: 267] ولا تجزي أم الولد ولا المكاتب عند الشافعي لضعف الملكية فيه ولا يحصل الجزم بالخروج عن العهدة. وقال أبو حنيفة: إن أعتقه قبل أن يؤدي شيئاً جاز عن الكفارة لأنه رقبة بدليل قوله { وفي الرقاب } [البقرة: 177] وإن أعتقه بعد أن يؤدي شيئاً لم يجز. والمدبر يجزي عند الشافعي ولا يجزي عند أبي حنيفة. السابعة: يعتبر في الرقبة بعد الإيمان على خلاف فيه السلامة عن العيوب لا التي يثبت بها الرد في البيع ولكن التي تخل بالعمل والاكتساب لأن المقصود هناك المالية وههنا تكميل حاله ليتفرغ للعبادات والوظائف المخصوصة بالأحرار، فلا يجزي مقطوع اليدين أو الرجلين أو إحداهما ولا المجنون، ويجزي الأعور والأصم والأخرس ومقطوع الأذنين أو الأنف أو أصابع الرجلين لا أصابع اليد لأن البطش والعمل يتعلق بها. والعبد الغائب. إن انقطع خبره لا يجزي ولو أعتق بعده عن كفارته شرط أن يردّ ديناراًَ أو غيره لم يجز بل يجب أن يكون الإعتاق خالياً من شوائب العوض. الثامنة: كفارة الظهار مرتبة على ما في الآية. فإن كان في ملكه عبد فاضل عن حاجته فواجبه هو، وإن احتاج إلى خدمته لمرض أو كبر أو لأن منصبه يأبى أن يخدم نفسه لم يكلف صرفه إلى الكفارة، ولو وجد ثمن العبد فكالعبد. والشرط أن يفضل عن حاجة نفقته وكسوته ونفقة عياله وكسوتهم وعن المسكن وما لا بدّ له من الأثاث ولو كانت له ضيعة أو رأس مال يتجر فيه ويفي ما يحصل منهما بكفايته بلا مزيد ولو باعهما لارتدّ إلى حد المساكين لم يكلف صرفه إلى الكفارة. ولو وجد ثمن العبد فكالعبد والشرط بيعها وإن كان ماله غائباً أو لم يجد الرقبة في الحال لم يجز العدول إلى الصوم بل يصبر، وإن كان يتضرر بامتناع الابتياع لأنه تعالى قال { فمن لم يجد } وهو واجد. أما من كان مريضاً في الحال ولا يقدر على الصوم فإنه ينتقل إلى الإطعام لأنه تعالى قال { فمن لم يستطع } وهو غير مستطيع، والمآل غير معلوم ولا هو متعلق باختياره بخلاف إحضار المال أو تحصيل الرقبة فإن ذلك قد يمكنه. التاسعة: لو أطعم مسكيناً واحداً ستين مرة لا يجزي عند الشافعي لظاهر الآية، ولأن إدخال السرور في قلب ستين أجمع وأقرب من رضا الله. وقال أبو حنيفة: يجزي. العاشرة: الشبق المفرط والغلمة عذر عند الأكثرين في الانتقال إلى الإطعام كما في قصة الأعرابي وهل أتيت إلا من قبل الصوم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أطعم. وحمله آخرون على خاصة الأعرابي. ولنكتف بهذا القدر من المسائل الفقهية في تفسير آية الظهار.
قال الزجاج { ذلكم توعظون } أي ذلك التغليظ وعظ لكم حتى تتركوا الظهار. وحين ذكر حكم الآية عقبه بقوله ذلك فيحتمل أن يعود إلى مطلق بيان كفارة الظهار، ويحتمل أن يعود إلى التخفيف والتوسيع لتصدقوا بالله ورسوله فإن التخفيف مناسب للتصديق والعمل بالشريعة { وللكافرين } الذين استمروا على أحكام الجاهلية { عذاب أليم } وإنما قال في الآية الثانية { عذاب مهين } ليناسب قوله { كبتوا } أي أخزوا وأهلكوا. قيل: أريد كبتهم يوم الخندق. وفي الحدود مع المحادة نوع من التجانس، والمحادّة المشاقة من الحد الطرف كأن كلاً من المتخاصمين في طرف آخر كالمشاقة من الشق. وقال أبو مسلم: هي من الحديد كأن كلا منهما يكاد يستعمل الحديد أي السيف وهم المنافقون أو الكافرون على الإطلاق. قوله { أحصاه الله } أي أحاط بما عمل كل منهم كماً وكيفاً وزماناً ومكاناً { ونسوه } لكثرته أو لقلة اكتراثهم بالمعاصي وإنما يحفظ معظمات الأمور. ثم قرر كمال علمه بقوله { ما يكون من نجوى ثلاثة } نفر ويجوز أن يكون ثلاثة وصفاً للنجوى على حذف المضاف أي من أهل نجوى، أو لأنهم جعلوا نجوى مبالغة وكذلك كل مصدر وصف به. قال الزجاج: هي مشتقة من النجوة المكان المرتفع لأن الكلام المذكور سراً يجل عن استماع الغير. سؤال: لم ذكر الثلاثة والخمسة وأهمل ذكر الاثنين والاربعة؟ الجواب من وجوه أحدها: أن الآية نزلت في قوم من المنافقين اجتمعوا على التناجي مغايظة للمؤمنين وكانوا على هذين العددين فحص صورة الواقعة بالذكر. عن ابن عباس أن ربيعة وحبيباً ابني عمرو وصفوان بن أمية كانوا يوماً مّا يتحدثون فقال أحدهم: أترى أن الله يعلم ما نقول. فقال الآخر: يعلم بعضاً ولا يعلم بعضاً. وقال الثالث: إن كان يعلم بعضاً فهو يعلم كله فنزلت. قالت جماعة: الحق مع الثالث فلعل الآخر كان فلسفي الاعتقاد القائل بأنه تعالى يعلم الكليات دون الجزئيات. ثانيها أن العدد الفرد أشرف من الزوج لأن الله تعالى وتر ولأن الزوج يحتاج إلى الوتر دون العكس كالواحد. وثالثها أن المتشاورين الاثنين كالمتنازعين في النفي والإثبات، والثالث كالمتوسط الحكم وهكذا في كل زوج اجتمعوا للمشاورة فلا بد فيهم من واحد يكون حكماً فذكر سبحانه الفردين الأولين تنبيهاً على الأفراد الباقية. ورابعها أن هذا إشارة إلى كمال المرحمة، وذلك أن الثلاثة إذا أخذ اثنان منهم في التناجي والمسارّة بقي الواحد ضائعاً وحيداً فيضيق قلبه فيقول الله تعالى: أنا جليسك وأنيسك. وكذا الخمسة إذا اجتمع اثنان اثنان منهم بقي الخامس فريداً فنفس الله تعالى عنه ببشارة المعية. وهذا التأويل لا يتأتى في الاثنين والأربعة فأهمل ذكرهما. وفيه أن من انقطع عن الخلق لم يتركه الله ضائعاً. وخامسها وهو من السوانح. أنه سبحانه لما أراد تكميل الكلام بقوله { ولا أدنى من ذلك ولا أكثر } لم يكن بد من الابتداء بالثلاثة مع أنها عدد أكثري في التشاور، ثم بالخمسة ليكون لكل من العددين طرفا قلة وكثرة. وفيه أيضاً من الفصاحة أنه لم يقع حروف الأربعة مكرراً إذ لو قال " ولا أربعة إلا وهو خامسهم " على ما وقع في مصحف عبد الله لكان في ذكر الرابع والأربعة شبه تكرار. ولعل في الآية إشارة إلى التناجي لا ينبغي أن يكون إلا بين اثنين إلى ستة لتكون الزيادة على الخمسة بقدر احتمال النقصان على الثلاثة، ويعضده ما روي أن عمر بن الخطاب ترك الأمر شورى بين ستة ولم يتجاوز بها إلى سابع، وهذه من نكت القرآن زادنا الله اطلاعاً عليها. قال أكثر المفسرين: كانت اليهود والمنافقون يتناجون فيما بينهم ويتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين يريدون بذلك غيظهم، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فعادوا لمثله وكان تناجيهم بما هو إثم وعدوان للمؤمنين وتواص بمحالفة الرسول صلى الله عليه وسلم فنزل { ألم تر إلى الذين } الآية منهم من قال: هم المنافقون ومنهم من قال: فريق من الكفار. والأول أقرب بدليل قوله { وإذا جاؤك حيوك بما لم يحيك } وذلك أنهم كانوا يقولون " السلام عليك يا محمد " والله تعالى يقول
{ وسلام على عباده الذين اصطفى } [النمل: 59] و " يا أيها الرسول " و " يا أيها النبي ". وحديث عائشة مع اليهود في هذا المعنى مذكور مع شهرته وكانوا يقولون: ما له إن كان نبياً لا يدعو علينا حتى يعذبنا الله بما نقول، فأجاب الله تعالى عن قولهم بأن جهنم تكفيهم. قال أبو علي: التناجي والانتجاء بمعنى نحو اجتوروا واعتوروا في معنى تجاوروا وتعاوروا. ثم نهى المؤمنين عن مثل تلك النجوى وهو ظاهر. وقال جمع من المفسرين: وهو خطاب المنافقين الذين آمنوا باللسان دون مواطأة القلوب. وأعلم أن المناجاة إذا كانت على طريقة البر والتقوى فقلما تقع الداعية إلى كتمانها فلا تكره النجوى ولا يتأذى بها أحد إذا عرفت سيرة المناجي فلهذا أمر الله سبحانه أن لا يقع التناجي إلا على وجه البر.
قوله { إنما النجوى } الألف واللام فيه لا يمكن أن تكون للاستغراق أو للجنس، فمن النجوى ما تكون ممدوحة لاشتمالها على مصلحة دينية أو دنيوية فهي إذن للعهد وهو التناجي بالإثم والعدوان زينة الشيطان لأجلهم { ليحزن } الشيطان، أو التناجي المؤمنين وكانوا يقولون ما نراهم متناجين إلا وقد بلغهم عن أقاربنا الذين خرجوا إلى الغزوات أنهم قتلوا أو هربوا. ثم بين أن الشيطان أو الحزن لا يضر المؤمن أصلاً إلا بمشيئة الله وإرادته. عن النبي صلى الله عليه وسلم
" إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما فإن ذلك يحزنه" وفي رواية " دون الثالث". وحين نهى تعالى عباده المؤمنين عما يكون سبباً للتباغض والتنافر حثهم على ما يوجب مزيد المحبة والألفة. والتفسح في المجلس التوسع لله والمراد مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتضامّون فيه تنافساً في القرب منه وحرصاً على استماع كلامه. ومن قرأ على الجمع جعل لكل جالس مجلساً على حدة. وقيل: هو المجلس من مجالس القتال أي مراكز القتال. كان الرجل يأتي الصف فيقول: تفسحوا. فيأبون حرصاً على الشهادة. والقول الأول أصح. قال مقاتل بن حيان: كان صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة في الصفة وفي المكان ضيق وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فجاء ناس من أهل بدر وقد سبقوا إلى المجلس فقاموا حيال النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرون أن يوسع لهم، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملهم على القيام وشق ذلك على الرسول فقال لمن حوله من غير أهل بدر: قم يا فلان قم يا فلان. فلم يزل كذلك حتى أقعد النفر الذين هم قيام بين يديه فعرفت الكراهية في وجه من أقيم من مجلسه، وطعن المنافقون في ذلك قالوا: والله ما عدل على هؤلاء وإن قوماً أخذوا مجالسهم وأحبوا القرب منه فأقامهم فأجلس من أبطأ عنه فنزلت { وإذا قيل انشزوا } أي انهضوا للتوسعة على المقبلين فانشزوا ولا تملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالارتكاز فيه { يرفع الله الذين آمنوا منكم } أيها الممتثلون والعالمين منهم خاصة { درجات } قال بعض أهل العلم: المراد به الرفعة في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وهو مناسب للمقام لقوله "ليليني منكم أولو الأحلام والنهي" " والمشهور أنه الرفعة في درجات ثواب الآخرة وقد أطنبنا في فضيلة العلم في أوائل البقرة عند قوله { وعلم آدم الأسماء كلها } [البقرة: 31] والأمر يقتضي أن يقتدى بالعالم في كل شيء ولا يقتدى بالجاهل في شيء، وذلك أنه يعلم من كيفية الاحتراز عن الحرام والشبهات ومحاسبة النفس ما لا يعرفه الغير، ويعلم من كيفية التوبة وأوقاتها وصفاتها ما لا خبر فيه عند غيره، ويتحفظ فيما يلزمه من الحقوق ما لا يتحفظ غيره ولكنه كما تعظم منزلته عند الطاعة ينبغى أن يعظم عتابه عند التقصيرات حتى كاد تكون الصغيرة بالنسبة إليه كبيرة، واللهم ثبتنا على صراطك المستقيم ووفقنا للعمل بما فهمنا من كتابك الكريم. قال ابن عباس: كان المسلمون أكثروا المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه وأراد الله أن يخفف عن نبيه، فلما نزلت آية النجوى شح كثير من الناس فكفوا عن المسئلة. وقال مقاتل بن حيان: إن الأغنياء غلبوا الفقراء في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وأكثروا مناجاته فأمر الله بالصدقة عند المناجاة فازدادت درجة الفقراء وانحطت رتبة الأغنياء وتميز محب الآخرة عن محب الدنيا. قال بعضهم: هذه الصدقة مندوبة لقوله { ذلك خير لكم } ولأنه أزيل العمل به بكلام متصل وهو قوله { أأشفقتم } والأكثرون على أنها كانت واجبة لظاهر الأمر , والواجب قد يوصف بكونه خيراً ولا يلزم من اتصال الآيتين في القراءة اتصالهما في النزول. وقد يكون الناسخ متقدماً على المنسوخ كما مر في آية الاعتداد بالحول في البقرة. واختلفوا في مقدار تأخرها: فعن الكلبي ما بقى ذلك التكليف إلا ساعة من نهار. وعن مقاتل بقي عشرة أيام. وعن علي رضي الله عنه: لما نزلت الآية دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تقول في دينار؟ قلت: لا يطيقونه. قال: كم؟ قلت: حبة أو شعيرة. قال: إنك لزهيد أي إنك لقليل المال فقدرت على حسب مالك. وعنه عليه السلام: إن في كتاب الله آية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي. كان لي دينار فاشتريت به عشرة دراهم فكنت إذا ناجيته تصدّقت بدرهم. قال الكلبي: تصدق به في عشر كلمات سألهن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال القاضي: هذا لا يدل على فضله على أكابر الصحابة لأن الوقت لعله لم يتسع للعمل بهذا الفرض. وقال فخر الدين الرازي: سلمنا أن الوقت قد وسع إلا أن الاقدام على هذا العمل مما يضيق قلب الفقير الذي لا يجد شيئاً وينفر الرجل الغني ولم يكن في تركه مضرة.لأن الذي يكون سبباً للألفة أولى مما يكون سبباً للوحشة. وأيضاً الصدقة عند المناجاة واجبة: أما المناجاة فليست بواجبة ولا مندوبة بل الأولى ترك المناجاة لما بيّنا من أنها كانت سبباً لسآمة النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: هذا الكلام لا يخلو عن تعصب مّا. ومن أين يلزمنا أن نثبت مفضولية علي رضي الله عنه في كل خصلة، ولم لا يجوز أن يحصل له فضيلة لم توجد لغيره من أكابر الصحابة. فقد روي عن ابن عمر كان لعلي رضي الله عنه ثلاث لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إليّ من حمر النعم: تزويجه فاطمة رضي الله عنها وإعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى. وهل يقول منصف إن مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم نقيصة على أنه لم يرد في الآية نهي عن المناجاة وإنما ورد تقديم الصدقة على المناجاة فمن عمل بالآية حصل له الفضيلة من جهتين: سدّ خلة بعض الفقراء، ومن جهة محبة نجوى الرسول صلى الله عليه وسلم ففيها القرب منه وحل المسائل العويصة وإظهار أن نجواه أحب إلى المناجي من المال والظاهر أن الآية منسوخة بما بعدها وهو قوله { أأشفقتم } إلى آخرها. قاله ابن عباس. وقيل: نسخت بآية الزكاة. أما أبو مسلم الذي يدعي أن لا نسخ في القرآن فإنه يقول: كان هذا التكليف مقدراً بغاية مخصوصة ليتميز الموافق من المنافق والمخلص من المرائي، وانتهاء أمد الحكم لا يكون نسخاً له. ومعنى الآية أخفتم تقديم الصدقات لما فيه من الإنفاق المنقص للمال الذي هو أحب الأشياء إليكم { فإذا لم تفعلوا } ما أمرتم به { وتاب الله عليكم } ورخص لكم في أن لا تفعلوا فلا تفرطوا في الصلاة والزكاة وسائر الطاعات. ومن زعم أن العمل بآية النجوى لم يكن من الطاعات قال: إنه لا يمتنع أن الله تعالى علم ضيق صدر كثير منهم عن إعطاء الصدقة في المستقبل لو دام الوجوب فقال: إذا كنتم تائبين راجعين إلى الله وأقمتم الصلاة وأتيتم الزكاة فقد كفاكم هذا التكليف. قال المفسرون: كان عبد الله بن نبتل المنافق يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرفع حديثه إلى اليهود. فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرة من حجراته إذ قال: يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعين شيطان، فدخل ابن نبتل وكان أزرق فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فحلف بالله ما فعل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل فعلت. فانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه فنزل { ألم تر إلى الذين تولوا } أي وادّوا { قوماً غضب الله عليهم } وهم اليهود { ما هم منكم } لأنهم ليسوا مسلمين بالحقيقة { ولا منهم } لأنهم كانوا مشركين في الأصل { ويحلفون على الكذب } وهو ادعاء الإسلام. وفي قوله { وهم يعلمون } دلالة على إبطال قول الجاحظ إن الخبر الكذب هو الذي يكون مخالفاً للمخبر عنه مع أن المخبر يعلم المخالفة وذلك أنه لو كان كما زعم لم يكن لقوله { وهم يعلمون } فائدة بل يكون تكراراً صرفاً. قال بعض المحققين: العذاب الشديد هو عذاب القبر، العذاب المهين الذي يجيء عقيبه هو عذاب الآخرة. وقيل: الكل عذاب الآخرة لقوله { الذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله زدناهم عذاباً فوق العذاب } [النحل: 88] قال جار الله: معنى قوله { إنهم ساء ما كانوا يعملون } إنهم كانوا في الزمان الماضي المتطاول مصرين على سور العمل، أو هي حكاية ما يقال لهم في الآخرة. ومعنى الفاء في { فصدوا } أنهم حين دخلوا في حماية الايمان بالأيمان الكاذبة وأمنوا على النفس والمال اشتغلوا بصدّ الناس عن الدخول في الإسلام بإلقاء الشبهات وتقبيح حال المسلمين. ويروى أن رجلاً منهم قال: لننصرن يوم القيامة بأنفسنا وأموالنا وأولادنا فنزل { لن تغني عنهم } الآية.
ثم أخبر عن حالهم العجيبة الشأن وهو أنهم يحلفون يوم المحشر لعلام الغيوب كما يحلفون لكم في الدنيا وأنتم بشر يخفى عليكم السرائر { ويحسبون أنهم على شيء } من النفع. والمراد أنهم كما عاشوا على النفاق والحلف الكاذب يموتون ويبعثون على ذلك الوصف. قال القاضي والجبائي: إن أهل الآخرة لا يكذبون. ومعنى الآية أنهم يحلفون في الآخرة إما ما كنا كافرين عند أنفسنا. وقوله { ألا أنهم هم الكاذبون } في الدنيا. ولا يخفى ما في هذا التأويل من التعسف وقد مر البحث في قوله
{ { والله ما كنا مشركين } [الأنعام: 23] ثم بين أن الشيطان هو الذي زين لهم ذلك. ومعنى استحوذ استولى وغلب ومنه قول عائشة في حق عمر: كان أحوذياً أي سائساً غالباً على الأمور وهو أحد ما جاء على الأصل نحو " استصوب واستنوق" احتج القاضي به في خلق الأعمال بأن ذلك النسيان لو حصل بخلق الله لكانت إضافتها إلى الشيطان كذباً، ولكانوا كالمؤمنين في كونهم حزب الله لا حزب الشيطان. والجواب ظاهر مما سلف مراراً فإن الكلام في الانتهاء لا في الوسط. قوله { أولئك في الأذلين } قال أهل المعنى: إن ذل أحد الخصمين تابع لعز الخصم الآخر. ولما كانت عزة أولياء الله تعالى غير متناهية فذل أعدائه لا نهاية له فهم إذن أذل خلق الله. ثم قرر سبب ذلهم بقوله { كتب الله } في اللوح { لأغلبن أنا ورسلي } إما بالحجة وحدها أو بها وبالسيف. قال مقاتل: إن المسلمين قالوا: إنا لنرجو أن يظهرنا الله على فارس والروم. فقال عبد الله بن أبيّ: أتظنون أن فارس والروم كبعض القرى التي غلبتموهم عليها؟ كلا والله إنهم أكثر عدداً وعدّة فنزلت الآية. ثم بين أن الجمع بين الإيمان الخالص وموادّة من حادّ الله ورسوله غير ممكن ولو كان المحادّون بعض الأقربين. وقال جار الله: هذا من باب التمثيل والغرض أنه لا ينبغي أن يكون وحقه أن يمتنع ولا يوجد. قلت: لو اعتبر كل من الأمرين من حيث الحقيقة كان بينهما أشد التباين ولا حاجة إلى هذا التكلف إلا أن يحمل أحدهما على الحقيقة والآخر على الظاهر فحينذ قد يجتمعان كما في حق أهل النفاق، وكما يوجد بعض أهل الإيمان يخالط بعض الكفرة ويعاشرهم لأسباب دنيوية ضرورية.عن النبي صلى الله عليه وسلم " "لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي نعمة فإني أجد فيما أوحي إليّ" { لا تجد قوماً } يروى أنها نزلت في أبي بكر، وذلك أن أبا قحافة سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصكه صكة سقط منها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو قد فعلته؟ قال: نعم. قال: لا تعد. قال: والله لو كان السيف قريباً مني لقتلته. وقيل: في أبي عبيدة بن الجراح فقتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد، وفي كثير من أكابر الصحابة أعرضوا عن عشائرهم وعادوهم لحب الله ورسوله. فذهب جمع من المفسرين إلى أنها نزلت في حاطب ابن أبي بلتعة وإخباره أهل مكة بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم عام الفتح وسيجيء في الممتحنة. والأظهر عندي نزولها في المؤمنين الخلص لقوله { أولئك كتب } أي أثبت { في قلوبهم الإيمان } إثبات المكتوب في القرطاس. وقيل: معناه جمع. والتركيب يدور عليه أي استكلموا أجزاء الإيمان بحذافيرها ليسوا ممن يقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض. قوله { وأيدهم بروح منه } قال ابن عباس: أي نصرهم على عدوّهم. وسمي النصرة روحاً لأن الأمر يحيا بها. ويحتمل أن يكون الضمير للإيمان على أنه في نفسه روح فيه حياة القلوب والباقي ظاهر والله أعلم وإليه المصير وبيده التوفيق والإتمام بالصواب.